الحقيقة الدولية - عمان - المحرر السياسي
بعد العدوان "الإسرائيلي" الأخير الذي استهدف الشقيقة قطر، وأثار ردود فعل عربية ودولية ساخطة، تتزايد المؤشرات على أن المخطط "الإسرائيلي" الأشمل يتجه نحو إعادة رسم خريطة المنطقة وفق التصور التوراتي المزعوم الممتد بين النيل والفرات، وهو تصور يجد ترجماته العملية في محاولات تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الأردن، ومن الخط الأخضر إلى أوروبا وغيرها من الدول ويمضي بشكل ملحوظ على قدم وساق.
هذا السيناريو الخطير، يضع عمان والقاهرة في قلب المواجهة المباشرة مع تل أبيب، ويفرض على الدولتين التفكير بخيارات استراتيجية بعيدة المدى، للحفاظ على أمنهما الوطني أولاً، ومنع تمرير مخطط تهجير الفلسطينيين قسراً أو طوعا هروبا من الموت والمجاعة، هذا التهجير بكافة أشكاله أعتبرته كل من القاهرة وعمان بأنه أعلان حرب على البلدين.
المتابع للتطورات، يلحظ بوضوح أن هناك تنسيقاً أردنياً مصرياً تاماً خلال الأشهر الماضية، فقد أكدت القاهرة على لسان قياداتها السياسية أن معبر رفح لن يكون أبداً بوابة لتهجير الفلسطينيين، فيما شدد الأردن أكثر من مرة، أن أي محاولة لدفع الفلسطينيين باتجاه أراضيه، تشكل تجاوزاً للخطوط الحمراء، وتعني بشكل مباشر إعلان حرب، هذا التلاقي في الموقف، يعكس إدراكاً عميقاً بين القيادتين، والدولتين الشقيقتين، لخطورة المرحلة، وأن مواجهة المخطط الإسرائيلي لا يمكن أن تتم إلا عبر جبهة مشتركة موحدة.
شرارة الصراع، قد تشتعل اذا بدأ تنفيذ السيناريو الأخطر، المتمثل في التهجير القسري للشعب الفلسطيني، فأي محاولة "إسرائيلية" لفرض نزوح جماعي من غزة باتجاه سيناء، أو من الضفة إلى الأردن، ستواجه برفض قاطع من العاصمتين، عندها ستحوّل الأزمة إلى تحدٍّ أردني مصري، وإقليمي ودولي، وستضع موجات النزوح وتبعاتها استقرار دول المنطقة كلها على المحك، وتجر الكيان "الاسرائيلي" إلى حرب ربما يستطيع دخولها، لكنه لن يستطيع الخروج منها بسلامة أبداً.
في حال تجاوز الكيان الصهيوني حدود "المناورات" السياسية إلى "مواجهات" عسكرية مباشرة، باستهداف أراضٍ أو مصالح مصرية أو أردنية بشكل مباشر، فإن رد الفعل سيأخذ طابعاً مختلفاً تماماً، وعربدة الكيان "الاسرائيلي" الذي أوغل في فساده وإفساده، ستجد حينها من يشكمها، ويدوس على كبريائها الزائف، سيما وأن الحالة العسكرية والشعبية من خلفها لكلا البلدين الشقيقين، تغلى بالحقد على الكيان الذي نفذّ حرب إبادة على أشقائهم في غزة، وهم يتربصون لحظة المواجهة مع الكيان اللقيط لأخذ ثأرهم، ومحوه بمن فيه عن الوجود.
السؤال الذي يفرض نفسه: هل سينكسر الصمت العربي حينها؟ الواقع يشير إلى أن تنفيذ تهجير جماعي واسع النطاق، أو مواجهة أردنية مصرية مع كيان الاحتلال، سيُفجّر الموقف العربي بشكل مؤكد، شعبياً ورسمياً، وسيدفع الحكومات العربية إلى تجاوز حدود البيانات التقليدية الفارغة، نحو إجراءات عملية ملموسة، عندها سيكون المشهد مختلفاً، وستجد إسرائيل نفسها أمام جبهة عربية موحدة، سياسياً وإعلامياً واقتصادياً، ومن المؤكد عسكرياً أيضاً، في وقت سيتزايد فيه الضغط الدولي على الكيان للجم اندفاعه.
في المحصلة، يدرك الأردن ومصر، أنهما الدولتان الأكثر التصاقاً بالجغرافيا الفلسطينية، وأن المخاطر التي تتهددهما ليست نظرية، بل واقعية ومباشرة، ومن هنا، فإن التنسيق بينهما لم يعد خياراً بل ضرورة وجودية، ليس فقط لحماية الأمن الوطني، بل أيضاً للحيلولة دون تمرير مخططات تستهدف تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها.
ومع أن خيار الحرب الشاملة ما زال بعيداً، إلا أن تزايد المؤشرات على التصعيد يفرض على القاهرة وعمان أن تتحركا سياسياً وإنسانياً وعسكرياً بذكاء، وأن تحشدا الموقف العربي والدولي حول خطوطهما الحمراء، حتى إذا انفجرت المواجهة، فإن شكل الصراع سيأخذ بُعداً جديداً يتجاوز حدود فلسطين، ويضع أمن الشرق الأوسط كله أمام اختبار تاريخي غير مسبوق، مثلما سيدخل الكيان العبري في مرحلة سقوطه الأخيرة، قبل أن يقضي الله فيه وعداً كان مفعولا!