محمد خروب
رغم مرور ازيد من اسبوع على «الزلزال» الذي أصاب استفتاء انفصال كردستان العراق في مقتَل، وإحالَة الى أزمة عميقة في المشهد الكردستاني على نحو يعيد اجواء الحرب الاهلية الدموية التي اندلعت في ايار 1994 ولم تنته الا بعد اربع سنوات (1998) وبتدخل وضغط اميركيين، فضلا عن استنجاد مسعود برزاني بالرئيس العراقي وقتذاك صدام حسين، الذي «هرَع» لنجدته وانقذ اربيل من اجتياح بيشمركة الاتحاد الوطني (حزب طالباني). رغم ذلك فإن ارتدادات (كارساتي كه كركوك) اي «فاجعة كركوك» كما باتت تُعرَف في الرواية الكردية الاخيرة، ما تزال تضرِب في اسس «التفاهمات» الكردية، التي تبدو هي الاخرى وكأنها باتت من الماضي، مع سيادة خطاب التخوين والسعي الحثيث لتصفية الحسابات بين المُكوِنيْن الرئيسيين...حزب الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني وأيضاً داخل كل منهما، وإن ما تزال حركة التغيير (كوران) الكردية المعارِضة، ما تزال تلعب دورا مهما في الإعتراض على ملابسات وتفاصيل المشهد الكردي الراهن، عندما خطَتْ خطوة متقدمة ذات بعد استثنائي، بدعوتها يوم الاحد، رئيس اقليم كردستان مسعود برزاني (المُنتهِية ولايته كما يجب التذكير) ونائبه المحسوب «حتى الان» على حزب الاتحاد الوطني... كوسرت رسول، بالتنحّي عن منصبيهما. بسبب ما وصفته بـ»الإخفاقات العسكرية والسياسية» مُحمّلة مسؤولية الاوضاع المتأزمة التي يمر بها اقليم كردستان الى «قرارات فردية بشأن الاستفتاء الشعبي»، ذاهبة ابعد من ذلك في انتقادها لبرزاني، عندما اضافت ان «اقليم كردستان فَقَدَ مساحات جغرافية واسعة، الى جانب خسارته دعم القوى الدولية، التي قدَّمَت مبادرات لتأجيل الاستفتاء الشعبي، لكن القيادة الكردية... لم تتجاوب مع هذه المبادرات».
رسالة حركة التغيير واضحة، وتصويبها على شخص برزاني ونائبه كوسرت رسول, تعني ان فرزاً افقيا وعاموديا قد بدأ يشق طريقه في المشهد الكردي وإن لم يستقر بعد، في ظل الصدمة التي ما تزال تعيشها اوساط كردية عديدة, وبخاصة في معسكر البرزاني الذي لا يواجِه (حتى الان) خطر حدوث اي «تمرد» داخل حزبه, نظرا لطبيعة تركيبة وتراتبية هذا الحزب العائلي (كما معظم الاحزاب والحركات الكردية, وإن شِئتُم معظم الأحزاب العربية ذات الطابع الشللي او الطائفي أو المذهبي او الجهوي) وايضا لإن السيد برزاني استطاع طوال اكثر من ربع قرن, الإمساك بكل خيوط التنظيم الحزبي وتطويعه ووضع كل من ارادَه ان يكون الى جانبه في مراكز نافِذة, فضلا عن إحكام قبضته على قوات البشمركة والاشايس (الاستخبارات ذات النفوذ والدور الحيوي) من خلال نجله «مسرور» رئيس جهاز الاسايش, وابن اخيه (الراحل ادريس) نجيرفان رئيس حكومة الإقليم.
