الثقافة ترشح ملف "الزيتون المعمّر- المهراس" لقائمة التراث العالمي 6 شهداء في قصف استهدف مدينتي غزة ورفح فرنسا.. محتجون على حرب غزة ينصبون خياماً في جامعة السوربون الاحتلال: الجيش شن غارات على أهداف لحزب الله جنوب لبنان إصابة شابين برصاص الاحتلال في عزون الأمير الحسن يرعى إطلاق منصة الصحة النفسية لمتضرري الحروب والكوارث الملكية الأردنية تخسر 8.7 مليون دينار الملكية تنفي بيع رئيسها التنفيذي لأكثر من نصف أسهمه عام 2023 إربد: إطلاق أول حافلة نقل عمومي تُمكن ذوي الاحتياجات الخاصة من التنقل مجانا رئيس الوزراء يلتقي وزير الطاقة السعودي هطولات مطرية غزيرة مصحوبة بالبرق والرعد في جنوب وشرق المملكة التبرع بمكتبة المعمار الراحل جعفر طوقان للجامعة الألمانية الأردنية مندوبا عن الملك وولي العهد.. العيسوي يعزي عشيرة الفلاحات منتدى التواصل الحكومي يستضيف رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب "سوفكس" تعلن عن موعد انطلاق النسخة الثانية من مؤتمر ومعرض FinConJo 2024

القسم : بوابة الحقيقة
مئوية الدولة الأردنية.. عهد الإمارة (1921-1946م) - 3
نشر بتاريخ : 3/27/2021 1:40:10 PM
د. منصور محمد الهزايمة

كان الوضع المالي للإمارة مربكا، فالبلاد تفتقر للموارد الطبيعية، ولا توجد وارادات من أي مصدر، سوى جباية الضرائب، لذلك كانت المعونة البريطانية المعتمدة بقيمة (180) ألف جنيه إسترليني أساس النفقات، لكنها كانت تقل وتزيد تبعا لعين الرضا، فنقصت في موازنة عام (28/29م) إلى (40) الفا فقط، وكانت معظم الوقت سيفا مسلطا على عنق البلاد، وبقي الإشراف التام على الميزانية بمثابة شأنا انجليزيا، يقرره مستشار المالية البريطاني.

منذ عام (25/26م) كانت مشاريع الموازنة يصادق عليها من المعتمد البريطاني في عمّان، ثم المندوب السامي في فلسطين، وبعدها وزير المستعمرات في لندن، وفي عام (1928م) أُقيم ديوان للمحاسبة في عمان، مهمته تدقيق بنود الموازنة.

خلال هذه السنوات تبدلت العملة من العثمانية إلى القرش السوري، ثم إلى القرش المصري، وفي أذار (1928م) حلّ النقد الفلسطيني محل النقد المصري، ونشأ المصرف البريطاني الوحيد في عمّان في 30 أيلول (1925م).

كانت قوات حفظ الأمن في عهد فيصل غير كافية لتثبيت النظام، وعند إعلان أول إدارة في 11 نيسان (1921م) كانت هذه القوات لا تتجاوز 750 فردا، بين نظامي ودركي وهجانة وحرس واحتياط، يتولى الأمير قيادتها العامة، لكنها زادت إلى 1500 فرد عند ضم معان والعقبة عام (1925م)، وافتقرت إلى السلاح والمال والتدريب، فميزانيتها لم تتعدَّ 150 ألف جنيه استرليني.

فشلت القوات في الاختبار الأول، عندما واجهت تمرد الكورة بقيادة كليب الشريدة في أيار(1921م)، فصُدم الأمير من هوان قواته، فطلب العون من بريطانيا، لإنشاء قوات أحسن تدريبا، لكنهم اشترطوا قيادتها، والإشراف على ماليتها، فكان أن استقالت أول حكومة بعد وقت قصير، احتجاجا على هذه الشروط.

