وفيات من الاردن وفلسطين اليوم الخميس 25 -4 -2024 اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات الجامعة العربية تدعو العالم للاعتراف بدولة فلسطين لإنقاذ فرص السلام روسيا تمنع تمرير مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن الدولي حول عدم نشر الأسلحة النووية في الفضاء القسام: استدرجنا قوتين صهيونيتين واوقعناهم بكميني ألغام " البلقاء التطبيقية" تقر خطة النشاطات الرياضية للفصل الثاني 3 وفيات جراء حادث سير مروع بوادي موسى - فيديو "البدور والنوايسة": سيكون هناك 'غربلة ' للأحزاب ولا يمكن إيقاف "الانتخابات" لأنها غير جاهزة نقل نجم المنتخب الأرجنتيني السابق إلى المستشفى قانون التنمية الاجتماعية يدخل حيز التنفيذ من هولندا.. تقرير يشير إلى بديل محتمل لكلوب مدير الدفاع المدني: "سواعد النشامى" محاكاة لتهديدات التغيرات المناخية مندوبا عن الملك وولي العهد .. العيسوي يعزي عشريتي الظهراوي والنعيمات أرباح "تسلا" تهبط 55% في الربع الأول من العام الملك ينبه من خطورة التصعيد في المنطقة

القسم : بوابة الحقيقة
الكرد: تعريف وآفاق
نشر بتاريخ : 9/9/2017 12:39:49 PM
أ.د. محمد الدعمي
بقلم: أ.د. محمد الدعمي

”.. لا مبالغة في الزعم بأن الكرد هم من أكثر الشعوب الشرقية نقاءً عرقيا، نظرا لأن غالبيتهم من القبائل الجبلية التي تحيا بعيدة في مناطق وعرة وجبال كأداء يصعب الوصول إليها. هذا ما يمكن أن يفسر نقاء ولون البشرة الأبيض والشعر الأشقر الذي يميز الغالبية العظمى من الكرد، ذلك أنهم من أنقى الشعوب الآرية في العالم، بسبب ما ورد أعلاه.”

اعتلى اسم “الكرد” أو الشعب الكردي صدارة ما يسمى بـ”أخبار الساعة” مؤخرا، خاصة بعد الأحداث الجذرية والجسام التي جرت في العراق (بعد سنة 2003) وما تلاها من تداعيات، ناهيك عن دعوة مسعود برزاني لإجراء استفتاء للكرد لتقرير المصير: بين البقاء جزءا من العراق، وبين الاستقلال في دولة جديدة. إن سياسات الدول التي تضم من بين سكانها أجزاءً من الشعب الكردي قد حاولت طوال سني القرن العشرين أن تفرض ستارا فولاذيا، “ستالينيا” إن صح القول، على هذا الشعب المظلوم وعلى نضاله من أجل بلوغ حقوقه القومية، الأمر الذي يفسر انتشار “الجهل” بالكرد وبأحوالهم بين الجمهور عبر العالم والإقليم الشرق أوسطي عامة (باستثناء المتخصصين، بطبيعة الحال)، خاصة خارج العراق الذي توجد فيه نسب كبيرة من الكرد. أما المتخصصون من الباحثين العرب فهم يعرفون الكثير عن الأكراد وحياتهم وأدوارهم السياسية في العصر الحديث بحكم تخصصهم واطلاعهم على مجريات الأحداث. لذا يكون جهد التعريف بالكرد وبحقائق حياتهم وتاريخهم وثقافتهم جهدا مهما الآن، باعتبار الأواصر التاريخية والسكانية والثقافية والدينية التي تربطهم بالعرب وبالحياة السياسية المعاصرة عبر بلداننا في الشرق، ناهيك عن اعتبارات حلمهم القومي.

