محمد خروب
يُتداوَل على مواقع التواصل الاجتماعي ورسائل الواتس آب,شريط صوتي مصحوباً بِكمٍّ من الصُوَر,يَظهر فيها عضو اللجنة المركزية السابق,المفصول من حركة فتح محمد دحلان,في عناق مع مسؤولين اميركيين (مادلين اولبرايت) واسرائيليين..ايهود باراك وعيزر وايزمن وقادة عسكريون آخرون.يقول الرجل الذي عاد الى المشهد الفلسطيني بقوة هذه الأيام,بعد الأنباء المتواترة عن اتفاق نضج بوساطة مصرية بينه وبين وفد من حماس,خلال الزيارة «الأولى» لمسؤول حماس الجديد في غزة يحيى السنوار,ما تزال تفاصيله غامضة وخصوصاً من جهة حركة حماس,التي يلتزم مسؤولوها الصمت في شكل لافت,وإن بدأت مؤخراً بعض التسريبات التي تؤكد وجود اتفاق كهذا ينصّ (ضمن أمور أخرى)على إبقاء الشأن الداخلي في القطاع بيد حماس،مقابل ان يكون ملف العلاقات السياسية الخارجية «في غالبيته» بإدارة دحلان,اضافة الى انهاء ملف تعويضات الذين سقطوا في المواجهات بين فتح وحماس ,حيث الاولى تصِفه بالانقلاب؟,وما تزال قيادتها تُصرُّ على «شرط» عودة الأمور الى ما كانت عليه,رغم مرور عشر سنوات على هذه المواجهة,التي تركت آثاراً مدمرة على القضية الفلسطينية,وغدا الانقسام الفلسطيني عنواناً لمرحلة لم تشهد فيه قضية الشعب الفلسطيني فصلاً اسوأ منه منذ خمسة عقود
ما علينا..
الشريط الذي يبدو أن جهات مُعارِضة في حماس قامت بتسريبه،كونه يحفل بالحديث عن «الشرعية» التي انقلب عليها دحلان,وكيف ان الاخير يلتقي اسرائيليين واميركيين،يقول فيه دحلان بنبرة واثقة محمولة على ثقة زائدة بالنفس,يكاد المستمع لِأقواله ان يخرج باستنتاج أنه يتحكّم بخيوط الأزمة,وانه قادر على تحريك الدمى ودفع حماس للاستسلام والندم على نجاحها في الانتخابات (كان الحديث يدور على انتخابات العام 2006 التي فازت فيها حماس بالسيطرة على المجلس التشريعي ورئاسة الحكومة),معتبراً (دحلان) انه قادر على هزيمة هذا «التنظيم» ومكافحته «بقوة المنطق وبكثير من الردع,دون ان يُقدِم على اي خطأ».على قاعدة ان اي شخص في الحكم هو اضعف (في الوضع الفلسطيني) مما لو كان في المعارَضة,الى ان ينتهي وبخاصة بعد حديث حفِل بمفردات ومصطلحات سوقية هابطة,عن حوار دار بينه وبين شخصيات من حماس,بانه حَـ»يِستِلِمهم خَمْسة بلدي»من هذه اللحظة,لآخر الاربع سنوات (هي عمر المجلس التشريعي) إلاّ اذا – والشرط لدحلان – وافقوا على «كل» المشروع السياسي,مُستطرِداً بغرور مُفرِط: وبعد ان يوافِقوا... سيكون لنا رأي آخر ايضاً.
مياه آسِنة كثيرة تدفقت في مجاري ازقة مخيمات غزة,ودمار كبير لحق بالقطاع وأهله,وباتت غزة مقبرة او مشروع مقبرة للبرنامج الوطني الفلسطيني,حيث لم يعد كثيرون يُخفون «مخططهم»لِفصل القطاع عن الضفة, وإعادة الاوضاع الفلسطينية الى ما كانت عليه قبل الخامس من حزيران 67،مع بعض الرتوش التي تُجمِّل قبائح التسوية (إقرأ التصفية)لن تلبث ان تتمظهر في انتصار المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي،تحظى فيه اسرائيل بموقع الدولة التي تكتُب جدول اعمال المنطقة,على قاعدة الريادة التكنولوجيّة والقوة العسكرية والتحالف مع العرب»السُنّة»الآخذ في التشكل والبروز.
