القسم : بوابة الحقيقة
القمة العربية دلالات التوقيت والمكان
نشر بتاريخ : 3/11/2017 3:02:22 PM
د هايل ودعان الدعجة
بقلم: د. هايل ودعان الدعجة

يأتي انعقاد القمة العربية التي سيستضيفها الأردن أواخر الشهر الحالي ، وسط ظروف وتحديات  كبيرة فرضت نفسها على الساحة العربية ، وجعلت منها مستهدفة ومستباحة من قوى أقليمية ودولية تسعى الى تعزيز دورها وحضورها في المنطقة على حساب الأقطار العربية التي أعطت المجال لهذه القوى باقتحام ساحتها والتدخل في شؤونها الداخلية على وقع الأجواء المشحونة بالتوتر والخلاف التي القت بظلالها على العلاقات الأخوية والتاريخية بينها ، مثلت نقاط ضعف وثغرات أمكن للقوى الخارجية استغلالها وتوظيفها في اثارة الفوضى والاضطرابات بين هذه الأقطار واشغالها في نفسها عبر فتح العديد من جبهاتها الداخلية لتبقى غارقة في ازماتها ، حتى إذا ما خرجت من ازمة ادخلوها في ازمة أخرى ، وذلك بهدف استنزافها واضعافها وابقائها تحت رحمة هذه القوى التي اعتادت ان تجعل من التدخل في القضايا العربية وسيلة لاثبات نفوذها وحضورها في المنطقة كقوى إقليمية وعالمية مؤثرة . كما هو الحال في مواقف هذه القوى من القضية الفلسطينية وثورات الربيع العربي  والازمة السورية والأوضاع في العراق واليمن وليبيا وموضوع الإرهاب الذي يحاول بعضها الصاقه بالإسلام . ما يؤشر الى أهمية انعقاد القمة العربية بهذا التوقيت ، وقبل ان تتفاقم الأمور بصورة أوسع وأخطر بحيث تهدد الجميع ، وتصبح خارج السيطرة .

ان ما يميز انعقاد القمة القادمة ، ان الأردن يحظى بعلاقات قوية ومتوازنة ويقف على مساحة واحدة من كافة الأطراف العربية ، ما يجعل منه محطة توافقية مرحب بها من قبل هذه الأطراف لاحتضان القمة وسط حرص الجميع على حضورها . ما يعزز  من فرص نجاحها ، وينعكس إيجابيا على مستوى تمثيل الوفود المشاركة التي يتوقع ان تترأسها قيادات عربية ، وبما يتواءم وحجم التحديات التي فرضت نفسها على المشهد العربي . بصورة سوف تسهم في تنقية الأجواء العربية وتقريب وجهات النظر وبلورة رؤى عربية مشتركة ، كفيلة بالاسهام في احياء روح التضامن والتنسيق والتعاون العربي ، والخروج بتوافقات وتفاهمات حيال القضايا التي تشغل الشارع العربي ولو بالحدود الدنيا . ما يجعل من القمة العربية القادمة فرصة سانحة امام الأنظمة العربية لتدارك حدوث المزيد من المخاطر والتهديدات ، بالوقوف امام مسؤولياتها القومية والتاريخية والتحلي بأقصى درجات الاهتمام بجدوى العمل القومي المشترك ودوره في تحصين الجبهة العربية من أي اختراقات او تدخلات خارجية ،  اتساقا مع ما يقتضيه الواجب القومي بضرورة التعاطي مع القضايا العربية وملفاتها بروح المسؤولية وداخل البيت العربي  . وهنا تبرز أهمية المكان ودوره في تشجيع الأنظمة العربية على المشاركة في القمة القادمة في الأردن ، بصورة يتوقع ان تبعث على الامل والتفاؤل بان تحقق نتائج إيجابية تأمل الشعوب العربية  تحقيقها .

ولما كانت ثقة القيادات العربية كبيرة بجلالة الملك عبد الله الثاني في ظل ما يحظى به من مكانة دولية مرموقة ، وما يجسده من مرجعية موثوقة يعتد بها ، ويضطلع به من دور محوري في المنطقة ، عكسته الزيارات واللقاءات الملكية مع دوائر صنع القرار الدولي وفي المحافل الدولية ، فان هذا من شأنه ان يصب في صالح القمة ويترجم مخرجاتها وقراراتها الى حلول عملية ممكنة عبر توظيف هذا الحضور الملكي الفاعل والمؤثر في ابراز وجهات نظر الدول العربية ومواقفها حيال القضايا والملفات المدرجة على جدول اعمال القمة وتوضيحها للاسرة الدولية وكسب تأييدها ودعمها ووقوفها الى جانب هذه القضايا في ظل ما يتحلى به جلالة الملك من قدرة فائقة في مخاطبة الأطراف الدولية المختلفة وباللغة التي يفهما كل طرف . كما هو الحال في زيارات جلالة الملك الاخيرة لكل من أميركا ( كأول زعيم عربي يلتقي الرئيس دونالد ترامب بعد تنصيبه رئيسا )  وروسيا وبريطانيا التي تناولت قضايا مهمة يتوقع ان تدرج على أجندة القمة ، كالقضية الفلسطينية والازمة السورية ومكافحة الإرهاب وغيرها . ما يعني ان جلالته يمهد الطريق لوضع حلول وانفراجات لأجندة القمة قبل انعقادها .

دون ان نغفل القمة الأردنية ـ الأميركية المرتقبة ، التي ستكون بمثابة فرصة تاريخية ، سيعمد جلالة الملك كعادته دوما الى توظيفها في خدمة القضايا العربية ونصرتها ، ووضع الإدارة الأميركية الجديدة بصورة نتائج القمة وقراراتها ، وبما فيه صالح الدول العربية وشعوبها . خاصة وان مواقف الرئيس ترامب كما دلت الوقائع ، تؤشر بانها ليست في صالح الدول العربية والاسلامية. حيث نجح جلالته في زيارته الى أميركا مؤخرا في تغيير موقف الرئيس ترامب حيال موضوع الاستيطان الإسرائيلي على سبيل المثال ، واقناعه بانه يمثل عقبة كبيرة في طريق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، وانه لن يكون عاملا مساعدا في حل الصراع بينهم . إضافة الى تحذيرات جلالتة للإدارة الجديدة من عواقب نقل السفارة الأميركية الى القدس ، وما سوف يسببه من تأجيج لمشاعر الغضب في الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي . يأتي ذلك في ظل ثقة الإدارة الأميركية واحترامها وتقديرها لجهود جلالة الملك ودوره المحوري والمؤثر في المنطقة والعالم ، بصورة جعلتها ترحب به كشريك مهم لمساعدتها في البدء في بناء استراتيجية أميركية جديدة في المنطقة .

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023