بقلم: راتب عبابنه
جاءت الورقة النقاشية السادسة لتستكمل سابقاتها ولترسم خارطة طريق للمسيرة الأردنية ولتنير ما يواجهنا من نقاط عمياء تعيق آلية العمل. كان تركيز جلالة الملك على سيادة القانون كأساس للدولة المدنية التي تستمد شرعيتها وحيويتها من الدستور المنسجم مع دين الدولة بما يحقق العدالة والمساواة بين الجميع بغض النظر عن الدين والعرق والأصل.
ينطلق كلام جلالته نحو الإيجابيات ويشير لضرورة تحقيق الطموح الملكي والشعبي الذي ينقي الجسم الإداري للدولة وبجميع مؤسساتها من المثالب والطحالب التي عبثت كثيرا لحد أفقد الشعب الثقة بحكوماته وخلق هوة ليست بالهينة بين الشعب والنظام.
من السهل الخروج بنظريات وأمنيات ترقى لمستوى المثالية، لكن التحقق من مدى التطبيق ومتابعة الإنجاز إن تحقق أمران حتميان من الواجب توفرهما على الدوام للبناء المستقبلي ووضع الخطط التنموية التي ترفد المجتمع وتدفع به نحو التطوير معيشيا وإداريا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
أما التوقف عند النظرية والتمني من دون رقابة ومتابعة للتأكد من التطبيق والتنفيذ، فنحن كمن يحرث ماءً أي أننا مهما وكيفما حرثنا يبقى الماء ماءً، ونكون قد أضعنا الوقت والجهد دون أن نجني نتائج نرضاها أو تغييرا نطمح له أو تعديلا نطلبه. الورقات الخمسة السابقة حفظت دون العمل بمحتواها وستلحق بها السادسة إذا لم توجد متابعة.
لقد تكررت عبارة "سيادة القانون" ما يزيد عن ثلاثين مرة مما يدل على مدى أهمية القانون عند جلالته واهتمامه بالتطبيق الجدي للقانون على الجميع. وهي عبارة تخفي ما خلفها من قناعة ودراية لدى جلالته بأن سيادة القانون ليست متوفرة إلا على البسطاء دون النخبة، وبهذه الجزئية يقول جلالته: "بغض النظر عن المكانة أو الرتبة، والعائلة، فإن مبدأ سيادة القانون لا يمكن أن يمارس بانتقائية."
الإنتقائية، جلالتك، متمأسسة وبشكل فاضح وخصوصا في مجال التعيينات بالمناصب العليا حيث التوريث والتنفيع هما المعيار الذي يحكم هذه الناحية وهو الأمر الذي جعل الشعب يضيق ذرعا بالحكومات المعينة وهي تعبث دون رقيب أو حسيب، مما أفقدنا الأمل بالتغيير المطلوب والذي حتما يقود لإضعاف الإنتماء وخلخلة المواطنة.
ويستطرد جلالته ليقول: " إن مبدأ سيادة القانون هو خضوع الجميع، أفرادا ومؤسسات وسلطات، لحكم القانون." وإن لم تعلم جلالتك ها نحن نعلمك أن هذا المبدأ لا يخضع له الجميع ولا يسري مفعوله إلا على غير المتنفذين، أما الكبار فهم فوق ذلك المبدأ. وما دفع جلالتكم لهذا القول هو قناعتكم بصواب ما يقول الواقع المؤلم.
ثم ينتقل جلالته للحديث عن التهاون في تطبيق القانون وما يمكن أن ينتج عن التهاون، إذ يقول: "كما أن التساهل في تطبيق القانون بدقة ونزاهة وشفافية وعدالة ومساواة يشجع البعض على الإستمرار بانتهاك القانون ويترك مجالا للتساهل الذي قد يقود لفساد أكبر، بل إلى إضعاف أهم ركائز الدولة، ألا وهي قيم المواطنة."
لقد وضعت جلالتك إصبعك على الداء الذي استشرى ونخر الجسم الإداري للدولة حتى صرنا عبيدا وسادة بفعل التغاضي والتعامي الذي ما زال مستمرا والتذكير لجلالتكم مستمر من كافة أطياف الشعب، لكننا لم نلمس تغييرا أو تصحيحا ينعكس على الصالح العام ويشعرنا بأن القيادة تسمعنا وتستمع لنا وتوجه بوصلة اهتمامها نحو محاسبة من أضروا بالوطن وقادوه نحو ما لا نرغب.