إن الكرد هم شعب عظيم التعداد يقطن ما يسمى ببلاد “كردستان”، أي أرض الكرد، التي يصعب تشخيص حدود دقيقة المعالم لها، بسبب امتداداتها المترامية ووعورة أراضيها (الجبلية في الغالب) ونتيجة لاختلاط السكان الكرد بالشعوب المحيطة بهم، خاصة المسلمة منها. بيد أن للمرء أن يلاحظ أن الشكل العام لكردستان يمتد من جنوبي روسيا وأرمينيا شمالا، نحو المحافظات الكردية ونصف الكردية في العراق جنوبا؛ بينما تمتد هذه البلاد من شمال إيران وأذربيجان شرقا حتى سوريا وسواحل الأناضول غربا. لذا تكون البقعة التي يقطنها الكرد منذ آلاف السنين كبيرة للغاية، وهي مقسمة بين الدول القائمة اليوم، حيث إن “كردستان الكبرى” تتجزأ اليوم بين تركيا وإيران والعراق وسوريا، من بين سواها من الدول التي توجد فيها أقليات كردية صغيرة. ويرد الساسة والمفكرون الكرد هذا التقسيم والتفتيت إلى سياسات الدول الكبرى، خاصة عبر التاريخ الحديث، ابتداءً من نهايات عهود الدولتين الصفوية (إيران) والعثمانية (تركيا) وانتهاءً بالإمبراطوريات الأوروبية التي تقاسمت بقايا هذه الإمبراطوريات الشرقية القديمة. ويزعم هؤلاء، مبررين إلى أن هذه الإمبراطوريات الأوروبية قد نكثت بوعودها للأكراد بتأسيس وطن قومي لهم من أجل تحقيق مصالحها الذاتية، بينما خذلت نفس الدول “الإمارات” الكردية العشائرية الفتية التي تكونت في بقاع مختلفة من كردستان الأصل، الواحدة تلو الأخرى، الأمر الذي أدى إلى اضمحلالها ثم اختفائها.

وبسبب ذلك يشعر الأكراد بالكثير من الخذلان والمرارة حيال الإمبراطوريات الأوروبية التي تركتهم، ممزقين، دون كيان قومي خاص بهم بناء على المصالح الإمبراطورية النفعية المستقاة من نتائج الحروب الكبرى وما تلا من تقسيم الغنائم والمصالح. وكانت نتيجة هذا “التشطير” الذي فُرض على الشعب الكرد هو أنهم وقعوا ضحية للأنظمة التي تتالت على حكم وإدارة الدول التي تضم أجزاءً من الشعب الكردي. وقد نهجت هذه الحكومات، طوال القرن العشرين، سياسات تراوحت ما بين طمس الهوية ومسخ الثقافة الكردية من ناحية، وبين سياسات التطهير العرقي والإبادة الجماعية من الناحية الثانية. وقد شهدت الحقبة الممتدة ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن الجاري أنواعا مختلفة من “فنون” اضطهاد الكرد ومن طرائق سحق ثقافتهم وحرمانهم حتى من التكلم بلغتهم، ومن تأسيس مدارسهم وجامعاتهم ومؤسساتهم الثقافية. بل أن بعض الحكومات، خلال القرن الماضي، حرمت الأكراد حتى من ارتداء ملابسهم التقليدية المزركشة، وهي من أجمل الأزياء الفلكلورية في الشرق عامة.

