القسم : بوابة الحقيقة
بواعث الذهاب إلى “تلعفر” وتعقيداته
نشر بتاريخ : 8/26/2017 2:59:37 PM
أ.د. محمد الدعمي

بقلم: أ.د. محمد الدعمي

تكمن بواعث ذهاب القوات العراقية إلى معركة الحسم المفترضة ببلدة تلعفر (الواقعة في محافظة نينوى، شمال العراق) في موقع المدينة شديد الحساسية المتمركز في تدخلات حدودية إثنية ودينية وطائفية ودولية ذات أبعاد متنوعة ومتداخلة في ذات الوقت. لذا لن تكون المعركة ضد ما يسمى بــ”الدولة الإسلامية” يسيرة قط، كما يتوقع غير العارفين، خاصة وأن التعرض العسكري لن يحدث قط إلا بعد ما يدعى من تأكد من إغلاق جميع منافذ هروب عناصر “الدولة الإسلامية” من الإرهابيين نحو فضاء بادية الشام الممتد، مفتوحًا، بين العراق وسوريا، بل ومع عوائلهم.

من ناحية أولى، يتبلور تعقيد “الحدودية” السكانية، الذي أشرته في أعلاه، في أن أغلب سكان البلدة هم من التركمان من ناحية أولى، وهم كذلك من التركمان الشيعة على عكس بقية التركمان وأغلبهم من التركمان السنة. هذا من ناحيتي الحدود السكانية، الإثنية والدينية؛ أما من ناحية الحدود الجيوبولتيكية المهمة للغاية الآن، تجد الحكومة العراقية تعقيدًا من نوع خاص (في حال خوض المعركة) مع حقائق ودلالات الجوار التركي، إذ تتطلع الحكومة التركية القائمة الآن إلى لعب دور ما، عملي، أو اعتباري على أقل تقدير، في التعامل مع موضوع “تحرير” البلدة “التركمانية”، خاصة بعدما شاهدناه من تصعيد أيديولوجي وإعلامي في الاعتزاز الحكومي التركي بالعنصر القومي “التوراني” التركي القديم الذي يواشج الدولة التركية بعدد كبير جدًا من الأقوام التركمانية التي تستقر أو تمور الهضاب والبراري الشاسعة (حرفيًّا) من حدود منغوليا (أواسط آسيا)، شرقًا إلى حدود الدولة التركية القائمة اليوم غربًا، تأسيسًا على الاعتزاز المفترض بالعنصر الإثني، وعلى الدين واللغة والعادات المشتركة، بطبيعة الحال.

تحيط بلدة تلعفر مساحات شاسعة مفتوحة، خاصة إلى غربها، متسببة في المزيد من تعقيد المعركة، إن لم تتمكن القوات العراقية من حسم المعركة في دواخل المدينة على سبيل درء مخاطر الانفلات وانتشار القتال خارجها إلى ما لا نهاية له حد الحدود السورية، ناهيك عن المتوقع من هروب فردي أو جماعي نحو سوريا من قبل الإرهابيين، في حال ضعف السيطرة العسكرية على الفضاء المفتوح المشار إليه أعلاه.

ومن ناحية ثانية، يدرك القادة الميدانيون العراقيون جيدًا بأن عملية حصر المعركة في دواخل البلدة إنما هي عملية تنطوي على الاضطرار إلى دخول “حرب شوارع” بين مقاتلين أشداء من الجانبين، حرب دموية مباشرة يمكن أن تقود إلى مواجهات حتى بالسلاح الأبيض.

وبطبيعة الحال، لن يدخر مقاتلو الدولة الإسلامية وسعًا في جهد التخويف، وفي التوظيف الإرهابي لما عرف عنهم من عمليات تخريبية، من نوع إطلاق السيارات المفخخة وزرع العبوات الناسفة على الطريق المؤدية إلى ميدان القتال الذي هيأوه هم لمواجهة حاسمة مع القوات الحكومية العراقية. وتدرك قيادات القوات الأخيرة جيدًا كذلك، درجات “الاستماتة” التي سيواجه بها الإرهابيون هذه القوات، تأسيسًا ليس فقط على الكفاح من أجل البقاء ومن أجل حماية أنفسهم وممتلكاتهم التي سبق أن اغتصبوها، وإنما على وجود عوائلهم معهم، فالذود عن هذه العوائل يمكن أن يزيد من ضراوة الإرهابيين، إصرارًا على المواجهة المستميتة، بل وحتى الموت، ناهيك عن ضغوط تعويض هزيمة الموصل.

ومن ناحية أخرى، يتوجب على القيادات الميدانية في القوات العراقية المتوجهة نحو هذه البلدة المحورية المهمة أن تدرك جيدًا بأن مقتضيات عملها الاعتباري والأخلاقي يحتم عليها عدم المساس بسكان المدينة الأصليين المسالمين الذين تستخدمهم عناصر “الدولة” الإرهابية، دروعًا بشرية، لصد أو لإعاقة عملية تحرير القوات العراقية البلدة، ذلك التحرير الذي غدا قاب قوسين أو أدنى، كما يبدو.

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023