وزارة التنمية السياسية تحاور اعلاميين حول منظومة التحديث السياسي.. تقرير تلفزيوني وزير خارجية إيران: ما حدث بأصفهان "لم يكن هجوماً بل لعب أطفال" هكذا قتل الاحتلال آلاف الأجنة المجمدة في غزة قوات الاحتلال تعتقل (30) فلسطينيا من الضفة وارتفاع حصيلة المعتقلين إلى (8340) معتقلا بلدية "دير البلح": قوات الاحتلال تدمر أكبر مصنع للأدوية في قطاع غزة أفراح ال الخطيب والنعيرات مصدر مقرب من "حماس" ينفي تعرض الحركة لضغوط قطرية لمغادرة الدوحة نقيب تجار الحلي والمجوهرات للمواطنين: لا تؤجلوا شراء الذهب على امل انخفاض سعره.. فيديو يونيسف: إصابة نحو 12 ألف طفل منذ بداية الحرب على غزة نابلس تشيّع جثماني الشهيدين بني فاضل وبني جامع 3 شهداء مع تواصل القصف المتبادل بين حزب الله و(إسرائيل) 10 شهداء في عدوان الاحتلال المتواصل في طولكرم الرئيس التركي يستقبل قيادات من حماس لبحث الأوضاع في غزة تحذير لمزارعي الزيتون من الأجواء الخماسينية واشنطن توافق على طلب النيجر بسحب قواتها من أراضيها

القسم : بوابة الحقيقة
لا يموت "النظام" ولا يفنى "الشعب"
نشر بتاريخ : 5/11/2019 12:55:34 PM
د. احمد أبو خليل



بقلم: د. احمد أبو خليل

(وجهة نظر "مختلفة" في العمل السياسي الأردني)

هذه مجرد محاولة لمشاركة الأصدقاء في بعض الأفكار الأولية السريعة، بمعنى اني لا أزعم أنها مكتملة أو أنني قادر على الدفاع عنها إلى النهاية:

تبدو إدارة السياسة الداخلية في الأردن الآن شبيهة بمن يعمل في مختبر للعلوم، يضيف عنصراً ويسحب آخر، ثم يغير الكميات من عنصر ثالث... وهكذا.

التجريب المختبري مسموح حتى في إدارة المجتمعات، ولكن بشرط أن يكون الهدف هو اكتشاف جديد أو البحث عن جديد، غير أن التجريب في حالتنا ليس أكثر من تعبير عن ارتباك.

لكن ماذا عن الطرف المقابل للحكم؟ أقصد الشعب؟

دعكم من فكرة أن القمع أو تكميم الأفواه أو القبضة الأمنية... هي السبب وراء ضعف الحركة الشعبية؟ في الواقع وببساطة، كان الوضع أفضل حتى في ظل القمع والأحكام العرفية الواضحة. 

إن الخلل عند هذا الطرف، جوهري أيضا. في الواقع يصعب العثور على فكرة شعبية جامعة، فالناس يلتقون ويتحالفون ويشكلون التجمعات وينظمون الاحتجاجات... ولكنهم يقومون بذلك وهم في حالة تيقظ وانتباه وشكوك تجاه بعضهم أكثر مما هو تجاه خصمهم.

يوجد شباب شجعان ومستعدون للتضحية والنضال، ينتمون إلى مختلف القوى الحزبية والعشائرية والمناطقية الفاعلة في التحركات، ولكن يصعب اكتشاف المشترك بينهم.

في الأحزاب تتغلب الروح الفصائلية، بمعنى أن كل حزب مشغول بنفسه كتنظيم أو كجماعة سياسية. بالطبع تعتبر عناية التنظيم بنفسه مسألة هامة لإنجاز المهام الحزبية، ولكنها الآن أصبحت مقصودة لذاتها، وليس لغايات الوصول الى الهدف. ولكن ما هو هذا الهدف؟ 

تميل الأحزاب إلى اجترار أهداف وتكرار لغة لم تعد تكفي لفهم الظواهر الجديدة، لنفترض مثلاً أنه توفرت إمكانية لجمع كل الشعب مرة واحدة أمام الأمين العام لأي حزب، فماذا سيقول؟ وإذا سأله الناس ماذا نفعل؟ هل يملك أحدهم إجابة؟ هنا أيضاً تجري الأمور على طريقة المختبر: أي التجريب الذي يحاول إخفاء الارتباك.