ولا مبالغة في الزعم بأن الكرد هم من أكثر الشعوب الشرقية نقاءً عرقيا، نظرا لأن غالبيتهم من القبائل الجبلية التي تحيا بعيدة في مناطق وعرة وجبال كأداء يصعب الوصول إليها. هذا ما يمكن أن يفسر نقاء ولون البشرة الأبيض والشعر الأشقر الذي يميز الغالبية العظمى من الكرد، ذلك أنهم من أنقى الشعوب الآرية في العالم، بسبب ما ورد أعلاه. كما أن هذا الانعزال البيئي يمكن أن يفسر، كذلك، ميلهم القوي إلى المحافظة على تقاليدهم القومية والفلكلورية المتوارثة، زيادة على اعتزازهم بلغتهم واعتدادهم بعاداتهم وطقوسهم وبلباسهم القومي الزاهي الألوان. وبرغم وجود أقليات دينية “مجهرية” من اليهود والنصارى وأهل الحق واليزيدية (راجع كتابي: المغمور من أديان الشرق الأوسط، 2014) وربما الزرادشتية بينهم، فإن الغالبية الساحقة من الكرد تدين بالإسلام. وقد عُرف الكرد عبر التاريخ بأنهم شعب شديد التدين وقوي التمسك بعقائد هذا الدين الحنيف وتعاليمه بدرجة ظهور العلماء الأعلام والفقهاء الكبار من بين الأكراد. كما أن هذا يساعد المرء على ما يمكن أن يلقي الضوء على إسهامات الكرد في الحروب الدينية في صف الإسلام ضد غير المسلمين في عصور الظلام والارتطامات الطائفية. وتظهر لنا شخصية الناصر “صلاح الدين الأيوبي”، المولود بتكريت، كأنموذج للبطل المسلم الذي حارب الصليبيين وانتصر عليهم في معارك عدة، محررا أجزاءً مهمة من فلسطين، ناهيك عن تأسيسه الدولة الأيوبية بمصر. ويتبلور “التدين” الكردي كذلك في ظهور وانتشار الطرق الصوفية الإسلامية عبر بقاع كردستان، حيث يختلط هول كتل الجبال بعبقرية المتأمل والمجتهد الروحي الكردي، منتجا هذه المدارس الفقهية والطرائق الصوفية الكردية المعروفة، كالطريقة النقشبندية. لقد كان الجبلية هول الكتل الصخرية العملاقة وسلام الوديان الخضراء والقرى الجميلة والكهوف النائية المنقطعة وراء انتشاء ظاهرة “الناسك” التأملي عبر تاريخ كردستان الروحي ، قبل مجيء الإسلام وبعده. لذا كان الإستقبال الكردي للإسلام استقبالا متناهي القوة والحماسة، لأنه وجد في هذا الدين تناغما عظيما مع التصاق الإنسان الكردي بالطبيعة الجبارة التي يحيا في دواخلها. ومع وجود الطوائف الإسلامية الرئيسية بين فئات الكرد (السنة والشيعة وأهل الحق، من بين سواهم)، إلا أن هناك من الأقليات الدينية الأخرى ما يستحق الملاحظة، كاليزيديين الذين يشكلون أقلية دينية، قد تكون من بقايا الأديان الثنوية القديمة. أما اليهود فهم موجودون في كردستان، يمارسون التجارة والحرف المدينية، حتى وقت متأخر. وقد حاولت إسرائيل استقدامهم إليها عبر السنوات الأخيرة بعد ضعف الحكومة المركزية ببغداد، حيث سميت العملية من قبل بعض الصحفيين بـ”فلاشا كردستان”.

باعتبار أن الكرد من الأقوام الآرية، فإن لغتهم تتصل بشجرة اللغات “الهندو أوروبية” Indo-European languages، وليس بشجرة اللغات السامية التي تنتمي إليها لغتنا العربية، سوية مع بنات عمها، كالعبرية. بيد أن قوة الإسلام وعالميته، زيادة على مجاورة الشعب الكردي القديمة للعرب ولغيرهم من الأقوام المسلمة، جعل من عملية التلاقح والاستعارة بين اللغتين، الكردية والعربية، عملية جارية منذ بداية الفتوحات الإسلامية حتى اليوم، أسوة بتأثيرات العربية على لغات الأقوام التي اعتنقت الإسلام، كالفرس والترك والهنود. ولكن برغم محافظة اللغة الكردية على بنيتها وتركيباتها الآرية الأساس، يجد المستمع أو القارئ أن هناك أعدادا كبيرة من الألفاظ العربية التي كانت قد أستعيرت ودخلت اللغة الكردية بحسب طبيعة الحياة الروحية نظرا لحيوية اللغة الكردية المؤثرة والمتأثرة باللغات والثقافات المحيطة بها. ولكن تبقى اللغة الكردية أكثر قرابة (من وجهة نظر نحوية) إلى اللغة الفارسية وإلى السنسكريتية منها إلى اللغة العربية، بسبب انتمائها إلى “عائلة” اللغات الآرية. وبرغم هذا التأثير المتبادل، يستعمل الكرد الحروف العربية للكتابة، مع إضافة علامات وإشارات مستحدثة صغيرة تُكتب للتمييز بين طرائق إخراج بعض الأصوات وتلفّظ الحروف غير الموجودة في العربية. لقد حاول بعض القوميين الكرد استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية (كما فعل الترك في عهد مصطفى كمال أتاتورك)، ربما بدوافع محاكاة الغرب وتتبعا لخطى الأتراك، بيد أن هذه المحاولات لم تلقَ النجاح الكافي لانتشارها ولقبولها، خاصة وأن عيون الكتب والتراث الكردي مسجلة بالأحرف العربية منذ مئات السنين. لذا تكون هذه المحاولات أشبه بدق إسفين بين الأجيال الكردية الناشئة وبين تراثها الثقافي القديم المسجل بالأحرف العربية. وإذا كان هذا هو حال الحرف المكتوب والنص المطبوع، فإن اللغة الكردية لا تختلف عن سواها من اللغات العالمية الحية في أن لها لهجات متنوعة ومختلفة. بيد أن هذه اللهجات لا تختلف عن بعضها البعض بشكل كبير يمنع الاتصال والتفاهم بين الكرد أينما وجدوا، لأنها أشبه ما تكون باختلاف اللهجات العربية، بين سلطنة عمان ومصر، أو بين سوريا والعراق. ويذهب بعض فقهاء اللغة الكرد إلى استمكان لهجتين رئيسيتين في لغتهم، وهما: لهجة الشمال، بمعنى لهجة الكرد في تركيا صعودا إلى الشمال، ولهجة الجنوب، بمعنى اللهجة المتداولة في المحافظات الكردية في العراق، خاصة في منطقة أربيل. وتعد اللهجة الثانية أكثر “رسمية” وأكثر شيوعا في الثقافة بسبب كونها معتمدة في كتابات النصوص الأدبية والإعلامية والسياسية الحديثة والقديمة.