تسلّم الإنجليزي الكابتن بيك مسئولية إنشاء قوات حفظ الأمن، ولمّا لم يجد عددا كافيا من أبناء المنطقة لتجنيدهم، استعان بسوريين وفلسطينيين خاصة ممن خدموا في الجيش العثماني سابقا، وصارت هناك تشكيلات عسكرية مشابهة للنظام البريطاني من مشاة وفرسان ومصفحات وإشارة وغيرها، أمّا المهمات فتلخصت بحفظ النظام وجباية الضرائب داخليا، وصد غارات الوهابيين النجديين التي زادت بين عامي (22-24)، وانتشرت القواعد البريطانية في عمّان والمفرق والازرق منذ أيار (1922م)، واستطاعت هذه القوات اخضاع العشائر، وأخمدت عصيان الكورة، كما نجحت في صد الغارات الوهابية.

بعد اعتراف بريطانيا بإدارة شرق الأردن المستقلة (1923م) أُدمجت قوات الأمن العام مع باقي القوات، لتشكل نواة الجيش العربي، الذي ما زال يحمل ذات الاسم حتى الآن.

ضم الجيش الكثير من الضباط العرب الذين ينتمون إلى حزب الاستقلال، ممن كانوا مناصرين للثورة في سورية، فتم عزلهم، واُضطروا للمغادرة إلى مصر والحجاز.

بقي الكابتن بيك يلعب على وتر التناقضات بين المكونات الاجتماعية، فجند أهل الريف والقرى ليقف الجيش بوجه هجمات البدو، وبما أن البدو بطبعهم لا يميلون لسلطة مركزية، ولأن التجنيد يحرمهم من عطايا الغارات، وتحصيل الخاوة، تصادمت القوات مع البدو، فهاجموا مخافر الجيش العربي أحيانا.

شهد عام (1925م) ثورة جبل الدروز ضد الفرنسيين التي امتدت إلى باقي سورية، ولجأ بعضهم إلى منطقة الأزرق وعمرة في شرق الأردن، ومع بداية عام (1926م) نُصّب ابن سعود ملكا على الحجاز، وبسبب العداء المستحكم معه، تشكلت قوة حدود شرق الأردن، التي رابطت في معان لصد الوهابيين، وفي سمخ عند مثلث الحدود الأردنية السورية الفلسطينية لضبط الحدود، ومنع المتسربين من سورية.

يبقى الوضع دائما بيد الانجليز فيما يخص هذه القوات تحريكا وتدريبا وتسليحا، فقُسّم الجيش إلى ثلاثة أقسام؛ شرطة المدن وشرطة الريف وموظفو السجون، وباتت وظيفة الجيش أمنية داخلية فحسب.

كان عصيان الكورة اختبارا قاسيا للسلطة الجديدة، لكنها حاولت معالجة الأمر بتروٍ، بانتظار استعادة الهيبة، لذا توجهت قوة فيما بعد إلى الكورة، أعادت الأمر إلى نصابه، وأودعت الشريدة والقائمين عليه السجن، حتى شملهم العفو في أيار (1923م) بمناسبة الاعتراف باستقلال شرق الأردن، ذلك جعل من بيك باشا رجل الانتداب الأول، لكن يبدو أن ذلك لم يعطِ درسا نافعا للعشائر، حيث تكرر الموقف في الكرك، تم قمعه، ومع اصرار الدولة على حفظ النظام، بدأ ينمو الاستقرار الداخلي، وهدأ الوضع قليلا بين السلطة والعشائر، لكن اقتراب السلطة من بعضها، وابعاد غيرها، أثار حفيظة البعض، فدخل سلطان العدوان إلى عمان بمظاهرة مسلحة من ألف فارس، اعتراضا على نهج السلطة ولفرض المطالب على الأمير، أُقيلت الحكومة، وتم امتصاص الغضب من خلال الوعود بتعيين أبناء البلاد من الأكفياء في المناصب العليا، وتطوير البلاد في النواحي التعليمية والزراعة والصحة العامة.                                                                                                                                     هنا ظهرت حركة وطنية بدأت تتحسس من الوضع القائم، ومن وجود "الغرباء" في أعلى مناصب الإدارة، ويقال أن الانجليز هم من حرض على ذلك، للتخلص من أعضاء حزب الاستقلال، وأخذت تُنشر المقالات الناقدة في الخارج في صحف مصر والجوار، فمنعت الحكومة تلك الصحف، ولم تتغاض عن حركة العدوان، فاعتلقت أبرز المنتمين لها مثل مصطفى وهبي التل مدير ناحية وادي موسى، ووقعت مواجهة بين أتباع العدوان وقوات الحكومة تغلبت فيها الأخيرة، هرب العدوان إلى جبل الدروز، ونُفي بعض شيوخ العشائر إلى الحجاز، حتى صدر عفو بحق الجميع بمناسبة زيارة الملك حسين إلى البلاد في شباط (1924م).