بعد عشر سنوات,وخصوصاً بعد أن اعلنت حماس «وثيقتها الجديدة»التي خلعت فيها (او حاولت)جلدها القديم،يأتي تحالفها مع دحلان,لِيأخُذ صراع الطرفين المرير مع محمود عباس الى فضاء جديد,يستطيع فيه الحلفاء الجدد وخصوصاً انهما ينتميان الى القطاع واقعياً ونفسياً،ان يجعلا معاداة عباس قاعدة مشتركة,للتغطية على الصفقة التي تبلورت ومعظم بنودها ما تزال سِرية,وما كُشف منها لا يقنع أحداً,بأنها مجرد فتح معبر رفح وتجديد خطوط الكهرباء المصرية التي ستغذي القطاع,وغيرها من «التسهيلات» ذات الطابع غير السياسي،ما يثير المزيد من الاسئلة حول السبب الذي يدفعهما الى هذا العِناق,إذا لم يكن له اهداف سياسية وخطة عمل مُبرمجة ومحددة,في ظل الاحاديث التي لا تتوقف عن مرحلة جديدة ومفصلية (قد تكون الاخيرة)يدخلها الصراع الفلسطيني الاسرائيلي من بوابة «الحل الاقليمي»,الذي لم يعد أحد يُنكر ان «طبخته» قد نضجت او انها في مراحلها الأخيرة،قبل ان «تُسكب» في صحون المُحتفِلين وهم كثر,من العرب وخصوصاً الفلسطينيين ودائماً الاميركان والصهاينة.
يقول القيادي في حركة حماس د.احمد يوسف,الرجل الذي تعتمد عليه الحركة في تسريب مواقفها «الجديدة»او عند رغبتها في ارسال رسائل لاطراف معينة اميركية او اسرائيلية او عربية ,في رسالة الى رئيس السلطة محمود عباس يُذكِّره فيها بواجباته الوطنية والتراجع عن اجراءاته العقابية ضد قطاع غزة كتمويل الكهرباء والرواتب,رسالة حافلة بالغمز والاتهامات الشخصية القاسية، في معرض تبريره (اعترافه) بوجود اتفاق مع دحلان ما يلي:
(.. فيما خصمك اللدود دحلان – وهذه هي الحقيقة المشهودة – يبحث ويتواصل مع كل مَن يُقدِّم له النصيحة,في كيفية حصول اختراق في علاقاته مع حماس والقيادات الوطنية في غزة).. وفي مكان آخر من الرسالة يُضيف في ما يشبه الغزَل وتنقية صفحة دحلان,الذي لم يتوقفوا عن اتهامه باقسى وافظع الاتهامات من عمالة وخيانة واختلاس,».. يا سيادة الرئيس,انظُر الى خلافاتِنا مع دحلان,حيث كان بيننا وبينه ما صنع الحدّاد,والرجل قال فينا وقلنا فيه ما لا تُصلِحه وجاهة قبائل العرب اجمعين،ولكن بعد عشر سنوات من المِحنة الوطنية,آثرنا ان نعضَّ على جراحنا،صدقني يا سيادة الرئيس,ان نظرتنا الى دحلان ليس من ورائِها إلاّ الرغبة في تجاوز كل ما وقع من اخطاء,والعمل على طي صفحة الماضي.
إن دحلان – يُضيف احمد يوسف – هو» ابن المخيم كما السنوار وهنِيّة وابو مرزوق,حيث يُمكِنك ان تجلس مع الواحد منهم وتأكل معه وتلاطفه,بِلُغة الشوارع مع ابتسامة صادقة من القلب,فيما انت يا سيادة الرئيس,لا يعرف للأسف وجهك الابتسامة معناً».
هذه هي مقاييس المُصالَحة ف ومعاييرها,في نظر حماس «الجديدة».. عندما قرّرت الدخول في رقصة الـ»خَمْسة بلدي»... مع دحلان.
عن الرأي