في سبيل يعرف المرء شيئا عن طبيعة الشخصية الكردية، فإن عليه أن يلاحظ بيئتها التي تحيا تلك الشخصية بدواخلها. إن أية نظرة على خريطة الإقليم الكردي لن تخفق في الكشف عن أن معظم بلاد كردستان تتكون من مناطق جبلية وعرة، تتخللها سهول ووديان جميلة غنّاء، إضافة إلى غياب وجود منافذ على البحار والمحيطات باتجاه العالم الخارجي. لذا يمكن تقسيم الشعب الكردي إلى حضر وجبليين، أي سكان جبال. يسكن الحضر في المدن والبلدات الكردية المجاورة لمصادر المياه، كالأنهار والعيون والينابيع، زيادة على اعتمادهم على الحِرف والتجارة والأعمال الحضرية الأخرى، خاصة تلك المعتمدة على ما يأتي هذه المدن والقرى من منتجات الأودية والسهول الزراعية والغابات الجبلية المحيطة بأغلب المراكز الحضرية. أما الغابات، فإنها خزائن منتجات تعتمد على أنشطة الإنسان الكردي، جامعا ومنتجا للغلة، ناهيك عن كونه صيادا ماهرا، وليس منتجا للغذاء كما هي عليه حال الفلاح الكردي الذي يزرع الغلال والأشجار في الأودية والسهول الضيقة لتسويقها إلى المدن. ومن منتجات الغابات الطبيعية في كردستان أنواع الثمار الطبيعية، كالمكسرات (الجوز واللوز والفستق وسواها)، زيادة على ما وهبته الطبيعة من أنواع الحيوانات والطيور لهذه البلاد الجميلة. إن الحياة البرية في كردستان غنية جدا بأنواع الطيور والوحوش الكاسرة بسبب بعدها عن ملوثات العصر الحديث ونتيجة لوعورة جبالها. كما تمور هذه الجبال بأنواع الحيوانات النادرة والمفترسة كالدببة والثعابين وأنواع القطط الوحشية الكبيرة، إضافة إلى ما يقال من وجود نمور وأسود آسيوية لم تزل مختبئة في الجبال الشاهقة التي لا يصلها الإنسان. وقد انعكس بكر الطبيعة على الإنسان الكردي، خاصة خارج المراكز الحضرية الكبرى كالسليمانية وأربيل وشقلاوة ودهوك وسواها. إن الإنسان الكردي متآصر بعلاقة حميمة مع الطبيعة: فهو يأكل من نتاجها النقي، وهو يتناغم معها في ملبسه وفي صلابة جسده وشجاعته المعهودة. إنه من أقوى متسلقي الجبال في العالم، كما أنه من أشد المقاتلين وأصحاب أخلاق الفروسية الرفيعة التي لم تؤثر عليها الماكينة والتكنولوجيا.

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023