لدينا مثل شعبي جلالتك يقول: "المال السايب بعلم الناس السرقة" وهذا ينطبق ليس على المال فقط، بل على الإدارة والقوانين والوظائف والمشاريع ومدى تحقيق النزاهة والعدالة والمساواة إن تركت، ستكون نهبا للمقتدر وهو ما نراه وضوح الشمس، فلا محاسبة ولا رقابة ولا تغيير والتوريث ما زال قائما والتدوير أيضا والتهميش للمواطن هو الركيزة التي تدار بها الدولة. فكيف لا يتأثر الإنتماء وكيف لا تخلق هوة بين جلالتكم وبين شعبكم وأنتم تنصبوا على شعبكم من لا يعرف إلا التنفع والتنفيع؟؟ كيف سيطمئن المواطن وينتج ويخلص وهو يرى مجلس الأعيان حكرا على أسماء تبدأ بالجد وتنتهي بأحفاد الأبناء؟؟ كيف سيطمئن المواطن وهو يرى الوزارت والمناصب العليا في ديوانكم والسفارات والمؤسسات الرديفة للوزارات يشغلها ويديرها أصحاب الحظوة والعلاقات الشخصية والتنفيعية؟؟
سيدي، السارق للمرة الأولى يكون قد خاطر وجازف، أما في المرات التي تليها، يعني وجود خلل ما أتاح لهذا السارق أن يكرر فعلته لاطمئنانه أنه سينجو مرات ومرات. والنجاة تعني لا رقابة ولا محاسبة وإن وجدتا، فهناك من يمنع نفاذهما، وهنا يكمن دور جلالتكم بالتخل ومن خلال مجساتكم التي لا تنتهي بأن يشعر المواطن أنكم بصفه لتُختصَر المسافة بين الرأس والقاعدة.
لقد عدد جلالته الأجهزة التي تقوم بدور الرقابة بشكل مباشر أو غير مباشر من مؤسسات ولجان وهيئات وهي كثيرة للأسف دون جدوى ودون تفعيل بل مجرد أسماء وموظفوها يتقاضون رواتب خيالية بالمقياس الأردني دون ناتج ملموس وكثرتها تدل على حجم الفساد والتسيب وهي بعد التجربة مؤسسات تخدم القائمين عليها تنفيعا وغطاء لإقناع الناس البسطاء بأن النهج والسياسات في الطريق الصحيح.
لم يلمس المواطن المتابع وغير المتابع، سيدي، من كل تلك المؤسسات ذات الصبغة الرقابية ما يجعله يطمئن لمستقبل أبنائه وما يقنعه بأحقية وجود هذه المؤسسات، فهي مجرد حبر على ورق مفعولها متدني جدا إن لم يكن معدوما. وهي تعمل بهذه الروح تعلم أن لا طائل من جديتها وتحريها للحقيقة بسبب عدم العمل بتقاريرها وملاحظاتها وتوصياتها، والسبب سيدي هو غياب المحاسبة وكلما كبر مرتكب الخطأ كلما كان محميا من عدم سيادة القانون، وكلما صغر مرتكب الخطأ كلما نرى سيادة القانون أخذت مجراها. تلك هي الإنتقائية التي أشرتم لها جلالتكم وحذرتم منها، فهي قائمة، إذ لا تقدم لأي مجتمع بدون سيادة القانون وتحقيق العدالة.
فيا سيدي، إن أردتم التأكد من تحقيق رؤاكم والتمكن من رسم ملامح مستقبل مشرق كما تتمنون ونتمنى، فعليكم بالرقابة الصارمة والمتابعة الحثيثة والمحاسبة العادلة وأنتم ترون سيادة القانون هي المحقق لذلك، فلا طائل من الورقات النقاشية إلا بإطلاق ما سبق لجلالتكم أن ناديتم به ثورة بيضاء تذهب بما يحيط بكم من صانعي الظلام يحجبون عنكم الحقيقة ورؤية الواقع المرير وحقيقة مشاعر شعبكم وما يدور بينهم.
كيف يا سيدي تتحقق سيادة القانون ومن هم مسؤولون عن التطبيق هم نفس الوجوه والأسماء التي تخرجت من نفس المدرسة، إذ يرثوا المناصب وأدوات التنفيذ من اختصاصهم؟؟
إذاً نحن أمام نظرية يستحيل تطبيقها وذلك عائد لعدم اجتثاث الأسباب والأشخاص والسياسات التي أنتجت ما نحن أمامه من خلل يقف حائلا بطريق التطبيق لرؤاكم وتوصياتكم. والأسباب سيدي تكمن بالمقام الأول بالإختيار غير الموفق لأشخاص يجيرون ثقتكم ويختبؤون بعباءتكم سبيلا لتكريس الظلم وجني المنافع. ونلاحظ سيدي أنكم تضعون ثقتكم بأناس مرفوضون على الصعيد الشعبي وقد ثبت ضعف أدائهم مما أضر بالوطن وعمل على توسعة الهوة شيئا فشيئا.
سيدي، شعبكم يحبكم ويدعو لكم بطول البقاء وإن أردتم الحفاظ على هذا الحب، فلا تثقوا إلا بمن يثق به الشعب ويرى به خيرا له وللوطن. أما إذا استمر الحال على ما هو عليه، فلن نجني إلا زيادة الضنك والفقر والجريمة والفساد وهي أسباب كفيلة بخلق الفوضى وزعزعة الإستقرار وخلخلة الأمن.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.