في معاهدة لوزان يوم 14 تموز (1923م) تم فصل شرق الأردن عن الدولة العثمانية من الناحية القانونية، اعتبارا من 6 آب (1924م)، ورأت بريطانيا أن تعيين الحدود مع الجوار بات مُلّحا، لكنه يشتمل على تشابكات وتعقيدات مع دول كثيرة.

تعينت الحدود مع فلسطين سريعا، لأن الأمر بيد سلطة الانتداب، ورُسمت في الأول من أيلول (1922م)، وصادقت عليها عصبة الأمم في 23 كانون 1 (1923م).

مع سورية لم يتم التوصل إلى ذلك بسبب تجاوزات الحدود، وحتى بعد ترسيمها بين مناطق انتداب فرنسا وبريطانيا في 23 كانون 1 (1920م)، بقي شرق الأردن وجبل الدروز خارج الترسيم، بقيت هذه الحدود مثيرة للقلق والبلبلة لدى الانجليز والفرنسيين، ومعبرا للناشطين من دعاة الوحدة والاستقلال، وكانت الحكومات الأردنية بأعضائها من المستقلين تدعم حراك سورية، بحيث أصبحت شرق الأردن قاعدة دعم أساسية له، لكن التنسيق الفرنسي البريطاني ضبط الحدود، وقُمعت الثورة في سورية، وانتهى الوضع القائم في منطقة الأزرق وما حولها، بإعلان حالة الطوارئ في تلك المنطقة.

مع نجد كانت المشكلة معقدة، نظرا للنزاع بين مملكتي الحجاز ونجد، حيث كانت الغارات بين الطرفين لا تتوقف، بل وصلت غارات الوهابيين حلفاء آل سعود إلى شرق الأردن، وعُقد مؤتمر في الكويت في كانون 1عام (1923م) لترسيم الحدود، لم يسفر عن شيء، وعقدت جولة ثانية منه في مارس (1924م) انفض دون نتيجة، وذلك بسبب التشابك في قضايا كثيرة، واستمرت الغارات بين قبائل الحويطات والقبائل النجدية متبادلة، لنهب قوافل التجارة.

في آب (1924م) دخل الوهابيون البادية الأردنية وقراها، فتمكنت قوات الجيش العربي بمساعدة الأهالي، وبإسناد من المصفحات والطائرات في ماركا من صدهم، وألحقت بهم خسائر كبيرة، فكانت هذه أخر غارة لهم، ولذا وجدت بريطانيا أنه ينبغي الإسراع في تعيين الحدود بين نجد والعراق من جهة، وبين شرق الأردن ونجد من جهة أخرى، فتم ذلك في تشرين 1 (1925م)، بحيث تُبعد أية قوات عن الحدود، وتُشكل محكمة خاصة للفصل بين العشائر، ومنعها من الانتقال عبر الحدود، واحترام السيادة بين الطرفين.

بقي الأمير يوالي ملك الحجاز، بما يشبه وحدة الحال مع شرق الأردن، حتى سقطت المملكة في كانون 1 (1925م)، وكان الاتراك قد ألغوا الخلافة الإسلامية في الثالث من أذار (1924م)، فبويع الحسين خليفةً للمسلمين في 14نيسان من نفس العام من علماء الحجاز وزعماء شرق الأردن وأعيان فلسطين، حيث كان وقتها يزور شرق الأردن، وعندها ضاق الانجليز بوجود الملك، أشعروه بذلك فعاد إلى الحجاز.

