بقلم: راتب عبابنه
لم تكن مواقف وسياسات قطر بالمثالية بنظر بعض الدول مثلما لم تكن مواقف وسياسات هذا البعض مثالية أيضا. لكن لنعترف أن قطر يمارس عليها حصار قاس جدا. ربما كان لهذه الدول الإكتفاء بسحب السفراء كخطوة أولى وتنتظر النتائج. لكن المعطيات تقول أن الأمر مبيت ومدروس لخنق قطر وشعبها. والتجارب أثبتت أن الأنظمة عادة تكون أقل المتأثرين بهكذا إجراء ومن يتلقى الألم هو الشعب.
إن بعض هذه الدول يؤمن بنظرية جورج بوش الأرعن: إذا لم تكن معي، فأننت ضدي. وهذا المفهوم يعني فرض الوصاية على الآخر وعدم ترك مجال للمناورة حيث تقل مقومات اتخاذ القرار السليم والمريح. ومن التعسف وضيق الأفق أن تجعل الأسود أو الأبيض هما الخياران الوحيدان بينما يمكن ترك الباب مفتوحا دون قيود مربكة. أميركا كعادتها عند نشوب خلاف بين الدول العربية تقول هذا شأنكم فتدبروه بعد أن تكون قد زرعت أسافينها وأعدت الأرضية لانطلاق الصدام.
لست بصدد الدفاع عن قطر ولا اتهام غيرها من شقيقاتها، بل نحن أمام أزمة خطيرة وغير مسبوقة إذا لم يتم احتواءها وتطويقها بعيدا عن الإبتزاز وليّ الذراع، فإنها لا قدر الله قابلة للتحول لصدام عسكري بحال غياب الحكمة والحسابات الدقيقة للتبعات والإنعكاسات الخطيرة على شعوب دول مجلس التعاون والمنطقة. لقد كان هناك تسرعا بقرار قطع العلاقات وفرض حصار بحري وجوي وبري يسجل سابقة مؤلمة بسجل مجلس التعاون لا نراه يخدم أيّ من دوله.
الكثير من الحكام لم يتعض بعد من إرث التمسك بأمريكا التي تخضع للضغط الصهيوني وما عاد به ذاك الإرث من وبال على المنطقة. وهذا ما حدى بمسؤول اسرائيلي القول أن العرب لم يعودوا ينظروا لإسرائيل أنها عدو، بل هم وإسرائيل معا ضد الإرهاب. وهذا ما عملت على تحقيقه اسرائيل على مدار عشرات السنين. وقد كان دائما هاجسها أمني وقد عملت على أن تُقبل بالجسم العربي لفك عقدة الأمن.
وإسرائيل تعي جيدا أن انشغال العرب بالعرب هو المنفذ المثالي الذي يضمن لها تحقيق أهدافها وتنفيذ مخططاتها بكل يسر.
فكانت مصر أول ضحية وهي الأقوى عسكريا بين العرب تم تقييدها باتفاقية كامب ديفيد. ثم العراق قفز إلى قمة التفوق العسكري بالإقليم والمنطقة، فكان الضحية الثانية باحتلاله الكويت بتوريط من أميركا واحتلالها للعراق والتخلص من رئيسه الوطني والشرعي. ثم قفزت سوريا كأقوى دولة عسكريا يمكنها أن تشكل مصدر إزعاج لإسرائيل، فصنعوا داعش وها هي الحرب سجال.
ودول الخليج مجتمعة تشكل قوة لا يستهان بها، إذ هي أكبر مشتري للسلاح الأمريكي. والأردن للأسف الفساد ينخر عظامه بفعل البرامكة. والخليج ودوله تم دق إسفين الخلاف بينها لتنهي بعضها أو على الأقل تنشغل بخلافاتها سياسيا وإعلاميا. ودول المغرب لا تشكل قلقا لإسرائيل لبعدها الجغرافي وانشغالها بقضاياها الداخلية.
كل ما تقدم عملت اسرائيل لجعله واقعا يضمن أمنها ولتتفرغ لما جاء في بروتوكولات صهيون وتعمل على تحقيقه دون عوائق.
كم نحن بحاجة لقراءة التاريخ واستخلاص العبر التي بها إن عزمنا النية يمكن أن يتغير حالنا ويستقر وضعنا كعرب وأمة واحدة تتحدث لغة واحدة ويدين سوادها بنفس الدين. فهل نفقه أننا نسير نحو مجهول؟؟!!
حمى الله أردنا وأمتنا والغيارى عليهما والله من وراء القصد.