الاردن يدين اقدام (اسرائيل) على احتلال الجانب الفلسطيني من معبر رفح القسام: قصفنا قوات الاحتلال في موقع كرم أبو سالم وشرق رفح انضمام جامعات جديدة للمظاهرات المتضامنة مع فلسطين الأمم المتحدة: (إسرائيل) منعتنا من دخول معبر رفح مدير المستشفى الكويتي: محافظة رفح تمر بكارثة صحية كبيرة قيادي فلسطيني ينفي طلب قيادات فلسطينية من (إسرائيل) عدم إطلاق سراح مروان البرغوثي "البلطجة" غير مشمولة بالعفو العام والقضاء يطبق القانون بشدة على 1097 مدانا الأمم المتحدة: مخزوننا من الوقود يكفي ليوم واحد فقط بغزة الصفدي: حكومة الاحتلال احتلت معبر رفح بدلا من إعطاء فرصة للمفاوضات 6 نقاط خلافية ترفضها (إسرائيل) في اتفاق وقف إطلاق النار رئيس الديوان الملكي يرعى توقيع اتفاقيتين لتنفيذ مشاريع مبادرات ملكية بالبادية الشمالية والزرقاء محاولات صهيونية لإعاقتها.. الأردن يسير ٣٥ شاحنة من المواد الغذائية لأهلنا في غزة "المناطق الحرة": انخفاض اسعار المركبات الكهربائية وتحسن جودتها.. فيديو خبير تربوي: قرار دمج وزارة التربية "تسلية إدارية" وتوصية من خبراء أجانب.. فيديو الملكة رانيا العبدالله تسلط الضوء في مؤتمر عالمي على أثر الحرب الإسرائيلية على غزة عالميا

القسم : بوابة الحقيقة
على مثل "صالح العاروري" لن تبكي البواكي
نشر بتاريخ : 1/3/2024 3:47:49 PM
د. حفظي اشتية


بقلم: د. حفظي اشتية

 

-قبل نكبة 1967 بسنة واحدة كان مولده في "عارورة"، جبالها تعانق جرزيم وعيبال نابلس من الشمال، ويعبر منها النظر بير زيت ورام الله نحو القدس والأقصى والقيامة ومهد المسيح وحرم إبراهيم الخليل جنوبا، وتلاغيها أمواج بحر يافا وتل الربيع من الغرب، وينفتح لها المدى شرقا لتصافح قلعة الكرك وجبال مؤاب والبلقاء، وتتنسم العبق العريق العتيق لموجات العرب الكنعانيين المهاجرين نحو فلسطين، وقوافل الصحابة الفاتحين الميامين، وينفتح فوق ثراها كتاب التاريخ المجيد ببطولاته وصراعاته ومراراته ونشوات انتصاراته وآلام انكساراته، وتنتثر فوق روابيها أشجار الكرمة والتين والزيتون تبسَّمُ صباح مساء تستذكر معاول اليبوسيين، وترتّل أن الصالحين لهم أجر غير ممنون، فلا تكذيب لهذا الدين. " أليس الله بأحكم الحاكمين" ؟؟.

-يا صالح، لقد كنت مرجوّاً فينا قبل استشهادك، وأصبحت مرجوّاً من بعده أعظم وأعمق، دماؤك العُمَرية الطاهرة التي جرت في شرايينك كانت مشكاة شعّت منها أشرف المقاومات، وسيرتك العظمى تثبت أن الأبطال العماليق لا تقاس أعمارهم بعدد السنوات، فقد شببت عن الطوق مبكراً وطويت المراحل، وتشرّبت حكمة الكهولة في بواكير الطفولة، واستحضرت دوما أن العمر قصير ودرب آلام شعبك طويل، وطموحاتك الشريفة ليس لها حدود، ورأيت مبكرا منزلتك عند ربك، فنثرت عمرك إلى ثلاثة أوراد، وثلاث ورود: ثلث ترضع فيه لبان العزة وشرف التربية وصدق الانتماء ونبل التضحية، وتعانق الأهل والتراب والحجر والشجر والأتراب لإدراكك أن الرحيل مباغت، فنمتَ دوما على صهوات الجياد ورجلاك في الركاب.

