د. صبري الربيحات
في أجواء الانتخابات وحُمّى الاحتفالات بافتتاح المقار الجماعية والفردية للمرشحين ممن قالوا لنا بأنهم قرروا الدخول في السباق نحو القبة بعد أن اتكلوا على الله واستشاروا الأهل والأقارب وحظوا بإجماع عشائرهم وجيرانهم وأحزابهم واضعين نصب أعينهم مخافة الله ومصلحة الوطن، ومدركين لكل التحديات التي تواجه الأمة والهموم التي تشغل المواطن. وبعد تقييم الأوضاع في دوائرهم فقد اختاروا الانضواء في الكتلة التي شكلت قبيل موعد التسجيل وأصبحت مظهرا من مظاهر انتخابات هذا العام دون التدقيق بحجم وآثار دخول المرشحين في علاقات تعاون مع رفاقهم لاستقطاب الدعم للكتلة والتنافس فيما بينهم للحصول على أعلى عدد من الأصوات داخل الكتلة للفوز بنصيب الكتلة من المقاعد لتعذر نجاح جميع أفرادها في ظل تطبيق القانون القائم على نظام القوائم النسبية المفتوحة.
المشهد الانتخابي في غالبية الدوائر ما يزال غامضا ولا توجد مؤشرات يمكن الاعتداد بها على قوة أو جماهيرية أي من المرشحين. في بعض الدوائر التي يعاني فيها الناس من الجوع والبطالة والفقر ويسود بينهم الإحساس بالظلم ينظم المرشحون مهرجانات يدعون لها الآلاف من داخل وخارج الدائرة في تمرين استعراضي للقوة والجماهيرية التي يصعب التحقق منها. فغالبية الحضور استجابوا للدعوات ليكونوا جزءا من المناسبة التي لا تتكرر، تحضرها وجوه واسماء نافذة يصعب مقابلتها في أي مناسبة أخرى. وكثير ممن يحضرون المناسبة ويشاهدون حجم الإنفاق يتساءلون عن دوافع استماتة مثل هؤلاء المرشحين للوصول إلى المجلس، لا سيما والكل يعلم أن مثل هذا الإنفاق يفوق عشرات المرات قيمة الرواتب والامتيازات المعروفة للناس. وتتعزز شكوك الناس الذين يعلمون بأن هؤلاء الاشخاص ليسوا ممن لديهم فكر أو رؤى أو اهتمام معروف بالعمل العام والخدمة الاجتماعية أو الشخصية الكارزمية الجاذبة. في بعض الأحيان التي يحاول بعضهم الحديث تشعر بأن عليك التدقيق للتأكد بأنه هو المتكلم أو أنه الشخص الواقف بجانب المرشح.
المحاولة التي قام بها التلفزيون الأردني لعقد مناظرات بين الكتل الانتخابية فكرة جيدة ومنهج ضروري لإيجاد منابر يتواصل من خلالها المرشحون مع ناخبيهم لتشكيل عتبة أعلى تجعل البعض يفكر كثيرا قبل أن يقدم على طرح نفسه مستهينا بالدور والمجلس والناخب. الشخص الذي تجرأ على أن يعلن نفسه مرشحا دون وجود قدرة أو معرفة أو تاريخ أو استعداد ودون محاولة من الإعلام ان يكشف عن شخصية الفرد ومؤهلاته وإمكانية وقدرة الفرد على أداء الأدوار، شخص يعبث في قيمنا ومؤسساتنا وأخلاقنا. وهو عامل أساسي من عوامل التردي في الأداء وفقدان الثقة وتفشي حالة اللامبالاة التي أصبحت سمة لدى الكثير من الأردنيين.
كان من الأجدى أن تقوم جامعاتنا وأسرها الإعلامية والثقافية بأدوار أوسع كل في منطقة الاختصاص بعقد مناظرات بين المرشحين وإيجاد حالة ثقافية تنموية يشتبك فيها الطلبة والأساتذة والمرشحون والإعلام مع القضايا والمشكلات والبرامج والرؤى والتحديات التي تواجه الدولة والمواطن والمجتمع بدلا من ابتعادها عن المشهد بحجج الحيادية وعدم التدخل.
المجتمع لا ينمو ويتقدم بأعداد الخريجين وتعدد الجامعات وإجراء الانتخابات وزيادة أعداد المرشحات والمرشحين. الأهم من كل ذلك الوعي بالتحديات ووجود برامج للتصدي لها ومشاركة المواطن والدور الريادي للجامعات والنزيه للإعلام.
ربما ستنجح الهيئة المستقلة في استخراج الأعداد الفعلية للأصوات التي دخلت للصناديق وأسماء الحاصلين عليها...لكننا وبكل تأكيد أضعنا فرصة ثمينة لاستثمار الانتخابات لهذا العام بتعميق الفهم بالواقع الأردني ومعالجة الكثير من المشكلات التي علقت بطرق الترشيح وأسس الانتخاب للحصول على مجلس يدرك عظم المسؤولية وأهمية وجود رؤى وبرامج واقعية ومحددة ومناسبة يمكن الالتفاف حولها.
الانتخابات بدون جهد تنموي سياسي تسهم به الجامعات والحكومة والإعلام تشبه برنامج "من سيربح المليون" حيث إن المتسابق يجلس وعينه على المليون مستعينا بالحذف تارة والتخمين تارة والاستعانة بصديق عندما تفوق الاسئلة قدرته على إجابتها.
عن الغد