الحقيقة الدولية – عمان
تناقلت المرأة عبر العصور استخدام الصابون النابلسي لتحافظ على جمال بشرتها، وكما فعلت الجدات ما تزال تفعل الحفيدات، فما هي حكاية الصابون النابلسي؟ ولماذا ما يزال على قائمة هرم مواد التجميل في خزانة المرأة في العالم العربي لغاية اليوم؟
تتميز نابلس منذ القدم بصناعة الصابون المصنوع من زيت الزيتون عالي الجودة، ويمكن للمدينة ان تتباهى بماضيها في هذه الصناعة المتحضرة، بحيث يتميز الصابون النابلسي عن غيره من الأنواع التقليدية، بلونه الأبيض، وهو يحضر من زيت الزيتون والصودا الكاوية، ثم يتم طبخه على نار حامية، وصبه بعدها، ليتم تقطيعه يدوياً.
صابون "الجمل" او "النابلسي"، قديم الصناعة ويجيد صناعته اهل نابلس فى فلسطين المحتلة، ويدخل في تركيبته الزيتون، وهو خال بعض الشيء من المركبات الكيماوية، ولا يحتاج الى ماكينات متطورة لصناعته.
يصنّع الصابون النابلسي، يدويا وما يزال يحافظ على اهمتيه لكل من يتعامل معه، وفي وطننا العربي لا يخلو منزل من وجوده، وبسبب تركيبته الطبيعية، فهو يحافظ على نضارة ورطوبة البشرة، ويؤخر التجاعيد.
كما انه منظف جيد للاستحمام، وخاصة لكبار السن والاطفال، ويتغلغل في المناطق الرخوية فى الجسم، ولا يترك حكة او حساسية.
ويرجع المؤرخون صناعة الصابون في نابلس إلى أكثر من ألف عام مضت، مستدلين على ذلك بالكثير من الكتابات التي دونها الرحالة والمؤرخون القدماء.
ومن اشهر شركات الصابون العاملة في نابلس، شركة احمد الشكعة للصابون وماركتها "الجمل"، ويعمل في مصبنتها 22 عاملا دائما، ويصل العدد عند لف القطع إلى حوالي 30 عاملا.
الزميلة "الغد" وخلال زيارتها لمدينة نابلس مؤخرا، كان لها جولة في مصبنة الشكعة.
وحول السبب الرئيس لصناعة الصابون في نابلس، يبين الشكعة، إن وفرة الزيتون كانت السبب الرئيس في توافر بيئة مناسبة لهذه الصناعة في المدينة.
وبين ان انتشار الحمّامات التركية العامة في نابلس، ساعد في استمرار هذه الصناعة وزيادة الطلب عليها، لارتباط الصابون النابلسي بالحمامات العامة، إذ كان العامل ينتهي من عمله مساء، ويشتري قطعة صابون ويذهب بها إلى أحد الحمامات ليغتسل.
وتتشابه المصابن في هيكلية البناء لطبيعة العمل ودقته وخصوصيته، بحيث كانت تنقسم إلى أقسام رئيسة: أولها، يشتمل على آبار تقع تحت الطبقة الأرضية، وفيه يخزن الزيت ويتراوح عدد الآبار بين 3 - 7 آبار.
كما تتراوح سعة كل منها بين 5 أطنان إلى 30 طنا أو أكثر، والبئر الكبرى كانت تسمى البحرة، بينما كانت تسمى الصغرى الجانبية، وتلفظ "الجنيب".
أما القسم الثاني، فيحتل كل الطبقة الأرضية ذات السقف العالي، وهو مصمم لامتصاص الحرارة المنبعثة من عملية الطبخ، وفي مؤخرة الطبقة الأرضية وعلى جانبيها، كانت تقوم مستودعات المواد الأولية الأخرى: "القلو والشيد وخزان ماء".
وكان "القميم" يقع تحت مستوى الطبقة الأرضية، ويتم الوصول إليه عبر بضع درجات، وفوق "القميم"، كانت القدر النحاسية التي تزن نحو طن، وفي جواره كانت بئر الزيت الجنيب التي كانت تتسع للكمية نفسها من زيت الزيتون التي تستوعبها القدر.
وصمم موقع هذه البئر، بحيث يوفر الوقت في عملية الكيل ويتم الحفاظ على الطاقة، فعندما تنتهي الطبخة الأولى تكون الثانية أصبحت دافئة للشروع فيها.
اما القسم الثالث من المصبنة، فكان يسمى "المفرض"، وكان يحتل الطبقة الثانية كلها، وهناك كان الصابون ينشر ويقطع ويجفف.
وعن طريقة تحضير الصابون، يقول الشكعة "في مراحل الإنتاج الأولى، كان يوضع مزيج القلو الشيد في جرن حجري، ثم يدق بمهباش خشبي حتى يصبح مسحوقاً ناعما".
ويضيف "وفي هذا الوقت يسارع العامل في المصبنة لفرش الشيد في حوض قليل العمق، وينقع في الماء حتى يجف، ثم يطحن المادة طحنا ناعما ليخلِط بعد الانتهاء من ذلك المسحوقين، ويضعهما في صف من أحواض التخمير، بين 3 ـ ستة تكون مرتفعة عن الأرضية".
وتأتي بعد ذلك، مرحلة صب الماء الساخن من "مبزل" يقع في أسفل القدر النحاسية، لأن الزيت يبقى في الأعلى، وعندما يمتص المحتوى الكيماوي للمزيج، يجري تقطيره قطرة قطرة في مجموعة مماثلة من الأحواض أدنى من نظائرها وأعمق منها.
وتتكرر هذه العملية حتى الوصول للمحتوى الكيماوي للماء إلى درجة معينة من القوة، ثم يضاف هذا الماء إلى القدر النحاسية، ليمتص الزيت المواد الكيماوية، وتنتهي الدورة، وكانت هذه الدورة تتكرر عشرات المرات (متوسطها 40 مرة).
بينما يحرك سائل الصابون الساخن في القدر باستمرار بواسطة "الدكشاب"، وهو قطعة خشبية شبيهة بالمجذاف.
سيبقى "الصابون النابلسي" يحمل رائحة التاريخ والتراث معه أينما حل، وسيبقى منتجا صناعيا لمدينة نابلس الفلسطينية، وسفيرها الذي يحمل علامة الجودة الأولى في كل مدن العالم العربي والغربي.