 وثلثٌ أمضيته في سجن العدو المحتل الظالم، ترتعد فرائصه من كل زهرة فلسطينية يشرئبّ عنقها نحو الحرية، ومن كل ساعد مجبول بالهمة والعزيمة، ومن كل عقل واسع واع، أو لسان ذي بيان، أو قلب سليم مؤمن بحتمية تحرير الأوطان والإنسان.

وأما الثلث الأخير، فقد قضيته بعيدا عن الوطن الذي يسكن روحك وقلبك، وتحمله حيثما حللت بين جوانحك، واخترت الجزء الشمالي من بلاد الشام ليكونَ مقرّك ومستقرك، وقاعدتك للعمل الدؤوب والتخطيط الدائم والصبر والمثابرة والمبادرة والإبداع وتثوير الهمم وإعداد الكتائب في مشروع نضاليّ هائل لا يهدأ ولا يستكين، يجترح المعجزات في الاستعداد وتوحيد الجهود والبناء المتراكم تهيئةً للنصر الحتمي القادم في يومه الموعود المشهود.

ولطالما كنتَ تردّد في مقابلاتك أنّ الشهادة ماثلةٌ دوماً بين عينيك، وأن مطلبها عزيز لديك، وأنه لا يغيب عن بالك لحظة أن رأسك مطلوب، وذلك وعد مكتوب، وسنن مرسوم لكل رأس شريف في هذا العالم الظالم، وكنت تردّد أنك شهيد يمشي على الأرض وأنك لست أفضل من أيّ طفل شهيد سبقك، وأن بلوغك هذا القدر من العمر هو زيادة من الله وفضل، وتلك حقيقة معروفة متوارثة مألوفة، فالأبطال الشرفاء يمضون سِراعا نحو منازلهم العليّة، ولا يذوقون طعم الهرم، يرحلون وهم ما زالوا مهوى الأفئدة، والأرواحُ ما برحت بهم معلّقة.

كنسمة رقيقة معطرة بزهور برتقال أريحا عشتَ حياتك القصيرة الحافلة، ثم مضيت .... يا لَابتسامتك العذبة التي ستسكن خيالاتنا طويلا طويلا!!! ويا لَهدوئك وثقتك وثبات جنانك!!! ويا لَوضاءة وجهك، وأزيزُ الرصاص الفتّاك ينطلق من كلماتك التي قلقلت أعداءك !!!

" وقفتَ وما في الموت شكٌّ لواقفٍ           كأنّك في جفن الردى وهو نائمُ

تمرّ بك الأبطال كَلْمى هزيمةً                  ووجهُك ضَحّاكٌ وثغرُك باسمُ".

لقد حِرْنا طويلا في سرّ ابتسامتك، إلى أن أطلّت علينا وعلى الدنيا بأسرها والدتُك كقنديل القدس الساطع، تدعو إلى عدم البكاء عليك، فالبكاء لا يجوز على مَن هو مثلك، بل الفرح وحده هو اللائق بك، وتطلب نثر الحلوى والأقحوان على مقلتيك، تبتسم ذات ابتسامتك، تلوح في ملائكية وجهها وسامة وجهك، وظهرت أمامنا عياناً ملامحك التامة في هدوئها وثقتها وثباتها وصبرها وجَلَدها وإيمانها بحقها.

ثم كَمُلت الصورة وتجلّت بإطلالة أختك العظيمة، أخت الرجال، كريمة الأحرار، فإذا الملامح ذاتها، وإذا السلالة الطاهرة نفسها تتراءى في صورٍ حبيبةٍ أنيسةٍ واحدةٍ تؤكد عَظَمة الخالق ومَنَّه وإحسانه، وعظيم نواله وعطائه.... إنه الشرف الوضّاح يرتسم في لوحات سامية سرمدية عذبة الموارد والمصادر.

نعم، دماؤك العُمرية كانت مشكاةً فجّرت أشرف الثورات في حياتك، وحتما ستكون هذه الدماء الزكية زلزالا يعمّ فلسطين وما حولها، ويهدّ أركان كيان أعدائك ....

وأما أنت فقد ارتقيت إلى منزلتك المرقومة لك، والتحقت بأنبل ركب وأطهر موكب من رفاقك الراحلين السابقين، فالطريق لاحب، والقوافل تترى، وفلسطين الغالية ما زالت تنتظر استيفاء مهرها العظيم المستحَقّ.

 

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023