بقلم: راتب عبابنه
انتشار الظلم وعدم سيادة القانون واستقواء المتنفذ واستعلاء المسؤول والإستخفاف بالعقول وقصور القانون عن محاسبة المسيء، عوامل عندما تجتمع، فهي كفيلة أن تقلب الوضع رأسا على عقب، لكن الخسارة حتما كبيرة والثمن باهض والثوابت تصبح متغيرات. والتجارب المريرة حولنا ما زلنا نتابع أخبارها وكذلك في دول العالم.
مسؤولون يعتقدون أنهم الأفضل واختيارهم أعطاهم الدافع لأن يكنوا مطلقي الحرية بالأداء والتقييم والحكم والقرار. وتلك ذهنية قامت ونمت قياسا على ما سبقها من أن المتنفذ لا يطاله القانون ولا تقربه العدالة ولا ينطبق عليه ماينطبق على البسطاء.
ومن الثوابت عند السلطة عدم إدانة المسؤول المتنفذ حفاظا على هيبة وسمعة الجهاز الحكومي داخليا وخارجيا. نذكّر بأن هيبة الدولة تتحقق أولا بمحاسبة المسؤول عندما يسيء (العدل). هيبة الدولة تتحقق عندما تكون العيون مفتوحة (الرقابة).
هيبة الدولة تتحقق عندما يقدم متنفذ للقضاء (المحاسبة). هيبة الدولة تتحقق عندما يقابل المواطن العادي وزيرا دون زجر وصد من الحرس (الديموقراطية). هيبة الدولة تتحقق عند الإصغاء لمطالب الشعب وليس للحالات الفردية من أجل الدعاية (الرعاية).
هيبة الدولة تتحقق عندما تتبع الأفعال الأقوال (المتابعة).هيبة الدولة تتحقق عندما يكاشف الشعب بطرق صرف المليارات (الشفافية). هيبة الدولة تتحقق عندما لا يكون للتوريث وجود (المساواة). هيبة الدولة تتحقق عندما لا توجد سلطة للديوان وثانية للأمن وأخرى ظاهرة بلا ولاية (المصداقية).
رب قائل أنني أهذي وأحلم بمدينة أفلاطون الـ المدينة الفاضلة Utopia وهو ضرب من المستحيل. والجواب نحن دولة وشعب وحاكم ومؤسسات وقوانين كغيرنا من الدول التي حققت جميع أو معظم الوظائف السابقة فحققت الإستقرار والنماء والعيش الرغيد لشعوبها بعد أن كانت لا تكاد تذكر بين الدول. فهناك كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وهونغ كونغ وفنلندا وماليزيا والقائمة تطول.
كانت بلدان معدمة نهضت بالتعليم وعملت جاهدة على أن يكون الصدق والوضوح ديدنها وقامت بما عليها القيام به وأقنعت مواطنيها بأنها تعمل معهم ومن أجل رفاههم ورفعة بلدانهم، أقنعتهم بالعمل والتنفيذ، أقنعتهم بأن عليهم واجبات وبالمقابل لهم حقوق صدقت الحكومات بتحقيقها. العملية تشاركية بحتة يشترك بها الطرفان الحكومة والشعب حتى وصلت هذه الشعوب بهذه الدول لقناعة راسخة أن كل يعمل ويقوم ويؤدي دوره دون انتقاص. وإن ظهر ما يخل بالمعادلة التشاركية يتصدى له الطرف المتضرر ليقومه ويحاسبه لتعود الأمور لنصابها المتفق عليه.
