محمد خروب
ما لم يكن في حسبان او حسابات كثيرين، اصبح واقعا يصعب القفز عليه او تجاوزه، وبخاصة ان الحديث يدور عن الولايات المتحدة الأميركية التي ليس لها جيش تعوّد الاستيلاء على السلطة او هدّد بذلك، بل هي تمضي في ايامها ووقائعها العادية, ساسة ونخب اكاديمية ومراكز ابحاث وبخاصة شركات متعددة الجنسيات ومجمع صناعي وعسكري ونفطي, ناظرة الى الانتخابات المقبلة(2020) مستفيدة من «الدورة» التي خسرتها او ربحتها, مُستخلِصة – ما امكنها – الدروس والعِبر، كي تتجاوز اخفاقاتها او تراكم على انجازاتها... تبعاً للخاسر او الرابح, بالطبع.
دونالد ترامب رسمياً, هو الرئيس رقم 45 للولايات المتحدة, وهو ربما الشخص الاكثر اثارة للجدل الذي خاض انتخابات رئاسية «من الصفر», بلا دعم حزبي ولا لوبي إعلامي او عِرقي او اكاديمي, فضلا عن انه بلا تجربة سياسية سابقة(هل كان بوش الابن صاحب تجربة.. عميقة؟)، فلم يكن ذات يوم سناتوراً او نائباً او حاكما لولاية، بل كان يعتمد على دفتر «شيكاته» لدعم مرشحين للكونغرس او البيت الابيض، تارة من الحزب الديمقراطي ولاحقا من الحزب الجمهوري, الذي استقر في عضويته, دون تفسير معقول لانتقاله من الديمقراطي الى الجمهوري, بما هي عادة اميركية لدى الساسة والنخب والباحثين عن دور في «واشنطن» كرمز ومقر للطبقة أوالنخبة الحاكمة في اميركا، حيث لا حزبية حقيقية بمعناها الاصطلاحي او الذي تواضع عليه «الحزبيون» في الدول الديمقراطية العريقة, وعلى رأسها اوروبا ولاحقا في اركان المعمورة (بعيداً بالطبع عن التجربة العربية المُرّة).
ما علينا..
سيقول البعض: ان هذا الطارئ على السياسة وتحديدا في بعدها العالمي, أظهر عنصرية صارخة وابدى عداء مُعلَنا ضد المسلمين والنساء والاقليات ولوّح بامكانية ترحيل المهاجرين والمقيمين غير الشرعيين وخصوصا الافارقة»السود», وبناء الجدران مع المكسيك, وطالب اوروبا برفع «نفقات» القوات الاميركية الموجودة على اراضيها لـ(حمايتها) و»غازل» روسيا وابدى اعجابا بالرئيس بوتين, واعلن بلا مواربة انه سيُلغي الاتفاق النووي مع ايران, في الوقت ذاته الذي «رفض» فيه قيام دولة فلسطينية مستقلة، مؤيداً اسرائيل كدولة يهودية «واعداً» بنقل سفارة بلاده الى القدس التي هي عاصمة «ابدية» لإسرائيل.
كل ذلك صحيح، ولكن..
يجب إبداء الحذر الشديد، لأن الحملة الانتخابية تستدعي استخدام كل «سلاح» ممكن, واستدراج كل اصحاب مصلحة كي يُصوِتوا للمرشح, أكان ترامب ام هيلاري، في حملة اتسمت بالسقوط الاخلاقي والشخصي والانحدار السياسي وإظهار الوجه الاكثر قبحاً للساسة والسياسيين في البلد الاقوى في العالم, والتي صدع المسؤولون الاميركيون رؤوس شعوب العالم وهم يتحدثون عن «الإستثنائية» الاميركية، والقِيَم الاميركية والحلم الاميركي وغيرها من البضاعة «الفاسدة» التي دأبت واشنطن وقادتها على تصديرها الى العالم, واعظة وناصحة ومتغطرسة واستعلائية، لكنها واظبت العمل على «عكس» كل رطانة ساستها, فارتكبت المذابح والقتل خارج القانون, والتدخل الفظ وغير الاخلاقي وغير الانساني في شؤون دول العالم ولم تتردد في دعم الديكتاتوريات وانظمة الاستبداد والفساد ودعم كل ما هو ضد الشعوب.
تجلى ذلك في عهد الكلمنجي، الذي افتضحت أكذوبة ولايتيه الثماني باراك حسين اوباما, الذي قتلت طائراته ال»بدون» طيار عشرات الابرياء في اليمن وافغانستان بذريعة محاربة الارهاب, ووقَفَ ضد مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه، رغم بلاغة خطبه ومقابلاته الصحفية, وبرز في السجل الصهيوني الاجرامي كأكبر داعمي امن اسرائيل وآلتها العسكرية في تاريخ رؤساء اميركا، واطال الحرب الاجرامية في سوريا وعليها ومزق العراق وتحالف مع الإسلامويين ونموذجهم الاسوأ اردوغان, بالضد من ارادة الشعوب.
لن يختلف ترامب–ربما–عن اوباما ومن قبله جورج بوش الابن وعصابة المحافظين الجدد، بل ربما لن يكون اسوأ منهما, وخصوصاً اذا ما اخذنا في الاعتبار القاعدة التي تقول: «أن ما يُرى من البيت الابيض لا يُرى من الشارع» الذي غازله ترامب واعتمد عليه في خطاباته «الشعبوية» ، إلاّ ان اميركا مهما كان رأيك فيها, هي دولة مؤسسات ومسؤوليات تفرضها ضوابط ومصالح لاطراف عديدة, يصعب استمرارها في نهج العربدة والغزو الذي مارسه المحافظون الجدد بفظاظة, واستكمله اوباما ولكن بقفازات حريرية, وعسكرة العلاقات الدولية والمضي قدما في محاصرة روسيا واستفزاز الصين واستعداء الدول عليهما, بعد شيطنتهما والاساءة اليهما، وهنا تكمن اهمية ما جاء في خطاب النصر الذي القاه ترامب عندما قال: سنسعى الى ارضية مشتركة وشراكة مع دول العالم وليس العداء والصراع.
«الترامبية» إن جاز الوصف، ستأخذ فرصتها رغم انعدام تجربة صاحبها، إلاّ انها لن تخرج عن الاطر العامة, وسنرى ان الادارة الجديدة ستجد نفسها مُجبرة على التعاطي بواقعية من معطيات المشهد الدولي الجديد, والاقرار بأن عصر التفرد الاميركي قد انتهى, رغم الشعار الذي رفعه دونالد ترامب... اعادة اميركا الى مجدها وعظمتها.
عن الرأي