هذا لا يعني بالطبع ان تداعيات عاصِفة «فاجعة كركوك» لم تضرِب داخل الحزب الديمقراطي (برزاني), بل ان النقاش الساخن حولها متواصِل وإن كان في اتجاه تحميل «الخونة» الذين «دخلوا بوابة العار عبر اتفاقيات لمكاسِب رخيصة» على ما قال بيان «رفيقهم الغاضِب» في الاتحاد الوطني كوسرت رسول, الذي بات مُتماثِلاً في مواقفه مع مواقف الرئيس برزاني(كلاهما مع رئيس اركان الجيش العراقي السابق بابكر زيباري, بات مطلوباً»للعدالة»..في بغداد) الذي يُطالب انصاره ايضا بـ»إحالة الخوَنة الى محكمة عليا لمحاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى» وهُم في نظر القيادي في حزب برزاني..النائب شخوان عبدالله «كلُ من جلَسَ مع قاسم سليماني ووقّع على منح كركوك وبيع دماء البشمركة والتسبّب بهذه الكارثة, ومن ثمّ يُعدَمون علناً، وعندها – قال شخوان – نوافِق على كل المطالِب».
ما هي المطالَب.. هذه؟
ثمة دعوات متصاعِدة لتشكيل حكومة «انقاذ وطني» وتنحّي رئيس الاقليم وحلّ المؤسسات الحكومية وغيرها, مما بدأت اطراف مُعارِضة واخرى مصدومة لم تُصدِّق بعد ان «الحلم الكردي» بالاستقلال قد تبدّد, اقله لعقود مقبِلة. ولهذا فهي تطرح مطالب وتنادي بغيرها ايضاً, فقط كي تجد كبش فداء تحمله المسؤولية, وإن كانت اقلية ضئيلة جدا هي التي «لا» تُحمِّل برزاني شخصياً مسؤولية ما آلت اليه احوال كرد العراق ومشروعهم الإنفصالي.
لكن الى جانب ذلك, تَقدّمَت حركة التغيير (كوران) وهي ذات دور مهم في المشهد الكردي وبخاصة بعد الهزّة العميقة التي ضربت البنى التنظيمية والعلاقات داخل الحزبين الكبيرين الاتحاد الوطني (الذي انشقّت عنه التغيير اصلاً, وإن جرَت في الاونة الاخيرة وقبل رحيل مام جلال وفقدان كركوك مؤخرا, محاولات لإعادة توحيد الطرفين) والحزب الديمقراطي اللذين باتا في اضعف حالاتهما, رغم المكابرة التي يُبديانها في مسعى لاستيعاب الصدمة وتجاوز حال انعدام الثقة بينهما وداخل صفوفهما, والغضبة الشعبية على ادائِهما, وإن كان حزب طالباني ليس في دائرة الاستهداف والنقد اللاذع, بالصورة التي عليها شخص برزاني وحزبه, وبخاصة تمسّكه غير المُبرّر باجراء استفتاء 25 أيلول الماضي, رغم كل النصائح والتحذيرات.
حركة التغيير.. تُطالِب بالغاء النظام الرئاسي الحالي في اقليم كردستان وتثبيت النظام البرلماني, وهي خطوة إن تمّت (ونحسب انها صعبة التحقيق في ظل موازين القوى الكردية الراهنة) فإنها ستنقل مركز القوة الى البرلمان, وتقيِّد من صلاحيات رئيس الإقليم الحالِية, والذي سيُصبح منصبه «شرفِياً» كما هي حال الرئيس العراقي في الدستور الحالي.
فهل ثمة فرصة لإقرار النظام البرلماني في الاقليم؟ وقبل ذلك.. هل ثمة امكانية لِتنحّي برزاني ونائبه كوسرت رسول؟
الإجابة مرهونة بقوة «الاوراق والتحالفات» التي يتوفر عليها برزاني, تماماً كما مَنْ يُعلِنون معارضتهم له ومطالَبته بالإستقالة,وسيكون الحوار المُنتَظر مع بغداد, مُؤشِراً على ما تبقّى من قوة برزاني أو نهاية مستقبَلِه السياسي.
عن الرأي