في العشائر والمناطق، الحالة أكثر تعقيداً، فمن المنطقي أن لا تتوحد العشائر والمناطق على أهداف تفصيلية في السياسة الداخلية الوطنية! تبدو الأفكار حادة داخل التحركات التي تحمل عناوين عشائرية ومناطقية، ولكن مرد الحدة هو الصراع الداخلي أي داخل العشيرة والمنطقة، ولهذا فإن كثيرا من التحركات والأسماء سرعان ما تجد طريقها إلى التفاهم مع السلطة أو الرضوخ لها حرصا على التفوق على الأطراف المنافسة داخل العشيرة أو المنطقة.

منذ نهاية خمسينات القرن العشرين ومرورا بستيناته وسبعيناته وحتى ثمانيناته، كان سلوك السلطة السياسية في البلد أكثر تماسكاً رغم الصعوبات، استطاعت خوص صراع النماذج المرير (سورية ومصر والعراق والسعودية) وصنع الأردن نموذجه الذي استطاع البقاء وكانت تلك بحد ذاتها معجزة. (بالطبع لا يغيب عن بالي هنا الوضع الدولي والتحالفات والاصطفافات).

مبكرا (منذ مطلع الستينات ربما) حسم النظام أن لا خطر جذريا داخلياً عليه من قوى شعبية، (وحتى أحداث عام 1970 فقد صنفت في تاريخ البلد في خانة الاضطرابات الأمنية، فقد تراجعت جرعة السياسة فيها، وخاصة على ضوء المصائر اللاحقة للأطراف... وهذا موضوع آخر الآن).

كان السلطة السياسية طيلة عقود قادرة على إدارة معاركها بثقة أكبر. فقد تمكنت دوماً من تنشيط ماكنة الأفكار الوطنية، ولم يكن مجرد التخرج من جامعة كبيرة غربية أو أمريكية بحد ذاته ممراً أو جواز مرور الى المواقع الهامة، كان خريجو دمشق وبغداد والقاهرة ينافسون بقوة أيضاً، مثلما نافس خريجو مدارس ومعاهد أردنية متوسطة ثم الجامعة الأردنية. لقد استطاعت السلطة السياسية مثلاً أن تستقطب البعثي حكمت الساكت ليسهم في بناء قطاع التعليم، والشيوعي فريد العكشة ليسهم في بناء قطاع الصحة، واليساري ابراهيم الحباشنة ليسهم في تنشيط حالة النقاش الوطني العام، من دون أن يتمكن احد من إدانة أي من هؤلاء والعشرات أمثالهم (لم يكن انفتاح السلطة على الخصوم بقصد تشويه الخصوم أو سحب رموزهم وإهانتهم، فقد كان لدى الساكت والعكشة والحباشنة ما يفعلونه) بل لقد عُرض على شاهر أبو شحوت، وهو الاسم الأبرز في حكرة الضباط الأحرار أن يعود إلى منصب الرجل الثاني في الجيش الأردني، فاختار أن يؤسس منظمة فدائية! وبعد غياب في بغداد لخمس سنوات عاد بكرامة إلى بلده دون أن يجرحه أحد، بل إن السلطة استقبلت في مطلع التسعينات جورج حبش مثلاً، وقد كان محكوما بالإعدام، ولم تمانع من أن يكون له رأي في تشكيل حكومة طاهر المصري! أليس هذا دليل ثقة؟

خلال النصف الثاني من القرن العشرين تفوق العمل من خلال أجهزة الدولة على العمل من خارجها في مجمل البناء الوطني، ذلك ما تقوله "حصيلة البلد" ككل وفي شتى الميادين.
اليوم، السلطة ضعيفة ومرتبكة، وبالمقابل ليس لدى الشعب قواه التي تستطيع أن تقوده وتحدد اهدافه الكبيرة. 

المعيب أن السلطة تستطيب حالة "الضعف الشعبية"، وبدل أن تدير الأمر بروح المسؤولية الكبرى الوطنية، نجدها تمارس الاستهانة الشاملة. وفي التنفيذ والسياسات الاقتصادية والاجتماعية قد تقود إلى خراب كبير.

خلال الأعوام الثمانية الماضية، مارس الشعب حالة انتباه وحرص وطنية عالية، أكثر من السلطة ذاتها، وبدل أن يكافأ على ذلك، تمارس بحقه الاستهانة من جديد.

هل يمكن الخروج بمعادلة جديدة للعمل السياسي لا تقود إلى زعزعة النظام العام في البلد، ولكن بما يكفي للضغط على السلطة ولي أذرعها بحيث ترتدع وتعود إلى وظيفتها الوطنية؟

في أزمات سابقة حصل ذلك وتحقق فعلاً، ما الذي يمنع من تشغيل الماكنة الوطنية (الشعبية والرسمية) من جديد؟

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023