لنعترف أن الدولة نجحت بنسبة مقبولة في إعادة ظلال الديمقراطية على الحياة السياسية والحزبية خاصة من خلال تَشكُّل الأحزاب الجديدة، والتي أصبحت تتبلور بطريقة متسارعة وبزخم لم يكن معهودا كما في السابق، ضمن القنوات القانونية السليمة التي تم وضعها مؤخرا.
أزمة الخوف من التفكير بالتغيير دخلت مرحلة التلاشي والقبول العام لدى الشارع في تقبُّل فكرة الأحزاب وامتلاك عضوية فيها تعتبر الخطوة الأولى لدخولنا في دائرة صنع القرار السياسي المستقبلي للدولة.
إلا أنه علينا الحذر من الدخول في نفق مظلم يسمى النفوذ الشخصي – المالي – داخل الحزب بغض النظر عن نوعه، كونه يعيدنا الى المربع الأول، وبهذا سنفشل في تشكيل الحكومات القوية وصناعة القرار السياسي الحيادي، فننتقل من أحزاب تعمل لصالح العام الى أحزاب تعمل لصالح الشخصي.
سأضرب مثالا، وهناك امثلة عديدة في عالمنا العربي، كالحزب الوطني الذي تولى جمال مبارك منصبين مهمين فيه وهو الأمين العام المساعد للحزب الوطني الديمقراطي وأمين السياسات، او كما فعل رفيق الحريري حين صنع حزب تيار المستقبل في لبنان وترأس السلطة من بعده، ولأننا جزء من العالم العربي وثقافته وبغض النظر عن الإيجابيات والسلبيات التي نتجت عن تلك الأمثلة المطروحة، فهو امر متوقع الحدوث كوننا امام توسع سيسمح للبعض في حسم التنافس لصالحة لامتلاكه النفوذ الذي يعطل العمل الحزبي العام الذي أنشئ من أجله.
لكن هذا الحذر الذي أتحدث عنه أنا لست في الحقيقة ضده بشكل مطلق كونه مسارا ديمقراطيا لا شك فيه، لأن القانون لا يمنع أي شخص من الدخول في الأحزاب، والمنافسة على السلطة هي الأساس في تشكل الأحزاب وغياب الصراع الحزبي في الوصول الى السلطة يعني أن الأحزاب ستكون شكلية وأحزاب رأي فقط كما يقال وهو ما سيجعل هذه الأحزاب بلا قيمة حقيقية.
في المقابل يجب على الأحزاب الجديدة زيادة العمل على تسجيل من هم في القرى والمحافظات وتفعيل دورهم داخلها كونهم شريحة مهمة، لا يجب تغييب دورهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي بشكل يجعل منها احزابا بنهكة عمانية، بالإضافة إلى ان العديد من المثقفين وأصحاب الفكر والرأي والطموح موجودون في تلك المحافظات، ويمكن استغلال عقولهم في تطوير وتحسن أداء الحزب وجعله متناغما مع كافة أطياف المجتمع.
في نهاية المطاف يمكننا القول ان من واجبنا جميعا الانخراط بالأحزاب كونها الطريق السليم للعمل الديمقراطي المحدث، وبه تكون المشاركة الحقيقية في صناعة القرار لنا ولأجيال المستقبل، وعدم الاكتراث بقول بعض الشخصيات العامة التي تحارب فكرة العمل الحزبي وتوهم الشارع بعدم فائدتها كونهم مرجعية، وهو ليس بالأمر الصحيح او السليم لأن خريطة الإصلاح السياسي والتنمية السياسية مرتبطتان بالعمل الحزبي وهذا واقع حقيقي يجب السير عليه كونه السفينة التي ستنقل العمل السياسي في المستقبل الى بر الأمان.