محمد خروب
ما كان موضع تكهنات وانتظار، بات معروفاً الآن, بعد أن أعلنت قوات سوريا الديمقراطية «قسد» المدعومة من التحالف الأميركي, موعد المرحلة النهائية للسيطرة على مدينة الرقة، المعقل الأخير لتنظيم داعش وعاصمة «دولته»،وخصوصاً بعد أن بات تحرير ما تبقى من مدينة الموصل العراقية مسألة وقت، وانتقل الصراع المحتدم في سوريا وعليها, إلى الميادين السورية، حيث لم يعد يخفى على أحد أن الأميركيين يريدون مواصلة «اللعب» على دماء السوريين وتطبيق مخططهم الرامي لإفشال مسار استانة وتجميد مفاوضات جنيف او حتى شطبها, وتحويل مناطق تخفيض التصعيد إلى مناطق نفوذ، بمعنى فرض تقسيم الأمر الواقع على سوريا, بعد أن أفشَل السوريون والقوات الرديفة وباقي الحلفاء وعلى رأسهم روسيا، خطة اقامة دويلة في شرقي حلب, انتهت بهزيمة ساحقة لهذا المشروع الذي وقفت تركيا أردوغان في مقدمة داعميه وخصوصاً بعد غزوها الذي تم في الرابع والعشرين من آب الماضي وحمل اسم «درع الفرات».
قوات سوريا الديمقراطية التي يراهن الأميركيون عليها, والتي تصفها أنقرة بأنها إرهابية, ولم تنجح «انقرة» في ثني الأميركيين, سواء في عهد أوباما أم في عهد الرئيس غير المُتوقَّعة مواقفه أو قراراته..دونالد ترمب، من المضي قُدماً في تسليح ودعم هذه القوات، التي قادت «مشروعاً» مضاداً للمشروع التركي, حمل اسم «غضب الفرات»,والمُرشّح لِأن يصل منتهاه في حال تم تحرير الرقة، وبخاصة أن هذه القوات التي يهيمن عليها العنصر الكردي «السوري», أحرزت نجاحات واضحة كان آخرها السيطرة على سد «البعث». وحكاية هذا السد طريفة في واقع الحال، إذ عندما بسط داعش سيطرته عليه غيّر اسمه ليصبح «سد الرشيد»، ما لبثت «قسد» قبل يومين ان اطلقت عليه اسم «سد الحرية».
الرئيس التركي أردوغان الذي فشل في ثني ترمب عن دعم «قسد» خلال زيارته الأخيرة منتصف الشهر الماضي لواشنطن، يبرز كأكبر الخاسرين بعد أن تصدّرت قوات سوريا الديمقراطية المشهد في الطريق إلى الرقة، مُحكِمة قبضتها على قرى ريف المدينة, ومُطْبِقة حصارها عليه من ثلاث جهات، لم يتردّد الناطق باسم القيادة المركزية الأميركية جوش جاكس, في «التبشير» حدود اليقين: بأن «قوات سوريا الديمقراطية والتحالف العربي السوري (...) قادران على تحقيق النجاح في تحرير مدينة الرقة في القريب العاجل».
هنا يكمن المأزق التركي، الذي لم يتردّد أردوغان في التلويح بأنّ بلاده ستتحرك «مُنفرِدة» إذا ما تهدّد أمنها من الشمال السوري ,وقد أَخْبَرْنا ــأضاف اردوغان ـــ الاميركيين بذلك.ما يعني ان انقرة ستجد نفسها أمام خيارين, يصعب عليها.. في ضوء الأوضاع الميدانية والسياسية, ان تتقدّم صوب أحدهما، بل ستبقى في خانة التهديد الذي لن يُترجم على أرض الواقع, لأن إعلانها السابق بإنتهاء عملية «درع الفرات» والتي أُجُبرت على إنهائها, بعد أن حيل بينها وبين اجتياح مدينة الباب وتالياً جرابلس (روسِيّاً وأميركيّاً) فضلاً عن ان واشنطن أدارت ظهرها لإغراءات أنقرة, بالاعتماد على جيشها بدل الرهان على منظمة إرهابية (...)، خصوصاً في كونها احدى الدول الثلاث الضامنة لاتفاق استانة, القاضي بإقامة مناطق خفض التصعيد, قد باتت امام هامش مناورة ضيِّق, ناهيك عن ان معركة الرقة غدت أمامنا, وتم اعتماد خطط تحرير المدينة والتي ستكون من ثلاثة محاور, بهدف إنهاء وجود داعش في كامل الرقة, بعد أن تلقت «قسد» دعماً بالأسلحة والمعدات الاميركية للقضاء على التنظيم في عاصمته السورِيّة, على ما قال العميد طلال سلو، الناطق باسم قوات سوريا الديمقراطية في تصريح صحفي.
وإذ سارعت واشنطن قبل يومين إلى إحراج(إقرأ تكذيب) أنقرة, بعد أن أعلن رئيس وزرائها يلدرم أن معركة الرقة قد بدأت (3 حزيران) وأن الجانب الأميركي هو الذي أبلغَهم بذلك، ما نفاه الأميركيون بشدة، فإن المأزق التركي آخذ في التفاقم إقليمياً, بعد أن وجدت أنقرة نفسها أمام معضلة جديدة, تمثّلت في «تبعثر» أوراق حليفها القطري، بعد الحصار الذي فُرِضَ عليها جرّاء قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية أمام الدوحة. حيث كانت الأخيرة الأقرب الى انقرة حدود التناغم والاندماج, في سياساتها السورية وملف المنظمات الإرهابية، الأمر الذي لم تجد فيه تركيا فرصة للمناورة. وإذا ما صح النبأ الذي نقلته وكالة الأنباء القطرية «قنا» عن «تضامن» تركيا مع دولة قطر, في ظل الأزمة المتفاقمة مع بعض دول الخليج»، معتمدةً على ما جاء في المكالمة الهاتفية بين أردوغان وأمير قطر، فإننا سنكون أمام تداعيات مُتدحرِجة، نحسب أن أردوغان ليس في وارد دفع فواتيرها, في الوضع الاقليمي الراهن والمفتوح على احتمالات يصعب التكهن بها، بعد أن وصلت الأمور – أو كادت – بين دول مجلس التعاون الخليجي إلى نقطة اللاعودة.
عملية غضب الفرات «الكردي» في مواجهة غزوة درع الفرات «التركي»، وحسم معركة الرقة لصالح قوات سوريا الديمقراطية (إقرأ لصالح واشنطن), سيغيّر الكثير من المعطيات ويعصف بتحالفات ويستولد تحالفات اخرى وأوضاعاً جديدة.
فلننتظر... دون إهمال ما يحدث من تطورات متسارِعة وعميقة الأثر, في درعا والبادية... السوريتين.
عن الرأي