نحن قفزنا عن كل ذلك وحققنا الأمن وربما الأمان الذي أراه يتآكل والإستقرار دون المرور بالخطوات الداعمة والضرورية التي تدعم البنيان المني تشييده لتقود تلقائيا للأمن والأمان والإستقرار. ودليلنا على ذلك أن الإستقرار بات شكلي لوجود الكثير من الثغرات التي حان وقتها لتفصح عن دورها الذي لا بد يظهر في العديد من النواحي. الإستثمار الداخلي يهرب للخارج والخارجي لا يثق بالإستقرار المنفوخ وهو يرى التقلب الدائم بالضرائب والأسعار وكذلك البيروقراطية ووسائل التكسب من خلال تعقيد الإجراءات والوعود التي تضطر المستثمر لدفع الكثير وهو غير ضامن لنجاح مسعاه.
النتيجة التي تحققت والهدف الذي أُنجز كانا على حساب المقومات الأساسية والمراحل الطبيعية التي كان يجب أن يمر بها إنجاز المهمة. فالأمر لا يتعدى كونه فقاعة قاتمة سرعان ما تنفجر عند تعرضها لرياح تساؤل أو معارضة أو مطلب أو تفسير لقرار ما.
قولنا وطرحنا هذا لا يقلل من أهمية أمننا وجهد رجال الأمن بكافة أجهزتهم وتكاتف المواطنين الغيارى خاصة. لكن دعونا نواجه الحقيقة ونعترف بالواقع الذي بات المواطن يدرك منهجيته وخطواته وخفاياه.
نعم للأمن و "الأمان" والإستقرار الذي يجب أن يكون الدافع للنمو والنماء والإنطلاق بغض النظر عن الأسلوب والأدوات التي تحقق بها الإستقرار. لكننا نرى وعن طريق المسؤولين بأن الأمن أصبح منة يمنون بها على الشعب، من صلب واجباتهم حماية المواطن وتوفير سبل العيش الكريم.
كما نرى أن عجلة العطاء والعمل والإنجاز توقفت عند الأمن و "الأمان" والإستقرار. فما جدوى أن توفر لي كتيبة حرس تقوم على توفير الأمن لي وتقطع عني الماء والطعام وحرية الحركة التي من خلالها يمكنني أن أبحث عن رزقي؟؟ ونرى الفقر قد أكل الطبقة الوسطى التي هي عماد أي مجتمع بأي دولة، فصار المجتمع الأردني طبقة "نخبة" وأخرى فقراء. فأي إنجاز حققته الحكومات وأي قانون أنصفت به المواطن؟؟
نعترف بوجود الفساد ولا نعترف بوجود فاسدين، نتحدث عن الخطأ ولا نذكر من أخطأوا لتفادي قتل الشخصية ونقبل بقتل وطن وإفقار شعب، أي نهج هذا؟؟!! أليس مثل هذا حماية للمسيء؟؟ لا ننكر أن الفساد موجود بالكثير من الدول، لكنهم ليسوا مثالا يحتذى وليسوا مبررا لتبرير فساد مسؤولينا وليسوا قدوة لنا، بل قدوتنا النزيه والوطني والصادق والشريف. رب قائل يقول أن الفساد ليس جديدا. نعم ليس جديدا لكن بحدوده المقبولة هذا مع رفضنا للفساد بكل نسبه وأحجامه. فمن سرق ونهب وتغول ترك ما يمكن أن يجعل وقودا بالسراج ليضيء أمام الشعب.
لكن فساد اليوم لم يترك لنا ما نهتدي به وكما يقول مثلنا الشعبي "لم يتركوا لنا ما نمص به إصبعنا". ولا نرى ما يجعلنا نعطي صبرنا مهلة، بل نرى الأمر آخذ بالسوء ما جعل الوضع قاب قوسين من الإنفجار الذي لا نتمناه، لكن المشاهدة والسكوت والإستمتاع بالمشهد لا يغني عن التدخل السريع الذي يمكن أن يصوب المسار ويصحح مواطن الخلل. أما ترك الأمر للعابثين والعابثات من وراء حجب لن يزيد الوضع إلا تدهورا وعندها نكون قد لحقنا بالدول التي نال منها الإنفجار العربي.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.