بقلم: د. حفظي اشتية
سُلبت فلسطين خلسة عام 1948 بتآمر
الغرب الظالم، رغم المقاومة الباسلة للشعب الفلسطيني بمؤازرة عشائرنا الأردنية
والمتطوعين العرب والجيوش العربية.
وبعد أقل من عشرين عاما كانت الهزيمة
الساحقة الماحقة للجيوش العربية، وخسارة سيناء والجولان، وما تبقى من فلسطين
بقدسها الشريف مهوى أفئدة العرب والمسلمين.
كانت الصدمة هائلة، زعزعت النفوس،
وزلزلت الوجدان. لكن، بعد أقل من عام كان الجيش العربي الأردنيّ الأبيّ والمقاومة
الفلسطينية الشريفة في الكرامة يفتحان معاً باب الأمل للأمة المكلومة، ويعلنان
أنها لن تموت.
وما هي إلّا خمس سنوات أخرى حتى كان
الجيشان العربيان العظيمان في مصر والشام بمؤازرة العرب في حرب أكتوبر 1973،
يخطّان من جديد العنوان العريض لشرف المقاتل العربي، ويعيدان الكرامة للأمة
العربية الجريحة.
ثم كان التدخل الغربيّ المحموم لنصرة
الكيان وانتشاله من الهزيمة المذلّة، تلا ذلك المكر الاستعماري في شقّ الصف
العربي، وتحييد مصر العروبة من ساحة الصراع، وإغراقها في دهاليز السياسة ووعود
الرخاء، فتصدّع عماد البيت، وتوالت المعاهدات، وتوارت أو كادت العقيدة العسكرية
العربية القائمة على ضرورة استرجاع كامل فلسطين، وتضاءلت الآمال، وانهالت
المؤامرات على الدول العربية فانهارت عزائمها واحدة إثر أخرى، حتى وصلنا إلى حالة
من الاستكانة والهلع، والهرولة نحو التطبيع، وكأنّ لسان حالنا يقول: " انجُ
سعد، فقد هلك سعيد."
لمعت بوارق الأمل في ظهور المقاومة
العربية اللبنانية، وتراسلت انتصاراتها، ثم الانتفاضة الفلسطينية ومقاوماتها
وجولاتها، وتعاظمت التضحيات، وتراكمت الخبرات والاستعدادات، والعدو يتمادى في غيّه
وطغيانه، يبتلع الأرض، يمتهن الكرامة، يشرّد الشعب، يسحل الحرائر، يغرق السجون
بآلاف تلي الآلاف، يغلق أبواب الأمل، يتجرّأ على الحرم الإبراهيمي فيطويه تحت
جناحه، ويتمدّد نحو الأقصى رويداً رويدا، حتى غدت مسألة السيطرة التامة عليه،
وحرمان المسلمين تماما منه مسألة وقت، بل أصبح خطر إقامة الهيكل المزعوم داهما،
على أمل البحث عنه تحت غبار أقدام نبوخذ نصّر البابلي، وتيطس الروماني، بعد أن عفا
عليه الزمن على مدى آلاف الأعوام.
لكنها الأمة العربية الإسلامية، التي
عوّدنا التاريخ دوماً أن تنهض من بحر اليأس، وتُشعل الفجر عندما يدلهمّ الظلام.
ها هي المقاومة الفلسطينية في أكتوبر
الثاني 2023، تحمل الأقصى على الأعناق، وتعلن الطوفان في مفاجأة صعقت الأعداء،
وصدّعت كيانهم، وأعادت فتح الكتاب من الصفحة الأولى.
إنها البداية، ونعلم أنّ التضحيات
القادمة ستكون هائلة، لكنها حتماً ستهون أمام العزيمة والإصرار على استرداد
المقدسات والأرض والكرامة، ولا سبيل إلّا هذه السبيل في ظلّ هذا العالم الغربيّ
الماكر الظالم، والاحتلال الغاشم.
ربّاه، لقد تفحّمت قلوبنا طويلاً!!!
لطالما باغتونا هم بغدرهم، يدمرون
عواصم ومدناً، وبالكاد ندمر لهم جداراً.....يقتلون ويجرحون عشرات الآلاف منا، ونحن
نترقب بلهفة أن نقتل ونجرح منهم آحاداً وعشرات..... سجنوا مئات الآلاف منا، وكنا
نقيم الأفراح إن أسرنا منهم واحداً..... كيف ننسى مناظر جنودنا التائهين في سيناء
في حرب 1967؟! أو نسترد كرامة أسرانا معصوبي الأعين، أياديهم فوق رؤوسهم، يجرجرون
شبه عرايا، ويُمتهنون، وتبتلعهم القبور الجماعية.....
أليس لنا بعد مرارة هذا الصبر الطويل
أن نثأر لكرامتنا وأن نردّ لهم بعض أفعالهم، وأن ندخل بعض أرضنا السليبة فاتحين
مكبرين؟؟؟!!!
هل دارت الدائرة عليهم؟ ليس ذلك مستحيلا،
بل إنه وعد الله الذي لا يخلف وعده.
"يا آل إسرائيل لا يأخذْكم
الغرور......... عقارب الساعات إن توقفت فإنها لابدّ أن تدور..... هزمتم الجيوش
إلا أنكم لم تهزموا الشعور..... قطعتم الأشجار من رؤوسها وظلت الجذور.
ظلّ الفلسطيني أعواماً على
الابواب...... يشحد خبز العدل من موائد الذئاب.... وعندما أخرج من إسطبله حصانه
...... وزيّت البارودة الملقاة في السرداب...... أصبح في مقدوره أن يبدأ الحساب.
نحن الذين نرسم الخريطة ..... ونرسم السفوح والهضاب .... نحن الذين نبدأ المحاكمة
...... ونفرض الثواب والعقاب."