بقلم: مروان سمور
يعرِّف "جوزيف ناي" عالِم
السياسة الأمريكيّ "القوّة الناعمة" بأنّها «القدرة على تحقيق الأهداف
المنشودة عن طريق الجاذبيّة أو السحر أو الإقناع بدل الإرغام أو الإغراء
بالأموال». ومَوارِد القوّة الناعمة لأيّ بلد هى ثقافته وقيمه السياسيّة ، فضلا عن
السياسة الخارجيّة. وتنوع استخدامها، من وسائل الضغط الاقتصادي والدبلوماسي
والنفسي ، وايضا هناك أساليب الإغراء والجاذبية، من الفنون على اختلافها، بما فيها
الأدب والمسرح والسينما .ولا نغفل ان اساس القوة الناعمة الامريكية هو : السياسات
الديمقراطية الليبرالية، واقتصاديات السوق الحرة، والقيم الأساسية مثل حقوق
الإنسان وغيرها .
وفي ضوء
قراءتنا للقوة الناعمة الامريكية لا بد ان نتعرف على "محاور القوة الناعمة
الامريكية الاساسية" التي تغذيها , والتي
تصب بالنهاية في خدمة السياسة الكلية لامريكا ومصالحها , فهي كالتالي :
السياسة الخارجية : ان اتباع سياسات خارجية مصممة
بشكل جيد سيدفع الدول الأخرى إلى أن تحذو حذو الدولة التي تستخدم القوة
الناعمة. إضافة إلى المساعدات الاقتصادية
للدول الأجنبية والتي لها اهداف تحقق بها الدولة مصالحها ولها مقابل وليست مجانا.
الدبلوماسية العامة : فمن خلالها يمكن النفاذ إلى
قلوب وعقول ونفوس الناس، والتأثير على الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة.وذلك من
خلال المنح الدراسية، واتفاقيات التبادل، والبرامج التدريبية، والحلقات الدراسية،
والمؤتمرات، والوصول إلى القنوات الإعلامية.
النفوذ السياسي : هناك من يقول بأن نفوذ امريكا
الكبير يرجع فى معظمه لقوتها العسكرية ، لكن هذا ليس صحيحا على اطلاقه ، فمنطقيًّا لن تغزو الولايات
المتحدة كل دولة لا تعجبها أو تتمرد على سياستها، ولكن لديها ادوات قوة اخرى
تستخدمها وتحقق به اهدافها بنفوذها السياسي العالمي .
التحكم بمؤسسات التمويل العالمية : وهذه المؤسسات بالطبع البنك الدولي وصندوق
النقد الدولي والاثنان يشكلان معالم السياسة الاقتصادية العالمية ، والاثنان تتحكم
فيهما امريكا بشكل شبه كامل .
التحكم بمؤسسات صنع القرار في العالم : امريكا هي
أحد الأعضاء الخمسة الدائمين فى مجلس الأمن وهى أهم عضو مؤسس فى حلف شمال الأطلسي
«الناتو» .
السيطرة على الدولار : إن وجود الدولار كعملة
العالم التجارية الرسمية , وعملة الاحتياطي العالمي لمعظم دول العالم يعطي امريكا
كثيرًا من الزخم والنفوذ كمرجعية اقتصادية أساسية ووحيدة . فان حصة الدولار من
الاحتياطات العالمية في يونيو عام 2020
بلغت 61.9 % .
النجاح الاقتصادي والتكنولوجي : تتميز الولايات
المتحدة باقتصادها القوي , وإضافة لذلك فهي تهيمن تجارياً على المجالات الاقتصادية
الرئيسية في العالم , من التكنولوجيا والسلاح والدواء والغذاء والنقل والطاقة .
