أرسنال يعبر أتلتيك بلباو في مستهل مشواره بدوري أبطال أوروبا الحوثيون: استهدفنا هدفا "اسرائيليا" حساسا في يافا حظر استيراد مركبات "الجنك" و"السالفج" اعتباراً من تشرين الثاني المقبل المحامي الخصاونة : ما يجمع عمّان والدوحة يتجاوز أبعاد السياسة إلى معاني الأخوة الصادقة د. العبادي عن زيارة أمير قطر : اهلا وسهلا بضيف الاردن والملك ببلدة الثاني تغيير اسم "العدالة والإصلاح" إلى حزب "مسار" الخدمات الطبية تدخل جهاز مدعم بالذكاء الاصطناعي للعناية الحثيثة وزير الأشغال يتفقد مشاريع البنية التحتية في محافظة جرش ندوة في مادبا بعنوان " بيئة صحية ضد السرطان " اعتماد خارطة طريق أردنية سورية أميركية لحل الأزمة في السويداء غزة تحترق .. النائب العام يحظر النشر في قضية "العين الأسبق" وزيرة مواصلات الإحتلال: سنضم الضفة الغربية بعد الأعياد كتلة هوائية بحرية تعبر المملكة وطقس لطيف يميل للبرودة خلال الأسبوع الصفدي: نقف بالمطلق إلى جانب سوريا بمواجهة العدوان الإسرائيلي
القسم : بوابة الحقيقة
خبز طابون
نشر بتاريخ : 8/3/2019 4:17:23 PM
د. عودة أبو درويش

بقلم: د. عودة أبو درويش

اصطفّ طابور الطلبة في ساحة مدينة الحجّاج ، وهي أيضا ساحة المدرسة الاعداديّة التي لم يكن لها مقرّ دائم . فاذا اقترب موسم الحج كان لزاما أن ينتقل المعلّمين والطلاب ومقاعدهم ودفاتر العلامات وأدوات الرياضة وكلّ شيء الى بناء آخر ، يحصّلون فيه العلم ، ثمّ يعودون بعد مغادرة الحجّاج للمدينة . تحدّث الى الطابور الصباحي مدير المدرسة ، وأعلن أنّه ، وبناء على اقتراب وصول الحجّاج ، فإننا سننتقل الى مكان  آخر ، الى المدرسة الابتدائيّة مقابل الجامع الكبير  ، وأنّ على كلّ طالبين حمل مقعدهم الى هناك ، و سيكون الدوام فيها اعتبارا من بداية شهر تشرين الثاني ، أي الاسبوع القادم ، ولكن فترة مسائيّة ، تبدأ  بعد صلاة الظهر . امتدّ طابور الطلبة على طول الطريق محاولين نقل مقاعدهم الثقيلة  ، يحملونها لامتار قليلة ثمّ يستريحون ، ويفكّرون بالموسم ، الذي سيقلب حال مدينتهم وسكّانها ، فهم ينتظرونه كلّ عام على أحرّ من الجمر . 

 في مدينة الحجّاج كلّ عام يتجمّع المسافرين لأداء الفريضة من الدول العربيّة والاسلاميّة التي لا بدّ أن تمرّ من معان في طريقها الى الديار المقدّسة ، وكان يخيّل لنا نحن الصغار ، أنّ معظمهم من تركيّا . وفي الحقيقة يأتون من دول شرق أوروبا ومن العراق وتركيا وسوريّا وغيرها من الدول . بعضهم يصل راكبا سيّارات نقل صغيرة وبعضهم في حافلات كبيرة وآخرين في شاحنات ، بحيث يتحوّل صندوق الشاحنة الى كراسي للجلوس وجزء منه لتخزين المتاع . كان كلّ الحجاج يدخلون المدينة ويختلطون مع سكّانها ، يفحصون سيّاراتهم ، ويختمون جوازات سفرهم . يصّرفون نقودا ويشترون ، أو يحصلون على ماء وعصير وفواكه من السبيل ، الذي يقيمه أهل المدينة وبعضهم يبيع بضائع أتى بها من موطنه . كنت أحبّ أن أذهب الى ساحة مدينة الحجّاج . أراقب المتطوعين في السبيل وهم يحضرون أشياء كثيرة من متبرعين في سبيل الله ، فيعطونها الحجّاج دون مقابل ، وينادون عليهم بكلمات بعضها أفهما وأخرى بلغة غريبة  .

قبل أن يحلّ الظلام وأنام ، اقتربت من جدّتي التي كانت قد انتهت من صنع العجين لخبز الصباح  . قبّلت يدها واحتضنتها . عرفت أنّي اريد شيئا ، فسألتني . أخبرتها أنّي أريد خبزا من الذي تخبزه في الطابون غدا . اعتقدت هي أنّي اريده للمدرسة ، وكان عليها أن تزيد كميّة العجين ان أرادت أن تحقق لي رغبتي ، ففعلتْ ولكنّها اشترطت عليّ أن أحضر لها غدا أحجارا صغيرة مدوّرة تستعملها في أرضيّة الطابون ، وهذه كانت مهمّة تعوّدت عليها وسهلة عليّ . لم أنم ليلتها بانتظار الخبز . ومع تباشير الفجر ، وبعد أن سخن الطابون ، بدأت تضع الارغفة فيه ، ثمّ تخرجها ساخنة شهيّة ، وضعت لي في خرقة كبيرة ثلاثة أرغفة . حملت كتبي في يد والخبز في الأخرى وانطلقت الى مدينة الحجّاج باكرا ، قبل أن يأتي موعد دوام المدرسة المسائي . وقفت على مدخلها ، كانت ما تزال خاوية ولم أعرف لماذا ، ، ولأنّي لم أفطر ، قلت في نفسي ، لا بأس في قطعة من رغيف ، فأكلتها . 

بعد ان انتظرت طويلا جاءت سيّارة البلديّة . ترجّل منها بعض العمّال ومراقبهم ، نادى عليّ وسألني ماذا أفعل هنا . أجبت بأنّي انتظر الحجّاج . ضحك وقال لن يأتوا قبل اسبوع وقد أتينا لتحضير المدينة لاستقبالهم . اذهب الى مدرستك فقد انتقلت من هنا . خاب أملي فتناولت رغيفين ومددت يدي بهما الى الرجل . فهم منّي القصّة وقال ، أنقل لجدّتك شكر عمّال البلديّة ، واطلب منها أن تخبز لك أكثر عندما يأتي الحجاج  . فرحت كثيرا ووسّعت خطاي الى المدرسة وأنا آكل ما تبقّى من الرغيف الثالث ، وكان أشهى رغيف خبز أكلته في حياتي . 
     
        

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2025