سلامة الدرعاوي
من المفترض أن لا نعول على أشقائنا الخليجيين في تقديم مساعدات استثنائية للمملكة، فهم يعلمون جيدا وضع الأردن، وعلينا نحن أن نتفهم جيدا وضعهم المالي والاقتصادي.
أفهم جيدا أن يخصص خطيب الجمعة جزءا من حديثه لحث المصلين على التبرع والتصدق للجان الخيرية في المسجد لمساعدة الفقراء والمساكين وذوي الحاجة، أما أن تخصص خطبة الجمعة للاستجداء من الدول لمساعدة الأردن ماليا وتقديم العون، فهذا أمر غريب علينا جميعا.
لم أكن يوما قلقا على علاقة الأردن مع الدول الخليجية، فلطالما كانت تختلف ما بين ظاهرها وبطانها، فالدول الخليجية حتى في أصعب الأوقات وأحنكها كانت مساعداتها ومنحها تتسلل إلى الخزينة وتنقذها من ورطتها وأزمتها المالية، فالدبلوماسية الأردنية تعمل ليل نهار على استدامة هذه العلاقة، أما أن تنتقل هذه الدبلوماسية إلى منابر المساجد؛ فإن هذا الأمر يستدعي التوقف والقلق هذه المرة.
خطبة إمام الحضرة الهاشمية الشيخ أحمد هليل يوم الجمعة في مسجد الملك الحسين، وحثه ملوك وأمراء وحكام الدول الخليجية على تقديم المساعدات للمملكة في هذا الوقت وعدم ترك الاردن وحيدا في مواجهة ازمته الاقتصادية، سوف يدير أسئلة عدة في ذهون الكثير من المراقبين والمحللين حول حقيقة العلاقات الاقتصادية الأردنية الخليجية، وما يدور في كواليسها من قضايا مخفية عن الرأي العام، خاصة وأن المتحدث ليس بالرجل العادي الذي يمر على مثل هذه النقاط والمواضيع مرور الكرام، فالشيخ هليل قريب جدا من مراكز صنع القرار ورسم السياسات وله علاقات كبيرة مع مختلف رجالات الدولة سواء في الاردن ام خارجها.
قبل أشهر قليلة خرج علينا مسؤول سابق على فضائيات مختلفة يبشر الاردنيين بمليارات إحدى الدول الخليجية التي ستتدفق على المملكة من كل صوب وحدب، وأن الأردنيين سيتلمسون فوائد تلك الاستثمارات في القريب العاجل، ومنذ ذلك التاريخ والجميع يترقب تصريحات ذلك المسؤول ونتائج ما يتحدث عنه، ولغاية الآن لم يحدث شيء على أرض الواقع.
العارفون بطبيعة الأوضاع الاقتصادية في المنطقة عامة ودول الخليج خاصة، يدركون حجم التحديات الاقتصادية التي تواجهها تلك الدول والتي بدأت ميزانياتها جميعا بلا استثناء بتسجيل عجوزات مالية غير مسبوقة، لا بل باتت تهدد استقرار بعضها الاقتصادي، بسبب الحجم الكبير في الانفاق والدعم الذي أسسوه في فترات الوفرة الاقتصادية، حيث لم يعد بإمكانهم تخفيضه تلقائيا إلا من خلال إجراءات مالية صعبة حتى على مواطنيهم، فانخفاض أسعار النفط عالميا بأكثر من 50 بالمائة خلال السنوات الثلاث الماضية أدى إلى استنزاف الكثير من الموارد المالية والمدخرات والأصول لتلك الدول، وقد قامت فعلا بخطوات عملية تتعلق برفع الدعم عن الكثير من الخدمات والسلع، وتقليص رواتب العاملين في القطاع العام، وإيقاف الكثير من المشاريع الرأسمالية والبنية التحتية، وتقليص مساهماتها الاستثمارية في الخارج لا بل امتد أيضا إلى المنح التي كانت تقدمها للعالم برمته، فالأدوار تتغير، وهذا أمر طبيعي في ظل التغيرات الإقليمية والاقتصادية العالمية.
من المفترض ان لا نعول على أشقائنا الخليجيين في تقديم مساعدات استثنائية للمملكة، فهم يعلمون جيدا وضع الأردن، وعلينا نحن أن نتفهم جيدا وضعهم المالي والاقتصادي، لكن المنطق يقتضي بإمام الحضرة أن يوجه خطبته ليس إلى تلك الدول، وإنما إلى هؤلاء الأشخاص والمسؤولين الذي يبثون الإشاعات والوعود الفضفاضة، ويتلاعبون بمشاعر الاردنيين ويبنون لهم من الوهم قصورا، وأن يسألهم عن وعودهم، وأين هو الآن ما كانوا يتحدثون به قبل أشهر، وأن تكون خطبته بزيادة التلاحم الداخلي والاعتماد على الذات أكثر منه من الاعتماد على الخارج، وأن يحث الحكومة على مواجهة الفساد وإدارة الاقتصاد بشفافية وتحقيق العدالة والمساواة بدلا من خطب الاستجداء التي لا تسمن ولا تغني من جوع.