القسم : بوابة الحقيقة
مئوية الدولة الأردنية...عهد الإمارة (1921-1946م) - 4
نشر بتاريخ : 4/5/2021 7:31:26 PM
د. منصور محمد الهزايمة

بقلم: د. منصور محمد الهزايمة    

 

نصّ قانون الإمارة الأساسي الصادر بناءً على معاهدة (1928م) على أن الإسلام دين الدولة، والعربية هي اللغة الرسمية، وعلى المساواة بين المواطنين دون اعتبار للجنس أو الدين أو العرق، وأكد على صون الحريات الشخصية، لكن هذا القانون جرت عليه تعديلات كثيرة في عهد الإمارة، وربما كان التغيير الأهم عندما حلَّ اسم "المملكة الأردنية الهاشمية" محل اسم "شرق الأردن"، واُستبدل لقب "صاحب السمو الأمير" بلقب "صاحب الجلالة" وذلك في 25 أيار من عام (1946م)، وهو ما يُحتفى به اليوم كمناسبة عيد الاستقلال.

جرى تغيير أخر عندما تحول المجلس التنفيذي إلى مجلس الوزراء، وبخصوص الحياة النيابية فقد صدر قانون انتخاب في آب (1928م) بحيث يتشكل مجلس تشريعي من 16 عضوا، وقسّم الإمارة إلى أربع دوائر؛ البلقاء، عجلون، معان، والكرك، إضافة إلى دائرتين للبدو شمال وجنوب بعضو واحد لكل منهما، وقد راعى القانون الانتخابي حقوق الطوائف والأقليات بشكل لافت.

تمت أول انتخابات تشريعية في كانون 2 (1929م)، وشارك بها الموظفون والجيش، وكان أول عمل قام به التصديق على المعاهدة البريطانية الأردنية في 4 حزيران (1929م)، لكنّ المجلس لم يتم مدته، بسبب الخلاف مع الحكومة حول الميزانية، فحله الأمير، واستقالت الحكومة، وجرت انتخابات في نفس العام لاستكمال مدة المجلس المنحل.

في تشرين 2 (1934م) تشكلّ المجلس الثالث، وأتم مدته، وأثار مطالب سياسية واجتماعية وتشريعية، كما أن المجلس الرابع أيضا أكمل مدته، لكنّ المجلس الخامس في 20 تشرين 1 (1942م) مُددّ له سنتان بعد انتهاء مدته، لحين صدور أول دستور في عهد المملكة عام (1947م)، وفي ظل هذا المجلس ألغيت معاهدة (1928م)، كما أقرّ معاهدة الاستقلال في22 أذار(1946م).

لم تحظ المجالس جميعها بصلاحيات واسعة لسببين رئيسيين؛ أن أعضاء الحكومة الخمسة كانوا دائما من بين أعضاء المجلس، مما كان له كبير الأثر على أعماله، كما كان من صلاحيات الأمير إصدار القوانين المؤقتة دون الرجوع إليه، وإمكانية حله، كما عكس المجلس الزعامات التقليدية وشيوخ العشائر، بلغ عدد أعضاء المجالس الخمسة 80 عضوا، ساهمت 15 عشيرة فقط بتقديم 50 عضوا، وقد برز في هذه المجالس قامات وطنية مثلّت معارضة واعية من داخل المجلس منهم نجيب الشريدة، عادل العظمة، شمس الدين سامي، ونظمي عبد الهادي.

نشأ أول حزب أردني باسم حزب الشعب في أذار (1927م) ، وكان ينادي بالاستقلال، وبتحسين أحوال البلاد من النواحي الصحية والتعليمية والاجتماعية، وبعد سنوات ظهرت أحزاب أخرى، لكنها لم تحض بدعم شعبي أو حكومي فانتهت بسرعة، وعوّض عنها عقد المؤتمرات الوطنية التي عكست بصدق الطموحات الوطنية، والمطالب الشعبية، ففي 25 حزيران (1928) انعقد المؤتمر الأول في عمّان، كانت أهم مطالبه الاستقلال، ومحاسبة الحكومة أمام المجلس التشريعي، وتوطين التجنيد، وتنظيم الجوانب المالية مع الإنجليز، وعدم جواز التصرف بالأراضي الأميرية، وقابل رئيس المؤتمر حينها حسين الطراونة المعتمد البريطاني، وعرض عليه قرارات المؤتمر، ودار النقاش حول أمور كثيرة منها الحد من تدخل سلطات الانتداب، كما انتقد قانون المجلس التشريعي، لكنّ الحكومة قابلت هذه الشخصيات الوطنية بالاتهامات والإبعاد والسجن أو الإقامة الجبرية.