وكذلك
لا نغفل قوتها المتمثلة في علاماتها التجارية المنتشرة في شتى أنحاء العالم مثل :
أبل ومايكروسوفت وفيسبوك وبوينج وكوكاكولا وجوجل والعديد من العلامات الاخرى ,
والتي تدعم انتشار النموذج الامريكي على مستوى العالم . والتي تعد عنصرا مساعدا
على تزايد جاذبية امريكا في العالم .
صناعة الاعلام : تمتلك الولايات المتحدة اعلاميا
مسيطرا حول العالم , سواء كان إعلامًا مرئيًّا «تليفزيون/ سينما/ إنترنت» أو
إعلامًا مقروءًا .
فهي تمتلك القنوات الإعلامية الامريكية المشهورة
مثل : (سي ان ان , سي بي اس , فوكس نيوز , سي ان بي سي , ان بي سي . اي بي سي ) ,
ووكالات انباء مثل (وكالة أسوشيتد برس , بلومبيرغ ) .
وإعلام مقروء كالواشنطن بوست والنيويورك
تايمز، وصناعة السينما التي تسيرها "هوليوود" وشركاتها مثل (وارنر برذر -
ديزني لاند - بارامونت - ام جي ام - يونيفيرسال - سينشيري فوكس القرن 20 )
بالاضافة لشركة ديزني لاند لصناعة الرفاهية ,
وايضا اغاني البوب وغيرها .
وايضا
مراكز الابحاث التي يقدر عددها 1183 مركز أبحاث .
المؤسسات التعليمية الامريكية : - الجامعات
الامريكية : حيث تعتبر مؤسسات التعليم العالي الامريكية من ارقى المؤسسات
التعليمية في العالم , وتصنف كأكثر الدول أستقطابا للطلاب الدوليين في العالم .
وتعتبر البلد الأم لأفضل الجامعات في العالم
.
- تصدير
الثقافة والنموذج الامريكي : تمتلك امريكا نفوذاً وتأثيراً في عالمنا الراهن
مستفيدة من شيوع اللغة الإنكليزية، سواء في لغة التخاطب اليومي، أم لغة التجارة
والأعمال، وهناك اليوم مئات الملايين من البشر يأكلون ويلبسون على الطراز
الأمريكي، ويستمعون الأغاني الأمريكية ويشاهدون الأفلام الأمريكية. ويتكلمون
الإنكليزية باعتبارها لغة التقنيات والأعمال .
- ثقافة الطعام والشراب الامريكي : ممثلة بانتشار
المطاعم الامريكية مثل (ماكدونالدز - برجر كنج - دجاج كنتاكي ) وايضا ومقاهي
المشروبات مثل ( ستاربكس ) .
وايضا
تستمد الولايات المتحدة قدراً كبيراً من قوتها الناعمة ليس من حكومتها فقط , بل من
مجتمعها المدني , والمنظمات غير الحكومية .
إلا أن
تأثير هذه القوة الناعمة بدأ يتقلص منذ إدارة جورج بوش الابن , فقد أدت السياسات
التي انتهجتها امريكا عقب هجمات 11 سبتمبر، واعتمادها بشكل أساسي على القوة الصلبة
, واعلانها الحرب على "الإرهاب" , لم توفر الإجراءات القانونية الواجبة
في قضايا مثل سجن أبو غريب ومعتقل غوانتانامو . مما قوّض دعاوى أمريكا بالتزامها
الأخلاقي ، حيث جاءت هذه الأفعال متعارضة بشكل مباشر مع القيم التقليدية الأمريكية
الخاصة بالحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون .
وأصبحت
امريكا تصدّر الخوف والغضب بدلاً من الأمل والتفاؤل. وبالتالي ادى الى تراجعها ومن
ثم إضعاف لنفوذها على الساحة العالمية ، مما انعكس سلبا على صورة الأمريكيين في
كثير من دول العالم , بل اصبح خليج غوانتانامو إلى رمز عالمي أقوى من تمثال الحرية
, بل تحولت معركة كسب العقول والقلوب الى العكس تماما .
* باحث سياسي اردني