محمد خروب
مُريب صمت الرئيس الاميركي ترمب، بعد ان شغَل الناس وملأ الدنيا بضجيج تصريحاته, التي حبس العالم أنفاسه ازاءَها والتي بدت في لحظة ما وكأنها تأخذ المعمورة.. دولها والشعوب, الى حرب مدمِّرة لا يمكن التكهن بخسائرها او مآلاتها, في ظل معارضة واضحة لعربدته وعسكرته للعلاقات الدولية, والتي ستُلِحق بالبشرية ضررا فادحا, يصعب القول ان احدا غير قادر على لجم تاجر العقارات السابق, الذي ومنذ وصوله البيت الابيض لم يتخلَّ عن التلويح بالحروب العسكرية وتلك الاقتصادية وغيرها من «الاسلحة» التي بات يتوفر عليها كرئيس, هو الوحيد المتحكِّم بـ»ازرارها» النووية، ما بالك تلك التي تُلبي حاجات اصحاب القرار في المجمّع الصناعي العسكري البترولي والاكاديمي, الذين يُمسِكون بمفاتيح الحرب والسلم, وضمان وصول الأجواء والمناخات الملائمة لمصالحهم وجشعهم الذي لا ينتهي.
إيران وعلى لسان رئيسها حسن روحاني «حسمت» أمرها في ما يبدو, ولم تُبدِ أي نوع من التنازلات في برنامجها الصاروخي الباليستي الذي اتخذه ترمب وحزب الحرب المحيط به، ذريعة لفرض عقوبات قام مجلس النواب الاميركي بتبنّيها في السادس العشرين من ايلول الماضي, والتي تم فرضها على «كيانات» في الحكومة الايرانية تشارِك في تطوير «برنامج باليتسي»، فيما ابقى (ترمب) مسألة الإنسحاب من الاتفاق النووي مع ايران، في دائرة الغموض والتكهنات, عندما ألقى الكرة في ملعب الكونغرس طالبا منه حسم المسألة خلال... «60» يوماً.
... «لقد انتجنا ونُنتِج وسنواصل انتاج الصواريخ, وهذا لا ينتهك اي اتفاقات دولية، ونحن ننتِج اي نوع من الاسلحة ونخزِّنها ونستخدمها في اي زمن نحتاج للدفاع عن أنفسنا.. ولن نتردد».. قال روحاني امام مجلس الشورى الايراني، فيما كان يوكيا امانو رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية يهبط في مطار طهران, ويقول في تصريحات لا تقبل التأويل: «...ان الجمهورية الاسلامية تَفي بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي».
معنى ذلك ان نبرة «التحدي» الايرانية باتت مرتفِعة, ليس فقط في ما انطوت عليه تصريحات روحاني الذي بات يتعرض (هو ووزير خارجيته جواد ظريف) لانتقادات الجناح المتشدِّد في ايران, بل وايضا في ما أدلى به علي اكبر صالحي رئيس هيئة الطاقة الذرية وامام «امانو» بعد اختتام مباحثاتهما: «..طهران تستطيع خلال 4 أيام إستئناف التخصيب بنسبة 20% من موقع فوردو، وتوفير مائة ألف جهاز للتخصيب خلال عام ونصف العام».
ابرز «اللاعبين» على الساحة الايرانية باتوا يستمدون «قوتهم» الاعلامية والتعبوية التي تُظهرها تصريحاتهِم المتشددة, من مواقف المرشد الروحي خامنئي الذي يتصدر صفوف الرافضين لتقديم اي تنازلات لواشنطن, في الوقت الذي تبدو فيه الاخيرة «معزولة», في مواقفها من «خطة العمل الدولية المشتركة الشاملة» وهو الاسم الرسمي للاتفاق، بعد ان اعلن الشركاء الغربيون المانيا وفرنسا وبريطانيا (والاتحاد الاوروبي) التزامهم بالاتفاق, اضافة بالطبع الى تمسُّك روسيا والصين بنصوص الاتفاق الذي صادق عليه مجلس الامن في قراره رقم «2231».
في المقلب الآخر... فان الجهود والتحضيرات العسكرية التي تلوح بها واشنطن نحو كوريا الشمالية، لم تتوقَّف وكان آخرها الاجتماع رفيع المستوى الذي حضره رؤساء اركان الجيوش الأميركية واليابانية والكورية الجنوبية, مترافقاً مع تصريحات نارية أطلقها هذه المرة, امين (الناتو) ينس ستولتنبرغ، الذي اكد «تأييده فرض عقوبات مشددة على بيونغ يانغ, لأن الحل السلمي (على حد زعمه) هو الغاية»، معتبِراً ان «سلوك» كوريا الشمالية هو تهديد عالمي (....)، إلاّ ان الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون يواصل هو الآخر, إظهار التحدي واستعداده للرد على اي هجوم اميركي برد «صاعق» وبات يُعلِن: إنّ «السيف النووي» يُشكِّل حماية للبلاد, من أي غزو محتمل من جانب العدو الامبريالي الأميركي».
ذلك يعني بوضوح, استعداد الدولتين المُصنّفتين أميركياً وإسرائيلياً كـ»محور للشر».. للمواجهة، ما يضع ترمب وحزب الحرب في البيت الابيض امام مأزق كبير وخيارات انتحارِيّة, لا تجد من يدعمها سياسيا واعلاميا بل حتى داخل كوريا الجنوبية نفسها وبعض القوى والاحزاب السياسية في اليابان، وإن كان رئيس وزراء اليابان شينزو آبي يتقدم صفوف المؤيدين لمنطق وخطاب ترمب العدواني، فيما الرئيس الكوري الجنوبي «مون جاي إن» يُبدي حذرا واضحا, ولا يوفّر اي فرصة للتأكيد على خيارات الحوار وعدم التصعيد العسكري، رغم انه لا يتجاوب – على سبيل المثال – مع دعوات بيجين الى إخلاء الساحة الكورية الجنوبية من منظومة صواريخ THAAD التي زادت واشنطن من مَنصّاتها بذريعة ارتفاع منسوب التوتر، ورغم فَرْض الصين إجراءات عقابية «تجارية» على سيؤول لعدم تجاوبها مع مطلبها هذا.
لا يلوح في الافق ان ترمب – الصامت مؤقتاً –، بصدد التخلّي عن عربدته والتلويح بخياراته العسكرية تجاه طهران كما بيونغ يانغ، إلاّ أن الرياح الدولية – ومواقِف الدولتين المعنِيتين – لا «تهُبّان» لصالح سفنه وخياراته العسكرية، ما قد يعني ان عليه «فَرْمَلَة» اندفاعاته وانتظار «المفاجآت» التي قد تحدث على مسار التحقق في شأن مُلابسات الانتخابات الرئاسية, وغيرها من الشُبهات والشكوك التي تحوم حول أهلِيّته للاستمرار في الحكم.
عن الرأي