في أيلول (1928م) صدرت عدة قوانين زجرية مثل؛ "قانون العقوبات المشتركة"، الذي يقضي بتحميل الأهالي غرامات أية خسائر جرّاء فوضى أو عنف يحدث في مناطقهم، كما صدر "قانون النفي والإبعاد" لأي شخص تعتبره الدولة خطرا، أو مثيرا للبلبلة بين الشعب والحكومة، أو بين الحكومة وسلطة الانتداب، كما فرضت رقابة على الصحافة المحلية، وأوقفت العديد منها مثل صحيفة صدى العرب في عمّان، ومنعت دخول الصحف القادمة من دول الجوار.

في 25 أيار (1930م) انعقد المؤتمر الوطني الثالث في إربد، وأكد على قرارات المؤتمرات السابقة، ومنها ضرورة الاستغناء عن المعارين، والتوسع في التعليم، وتشكيل حكومة دستورية، وأخذ زعماء المعارضة ينشرون مقالاتهم الناقدة في صحف الجوار، لكنّ الحكومة هدّدت هذه الصحف والناقدين فيها، وأصدرت قرارا منعت بموجبه الموظفين من الخوض في السياسة، واعتبرت ذلك يتعارض مع اللياقة المطلوبة في الوظيفة.

عُقد المؤتمر الرابع في عمّان في 15 أذار (1932م)، كرّر المطالب السابقة، وشدّد على رفض دخول الصهاينة إلى البلاد، وإلغاء القوانين الاستثنائية، ودعا إلى التعاون مع دول الجوار العربي.

انعقد المؤتمر الخامس في 5 حزيران (1933م)،وكان معتدلا في طلباته، فأعلن الولاء للأمير، ويبدو أن إجراءات الحكومة المتشددة من سجن وإبعاد ونفي قد ساهم بذلك، وطالب بتحسين الأحوال العامة، بدأت خطابات المعارضة تبرز في المجلس التشريعي، فهذا نجيب الشريدة يطالب بالاستغناء عن المعارين، وينتقد بعضهم من ذوي النوايا غير الخالصة، ومحاولاتهم التضييق على أبناء البلاد، ويشّن نظمي عبد الهادي حملة على قوة البادية، لزيادة أعدادها وميزانيتها التي تهدف لتقييد الحريات، وبهدف المحافظة على مصالح الشركات الأجنبية، واعترض عادل العظمة على امتياز البحر الميت الممنوح لشركة بريطانية بمسمى وهمي وهو شركة البوتاس الفلسطينية عام (1930م)،كما اعترض حسين الطراونة على اتفاقية نفط العراق، باعتبار أنها لا تعود بفائدة محلية، وكان الاعتراض على التسلط البريطاني حادا دائما.

صدر قانون الاجتماعات العامة في 4 أيلول (1933م) الذي نص على أن "لا يعقد اجتماع إلاّ بترخيص من المجلس التنفيذي وموافقة قائد الجيش العربي"، وفي 21 كانون 2 (1935م) صدر قانون الدفاع عن شرق الأردن، وتضمن المراقبة على كل شيء من مراسلات، ووسائل نقل، والتضييق على الحريات، وبلغ الاضطهاد السياسي أوجه، بل وصلت الأمور إلى تحديد الأسعار، كما أُعتبرت جميع الجمعيات والأندية التي تأسست وفقا للقانون العثماني لعام (1325م) منحلة، وتستوجب تجديد الترخيص.

بدأت المسألة الصهيونية تتفاعل على أرض فلسطين، ومن هنا بدأ التفاعل الشعبي الأردني مع قضية شعب فلسطين، في عام (1931م) شارك وفد أردني في مؤتمر القدس لبحث حماية الأماكن المقدسة، وتعاطف الشعب مع اضراب الفلسطينيين في عام (1936م)، فحدثت إضرابات مشابهة في المدن الأردنية، لكن الحكومة واجهتها بتشدد.

شهدت الأعوام (1935-1937م) أعمال عنف وانفجارات طالت أنابيب شركة نفط العراق وأسلاك الهاتف، لكنّ الحكومة اكتفت بزيادة التجنيد، وأصدرت قانون منع حمل السلاح دون ترخيص، لكنّها لم تعلن حالة الطوارئ، وتزايدت أحداث العنف في عام (1938م) بتزايد احتمالات تطبيق وعد بلفور عمليا في أرض فلسطين.

