محمد خروب
إذا لم تحدث مفاجأة في ربع الساعة الاخير، فإن النسخة السادسة من محادثات جنيف ستلتئم يوم غد الثلاثاء، وسط اجواء مشحونة وخلافات عاصفة تفتك بصفوف المفاوضين من معارَضة المنصات المشارِكة في هذه الجولة, وبخاصة بعد قرارات استانة 4، التي وضعت المعارَضات السياسية وبخاصة منصة الرياض, أمام معضلة كبيرة تقلصّت فيها هوامش مناوراتها وأضفت اجواء من التعتيم على نشاطاتها, التي لم تزِد في أفضل احوالها, عن إعادة تسمية اعضاء وفدها الى جنيف وحصر إطلاق التصريحات «داخل» المبنى الأممي في جنيف برئيس الوفد نصر الحريري, فيما إقتصر دور سالم المسلط على «خارج» المبنى, في اشارة واضحة على حجم الخلافات بين مكوِنات الهيئة العليا للمفاوضات, وشعورها بالعزلة والتهميش وعدم الالتفات الى ارائها, التي يبدو انها لم تعد ذات قيمة جوهرية في مسار الاحداث، بعد ان تقدّم دور الفصائل المسلّحة الممثلة في استانا على دور منصة الرياض, فضلاً عن الدور الحاسم الذي بدأت تلعبه الدول الضامنة لاتفاق وقف التصعيد الذي دخل حيز التنفيذ وهي روسيا، ايران وتركيا.
وإذا كان المبعوث الخاص دي ميستورا قد حاول الزجّ بنفسه في مسار استانا بالقول: ان هناك امكانية لضم مناطق جديدة لاتفاق وقف التصعيد، الأمر الذي جوبِه بتجاهل تام من قبل الدول الثلاث الضامنة، فضلاً عن اتهامات طاولته من قبل اطراف المعارضة وبخاصة منصة موسكو في اعتبار اقتراحه هذا ,بأنه يفتح الطريق أمام خطر التقسيم الذي يهدد مستقبل سوريا وليس العكس، فإن الأزمة المتدحرجة التي تعيشها معارضات الخارج, بدأت تفرض نفسها على المشهد الراهن عشية جنيف، وبخاصة في ظل المساعي التي بُذلَت قبل اسبوع في اللقاء «التشاوري» الذي تم في القاهرة بين منصتي موسكو والقاهرة، وتيار الغد السوري بزعامة احمد الجربا وهيئة التنسيق الوطنية التي بدأ الانشقاق يضرب صفوفها, بعد ان برز تيار جديد فيها حمل اسم «هيئة التنسيق الوطنية- حركة التغيير الديمقراطي» حضَر لقاء القاهرة, فأنكرت عليه قيادة الهيئة بزعامة حسن عبدالعظيم المنضوي تحت لواء منصة الرياض,؟ حمْل اسمها واتهمته بانتحاله.
لقاء القاهرة التشاوري هَدَفَ, كما جاء في ديباجة دعوته, إجراء قراءة نقدية للأزمة السورية ومناقشة ازمة المعارضة الوطنية ومسألة الديمقراطية والدستور والعقد الاجتماعي الجديد, اضافة الى «أُسس الحل الوطني الواقعي».. الأمر الذي يمنح هذه العناوين الجديرة وغير المسبوقة في جرأتها, وتسمية الاشياء باسمائها بعيداً عن الاوهام وتأثيرات الرُعاة والمُشغّلين أهمية اضافية, في ظل التغييرات الميدانية المتلاحقة التي تحاول بعض اطراف المعارضات تجاهلها او القفز عليها, ظناً منها ان المشهد بعد استانا 4 هو ذاته... قبله. وهو ما يتجلّى في تصريحات بعض معارضي منصة الرياض مثل يحيى العريضي مستشار وفد الهيئة العليا للتفاوض الذي يقول: «ان وفد الهيئة يتوفر على اوراق قوة «كامنة», تتمثل في تمسّكه بالقرارات الدولية ذات الصلة, التي قرر المجتمع الدولي انها اساس الحل في سوريا وعلى رأسها القرار 2254 الذي تحاول روسيا سحبه من التداول».. كذلك ما جاء بعد انتهاء اجتماعات الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض, بتأكيدها «التمسّك بالقرارات الدولية الناظمة للحل في سوريا، ورفض كل محاولة للخروج عنها خاصة ما تقوم به روسيا عبر استانا وغيرها».
التصويب على روسيا متواصل, بهدف تحميلها وزر تراجعها والرهان في الوقت نفسه على «المزاج الدولي الجديد» وبخاصة الاميركي الرافض «لاستفراد» موسكو في ادارة هذا الملف (دع عنك طهران بالطبع), ما يعني ان وفد الهيئة ذاهب الى جنيف 6 ليُكرِّر مقولاته المعروفة عن الانتقال السياسي، فيما على المقلب الاخر ترى دمشق وعلى لسان الرئيس السوري نفسه: ان مفاوضات جنيف «مجرد لقاءات اعلامية غير مجدية»، ما يعني ان «الطرفين» يسيران على خطّين متوازيين يستحيل ان يلتقيا, وإن كانت «السلال» الاربع ما تزال موضوعة على طاولة النقاش وهي «الحُكْم، الدستور، الانتخابات والإرهاب».. في وقت تشهد فيه الجبهات اوضاعاً متغيرة بتسارع, يتراجع فيها دور الجماعات المسلحة ويتقلص نفوذها, وتبرز في الآن ذاته امكانية حدوث مواجهات دموية واسعة في محافظة إدلب (رغم انها احدى مناطق خفض التصعيد الاربع) بعد ان راجت انباء عن عمل انقرة الحثيث لتشكيل «الفيلق الأول» الذي سيضم «17» فصيلاً مسلحاً, بمن فيهم اولئك الذين عملوا تحت راية غزوة «درع الفرات», وصدور بيانات عن هيئة تحرير الشام/ النصرة سابقاً, تتهم الرئيس التركي بالفسق وتدعو الى محاربة الغزاة الأتراك الذين يتربصون بمحافظة ادلب(على ما جاء في البيان)، بل حرّكت بعض مسلحيها باسلحتهم الثقيلة على الحدود السورية التركية المشتركة, وهاجم خطباؤها تركيا ورئيسها من على منابر المساجد في خطبة يوم الجمعة الماضي.
يبقى السؤال حول جدوى الأيام الثلاثة اوالاربعة التي سيقضيها المفاوضون في جنيف؟ في ظل هذه الاوضاع القائمة والخلافات التي تعصف بمعارضات الخارج والعمل الذي لم يتوقّف على الجبهات الداخلية, وانخراط الفصائل المسلحة في «مصالحات» متلاحقة, تزيد من الاعتقاد بأن الميدان هو الذي يُفرِز الحقائق وليس المفاوضات العبثية, واستمرار منصّات المعارضة في اجترار وتكرار شروطها التي تعكس حجم الهوّة التي تفصل بين ما يحدث في الداخل, وحجم الاوهام التي ما يزال معارضو الخارج يؤمنون بإمكانية تحقيقها.
عن الرأي