تطورت الحرب الحجازية النجدية لصالح آل سعود، وضُمت ولاية معان والعقبة إلى الإمارة الأردنية، وجرت مراسيم الضم يوم 24 حزيران (1925م)، قبل مغادرة ملك الحجاز للإقامة في قبرص، بناءً على اقتراح الانجليز، وبعد سقوط مملكة الحجاز لم يتم ترسيم الحدود بين الطرفين رسميا، حيث نشأ وضع جديد، فالحجاز الآن بيد ابن سعود.

مع العراق تعينت الحدود بين الطرفين يوم 23 نيسان (1928م)، وكانت الأمور مستقرة بين الطرفين، نسبة لوجود الحكم الهاشمي وسلطة الانتداب على الجانبين.

بقيت الإمبراطورية تماطل خمس سنوات منذ عام (1923م) للاعتراف باستقلال الإدارة الأردنية، لكن بإلحاح الأمير الذي كان ينقل المطالب بين الوطنيين والبريطانيين، وتحت الضغط من لجنة الانتداب، وُقّعت المعاهدة يوم 20 شباط (1928م)، مثلّ الطرف الأردني حسن خالد أبو الهدى رئيس المجلس التنفيذي، وعن بريطانيا المندوب السامي اللورد بلومر.

حوت المعاهدة بنودا إيجابية جديدة في صالح الإمارة، تتجاوز صك الانتداب، مثل وضع دستور وقانون جديدين، وتنظيم وضع القوات البريطانية، والتخلي عن كثير من السلطات التنفيذية والتشريعية، وتقديم هبة مالية للإمارة، لكن أبقت الكثير من الامتيازات بيد الملكة، منها استثمار الموارد الطبيعية، وحق تنظيم التواجد العسكري لبريطانيا وقت الضرورة.

شكلّت المعاهدة في أخر العقد الأول من عمر الإمارة نهاية حقبة من التوتر، وبداية أخرى من الاستقرار، فنشأت المؤسسات الدستورية، وقامت علاقات طبيعية مع دول الجوار العربي، وتزايد الطموح نحو حكومة نيابية دستورية، وإنشاء مجلس تشريعي فاعل، بناءً على قانون انتخاب مناسب.

وضعت المعاهدة قانون أساسي حددت بموجبه صلاحيات مؤسسات الحكم، واشترطت موافقة سلطة الانتداب في حال تعديلها مستقبلا.

منح القانون الأمير وورثته صلاحيات لا تنتهي؛ من تعيين الحكومة واقالتها، وإجراء الانتخابات، وتسليم المجرمين، والتصديق على أحكام الإعدام، والتصرف بالأراضي الأميرية، وثروات البلاد، وإعلان حالة الطوارئ، ومنح الأوسمة وعقد المعاهدات الدولية بما لا يتعارض مع مصالح الإمبراطورية، وغيرها الكثير، ونظّم القانون مؤسسة ولاية العهد، وشؤون الأسرة الحاكمة، وحدّد القانون مخصصات الأمير بالمصادقة عليها ضمن قانون الموازنة العامة السنوية.

أمّا بالنسبة للسلطة التنفيذية، فيمارسها مجلس تنفيذي مكوّن من خمسة أعضاء، يعينون من الأمير بترشيح رئيس المجلس، يتولى المجلس الشأن العام، وتحتاج قراراته -دائما- لمصادقة الأمير.

بما يخص السلطة التشريعية يُنتخب مجلس من خلال قانون انتخاب، يشترط الجنسية الأردنية وسن الثلاثين والتمتع بالحقوق المدنية والصحة العقلية لعضويته، تكون مدته ثلاث سنوات، تعقد دورة واحدة في كل سنة لمدة ثلاثة شهور، وللأمير حق التمديد أو التأجيل للدورة، يقوم المجلس على سن القوانين والتشريعات والتصديق على الميزانية السنوية.

في القضاء تشكلت المحاكم بأنواعها؛ المدنية، والدينية بشقيها الإسلامية ومحاكم الطوائف، والمحاكم الخاصة التي تُنظم بقانون خاص، وبضمان عدم التدخل في أحكام القضاء.

يتبع...

الدوحة – قطر

 

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023