مُنعت الصحف من دخول البلاد في الأعوام (1936-1939م)، ثم عادت الحكومة وسمحت بدخول الصحف الدمشقية في منتصف عام (1939م)، لكن تزامن ذلك مع نشوب الحرب العالمية الثانية، فتوالت إصدارات قوانين الدفاع التي تضيق على الحريات العامة، وفي عام (1941م) حصرت الإذاعات المسموح بسماعها فكانت لندن والقدس والقاهرة.

بلغ عدد الوزارات في عهد الإمارة 18، تولّى رئاستها 8 اشخاص، لم يكن بينهم أردنيّ واحد، بل كان 3 منهم من أصل فلسطينيّ، ومثلهم من أصل سوري، وواحد حجازي، وواحد لبناني، أمّا عدد الوزراء فوصل 47 منهم 17 أردني، و13 فلسطيني، و8 سوري، و4 حجازي، و2 عراقي، و1 لبناني، و2 بريطاني.

تراوح عدد الموظفين في الإدارة الأردنية عام (1936م) حول 700؛ منهم 500 أردنيّ، و200 عربي، و17 موظف بريطاني يتولون أهم الوظائف كمستشارين للعدلية والمالية ودائرة الأراضي، إضافة لتسعة ضباط معارين في الجيش.

شكلّت المعونة البريطانية أكثر من ثلث الواردات، لكن كانت نسبتها تقل أو تزيد حسب أحوال الإمارة، فكانت أقل نسبة في عام (35/36) حيث بلغت 28%، وأعلاها في عام (43/44) حيث وصلت 79%، وكانت الرسوم الجمركية أهم الواردات المحلية، لكنّ الميزانية تضاعفت أكثر من 10 مرات بين عامي (28-46)، فمن 300 ألف جنيه عام (28/29) إلى أكثر من 3 ملايين جنيه عام (45/46)، وكان الدعم البريطاني يغطي العجز الدائم في الميزانية، ويُسخر في دعم مصالحهم.

بالنسبة للجيش زادت أعداده ونفقاته، فكانت نسبة النفقات عام (1924م) 28%، ووصلت 36% في عام (1936) ثم وصلت 74% عام (1946)، وفي أذار(1939م) أصبح كلوب باشا قائدا للجيش، وبقي في منصبه حتى أُعفي منه في أذار (1956م).

عندما نشبت الحرب العالمية الثانية وضعت الدولة كافة الإمكانات تحت تصرف الحلفاء، فساهم الجيش العربي في المجهود الحربي من خلال حماية المعسكرات والمخازن، كما ساهم في حماية خطوط المواصلات في الشرق الأوسط، بل إن الأمير أراد إشراك الجيش في معارك ليبيا والبلقان، لولا أن تطورات الحرب حالت دون ذلك، وذلك بهدف إكسابه الخبرات، وفي 8 حزيران (1946م) شاركت ثلة منه في مسيرة النصر في لندن، كما تمّ تعديل المعاهدة في 19نيسان (1941م) في عمّان، تقديرا لجهوده.

بقيت معاهدة (1928م) موضع نقد الواعين من الوطنيين، ودون طموحاتهم، لذلك كانت مطالبهم بتعديلها لا تهدأ، فصدر التعديل الأول عام (1934م)، وتضمن تخلي الإنجليز عن بعض الصلاحيات للأمير، كما جرى تعديل أخر على القانون الأساسي في آب (1939م)، ومن المواد التي تم تعديلها تنظيم التعاون العسكري، تواصلت الضغوط الوطنية على الأمير، وبدوره واصل الأمير مع حكومته الالحاح على الإنجليز لتحقيق الاستقلال، كما طالب بالدخول بأي شكل من أشكال الوحدة العربية حال تحققت.

اجتمع مؤتمر سان فرنسيسكو في (1945م) لتحضير ميثاق الأمم المتحدة، لم تُدع الإمارة له، مع أن أطرافا عربية مثل سورية ولبنان تمت دعوتهما، ولكن في بداية عام (1946م) وبعد أخذ ورد تمت دعوة الأمير إلى لندن، وجرت مفاوضات متواصلة أثمرت عن توقيع المعاهدة بين الطرفين في 22 أذار (1946م).

تضمنت المعاهدة الغاء أي اتفاقيات سابقة لها، والاعتراف الكامل بالاستقلال، وبالأمير ملكا، وإقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين حسب الأصول المرعية.

الدوحة – قطر

 

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023