محمد خروب
في وقت يخبو فيه الحديث عن مفاوضات جنيف، التي انتهت جولتها الخامسة في الاسبوع الأخير من شهر آذار الماضي، ويتراجع فيه التفاؤل عن إمكانية استئناف هذه المفاوضات، بعد ان حاولت واشنطن نسفَها والعمل على تعطيلها، عبر بث «آمال» لدى اطراف المعارضات السورية، إثر ضربتها الجوية على مطار الشعيرات العسكري، وبروز تيار داخل تلك المعارضات، يدعو الى استمرار الضربات الاميركية وترقّب حدوث تغيير في موازين القوى الميدانية، ظنّاً من هؤلاء ان ادارة ترامب تنوي طيّ صفحة الادارة الاميركية السابقة، بِانتهاج اسلوب جديد ينهض على العمل العسكري المباشر، وهو امر لم يحدث – ولا يبدو انه سيحدث – حتى الان.ما يعني ان الغموض الذي يلف سياسات ادارة ترامب وغياب أي افق او رغبة حقيقية لدى واشنطن في عهدها الجديد، بأن تتنكّب طريق المفاوضات لِإنضاج حل سياسي للازمة السورية، في ظل اعلان موسكو استعدادها الكامل للتعاون مع ادارة ترامب في سوريا... نقول:في ظل ذلك كله، تبدو عملية استانا هي الأُخرى محل تجاذب وترقّب وانتظار مشوب بالحذر من قبل اطراف هذه العملية، التي قيل عند انطلاقها في الشهر الاول من هذا العام أنها لن تكون بديلاً عن مفاوضات جنيف، وأنها معنِيّة بالدرجة الاولى بتثبيت وقف اطلاق النار، ومعالجة الخروقات وايجاد مساحة من الثقة «المفقودة»أصلاً، بين الفصائل المُسلحة والحكومة السورية، وبما يصب في النهاية لصالح انجاح مفاوضات جنيف، وبخاصة في مُشارَكة ممثلي الجماعات المسلحة في تلك المفاوضات، التي اقتصرت حتى تلك اللحظة على قوى المعارضة السياسية التي تقيم في الخارج، حيث لا وجود او تأثيرا ميدانيا لها على مسار الاحداث في الداخل السوري، فضلا عن خضوع تلك «المعارَضات» السياسية الى ضغوط ونفوذ عواصم اقليمية، ناهيك عن الخلافات التي تعصف بين ممثلي منصّات المعارَضات هذه، وبخاصة إصرار منصّة الرياض على احتكار التمثيل وعدم اعترافها بالمنصّات الأُخرى التي اعترفت بها الاطراف الدولية الفاعلة وفي مقدمتها الامم المتحدة عبر ممثلها الخاص دي ميستورا، الذي قيل في صالحه انه «نجَح» في جمع ممثلي المنصّات الثلاث(الرياض بالإضافة الى موسكو والقاهرة) تحت سقف واحد، في النسخة الخامسة من جنيف، التي انتهت بلا نتائج فعلية رغم الاتفاق بين وفد دمشق ووفود المعارضات على «السِلال الاربع» التي ستتم مناقشتها في الجولات المُقبِلة، والتي – كما قلنا أعلاه – لا تبدو انها ستُعقد قريباً، اللهّم الاّ اذا حدثت «معجزة»على صعيد علاقات موسكو وواشنطن، تلك العلاقات التي توجد الآن في حال جمود محمول على توتر، واحتمالات مفتوحة للتدهور الى ما هو أسوأ من ذلك، اذا ما عاودت واشنطن «ضرباتها» على مرافق وقواعد الجيش السوري، وبخاصة بعد التحذيرات الروسية المُتكرِّرة، من «تمثيليات» كيميائية يجري التحضير لها في ضواحي دمشق (الغوطة الشرقية)لِاتّهام النظام بالمسؤولية عنها، واستدراج رد فعل اميركي طالما اعاد الرئيس الاميركي التلويح به وبأنه لن يقف ازاءَه... مُتفرِّجاً.
ماذا عن استانا 4؟
المؤشرات»الاعلامية» تشي ـــ حتى الآن ـــ بان ثمة إمكانية وارِدة لاستئناف عملية استانا، المُقرَّر إنعقادها يوم غد الاربعاء ولمدة يومين، اذا ما سارت الامور وِفق الترتيبات التي اقرّها «الثلاثي الضامن»، المُكوّن من روسيا وايران وتركيا، بعد ان التقى خبراء تلك الدول في العاصمة الايرانية، بعيدا عن وسائل الإعلام قبل اسبوعين (18 نيسان)جدّدوا فيه التزامهم جدول اعمال «العملية» وسْط مسعى «كازاخي» لتوسيع قاعدة الدول الضامنة لتشمل دولاً عربية اخرى، رشح عن اوساط المُعارَضة المُسلّحة انها ستضم ثلاث دول جديدة هي: الاردن، السعودية وقطر، وإن لم يتم الاعلان رسميا عن ذلك.وهو ما سيجري التأكد منه، في حال التئام الجولة الرابعة من استانا، التي ستُحافِظ على جدول اعمالها الرئيس، والمتمثل في تثبيت وقف اطلاق النار وايجاد آليات لمراقبته.وإذ تتميز الاوضاع الميدانية بالسيولة والتغيير الدائم، بعد ان انحسرت المساحات التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة وتزايدت «عمليات المُصالحة» التي تعني تسويات ميدانية ذات طابع سلمي، بين ما تبقى من المجموعات المسلحة والجيش السوري، والتي تصفها المعارضات في الخارج بانها عمليات «تهجير»ومقدمة لتغييرات ديموغرافية،فإن ما حدث في ريف حماة الشمالي واقتراب ملف حي الوعر من الإنتهاء، فضلاً عن الحرب الطاحنة التي يخوضها «جيش الاسلام» في الغوطة الشرقية ضد باقي التنظيمات وعلى رأسها فيلق الرحمن المُتحالِف او احد اذرعه هيئة تحرير الشام/ النصرة، وتواتر الحديث عن قرب انضمام جيش الاسلام الى «التسوية السياسية» التي يتم الترتيب لها «حالِيّاً» خلف الابواب المُغلَقة وبمشاركة اكثر من عاصمة اقليمية ودولية، يزيد من القناعة بأن ثمة «مفاجآت» في طريقها الى البروز والتشكّل، وليس ما يجري في الشمال السوري و»الحزن» الذي اصاب اردوغان، بعد ان رأى صور ومشاهِد استقبال قافلة عسكرية اميركية بأعلام تنظيم ارهابي» كما قال في مؤتمر صحفي يوم امس، سوى اشارة اضافية على ان الاوضاع الميدانية على الاراضي السورية في طور الانتقال الى مشهد جديد، قد يكون اقل تعقيداً اذا ما قامت واشنطن بمراجعة مواقفها الراهنة من الازمة،وقد تتطوّر الى ما هو أسوأ، اذا ما مضى «حزب الحرب» في ادارة ترامب قُدُماً في خططِه الرامية الى تقديم منطق العسكَرَة على منطق السلام وحل الخلافات بالحوار.
استانا 4 – إن عُقِدت – ستكون مؤشراً على اي الإتجاهين سيكون وارداً او محتملاً، والإجتماع مرهون أيضاً، بحضور المجموعات المسلّحة التي استنكفت عن الحضور في الجولة السابقة، بتحريض من الراعي و»المُشَغِّل»... التُركي.
عن الرأي