منذ
وُجد الإنسان وهو في مواجهة دائمة مع الظلم، إنه يَظلم ويُظلم مدى حياته، فهو ظالم
، وهو مظلوم.
ولذلك
ورد ذكر الظلم واستبشاعه والنهي عنه والتشنيع على من يظلم في حوالي 300 موضع في
القرآن الكريم.
وقد
شابه الظلمُ الكفرَ والفسقَ في ثلاث آيات في سورة واحدة:
ومن
لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون/ المائدة 44.
ومن
لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون/ المائدة 45.
ومن
لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون/ المائدة 47.
بل
جُعل الشرك والظلم سواء في قوله تعالى : إن الشرك لظلم عظيم/ لقمان 13.
والتراث
العربي الإسلامي بل الإنساني زاخر بالأقوال والمواقف والأفعال والأمثال التي تنهى
عن الظلم وتحذر من عواقبه.
والكلام
في هذا الشأن من المشاع المألوف الذي تعرفه النفوس السوية وغير السوية ويدركه
العاقل والجاهل ولا يكاد يخفى على أحد.
لكن
بني البشر جُبلوا على الظلم وتعايشوا معه، فوُضعت الضوابط الدينية والدنيوية
وشُرعت القوانين واستُحدثت المحاكم والهيئات والمؤسسات والدواوين للحدّ من الظلم ومعاقبة
الظالمين .
وقد
دأب الناس على الشكوى من الظلم واللجوء إلى المسؤول المعني للأخذ على يد الظالم
والعمل على إنصاف المظلومين .
ومن
تجارب واقعية لمست أن بعض الأساتذة الجامعيين يعانون الأمرين من ظلم بعض المسؤولين
في جامعاتهم، لكنهم لا يجدون مرجعاً أعلى يلوذون به ويستصرخونه ليفزع لهم ويرفع
الظلم عنهم، ففي ظلال العلاقات الإدارية التصالحية بين الرؤساء والمرؤوسين التي كثيراً
ما تغلب عليها حسابات المصالح، تجد المرؤوس يحاول استرضاء رئيسه، والرئيس يدافع عن
قرار مرؤوسه، بينما يقف المظلوم وحيداً تائهاً لا يجد من المرؤوسين نصيراً على ظلم
الرؤساء ولا يجد من الرؤساء نصيراً على ظلم المرؤوسين، وغالباً ما يكون في الحالين
كالمستجير بالنار من الرمضاء.
يختار
الرئيس نوابه والعمداء، ويختار العمداء نوابهم ورؤساء أقسامهم وفق معايير غالباً
ما تفتقر إلى الشفافية والموضوعية، بل تخضع كثيراً للمصلحة الخاصة والمزاجية
والعلاقات الشخصية والضغوطات الاجتماعية ، وتُفرض الأسماء على أعضاء الهيئة التدريسية،
ويُفاجأ عامة الأساتذة الجامعيين بقوائم التشكيلات دون أن يجدوا ما يشفي الغليل
ليعرفوا المعايير التي جعلت الاختيار يقع على هذا ويستبعد ذاك.
وبناءً
على هذه الانتقائية في الاختيارات، تنبني العلاقات التصالحية بين الرؤساء
والمرؤوسين، بينما يقف الأستاذ الجامعي حائراً حيال هذا الواقع الذي فُرض عليه، لا
رأي له فيه ولا حيلة له برفضه أو تغييره.
ورغم
قتامة هذا المشهد، إلّا أن احتماله يظلّ ممكناً على منهج: ( إذا لم يكن ما تريد
فأرد ما يكون) لكن ذلك مشروط بتحقيق العدالة، والالتزام بالقوانين والأنظمة
والتعليمات ليشعر الجميع بالأمن الوظيفي والراحة النفسية التي ترفع المعنوية وتزيد
الرغبة والدافعية للعمل والإبداع .
فهل
هذا يحصل حقاً دائماً؟
واهم
أو جاهل أو مغرض من يجيب بالإيجاب .
الواقع
غير ذلك، فالبناء القائم في مجمله على المصلحة لن تكون نتيجته إلّا كذلك، وهنا
تظهر المزاجية أيضاً وازدواجية المعايير وتكبير الصغير وتصغير الكبير وتغيب
العدالة أو تكاد، ويتلمس كلٌ من المعنيين الطرق التي تؤدي إلى حفظ توازنه أو حماية
حقوقه أو تحقيق مراده أو تحصيل مكاسبه وأطماعه....
بعضهم
ينضم سريعاً إلى الحلقة بحثاً عن الحظوة، وبعضهم يميل إلى المهادنة والمحايدة،
وبعضهم يحاول المواجهة والمصادمة، وبعضهم يُتقن التقية والنفاق والمجاملة.
لكن
غالبية صامتة هي التي تدور عليها الرحى، وهي تستحق أن يؤخذ بيدها ويُلتفت إليها:
إنها فئة جادة في عملها ملتزمة في أداء مهامها تؤدي كامل واجباتها، لكنها إذا
طالبت بأدنى أساسيات حقوقها ظُلمت وضاع صوتها لأنه لا بواكي لها .
هذه
الفئة مَن لها ؟ وإلى مَن تشتكي ؟ إلى مجلس الأمناء ؟ إلى وزارة التعليم العالي ؟
إلى مجلس الوزراء ؟ إلى المحاكم ؟ إلى مَن تلجأ ؟ ومن يسمع صوتها؟ فكل اختيار مما
ذُكر شائك محفوف بالخسائر والمخاطر صعب المسالك يستنزف الجهود والأوقات والأعصاب
.... إلخ ، والنتائج غالبا غير مضمونة العواقب.
إن
حكايات الظلم في الجامعات كثيرة، وضياع الحق غصة في الصدور لا يشفيها إلّا العدل،
والأستاذ الجامعي المظلوم المقهور لا يؤدي مهمته ورسالته كما يُتوقع منه، والنتيجة
إحباط وقهر أو انحراف أو جريمة وكلّ ذلك بسبب بعض القيادات التي لا تدرك أن
الإدارة العادلة الحكيمة الرشيدة البعيدة عن الأهواء الشخصية، هي وحدها التي تخدم
المصلحة العامة وتبني الأوطان ، فمن يسمع ومن يجيب؟