القسم : بوابة الحقيقة
لا تعبث مع الإعلام
نشر بتاريخ : 3/1/2017 11:28:43 AM
أ.د. محمد الدعمي



أ.د. محمد الدعمي

يدرك الدهاة من أولي الأمر أن استتباب الأمر إليهم إنما يرتهن بعدم العبث مع عدد من التعقيدات أو القوى كالأديان والمعتقدات الروحية، وكذلك الإعلام. والأخير هو الأخطر في عصرنا الحالي، ذلك أن الإعلام سلطة لاتقل أهمية في دورها الحاسم وسطوتها عن جبروت الإستخبارات وأجهزة الرصد والتحسس، بل وحتى الجيوش.

إلا إننا، لسوء الطالع، لانجد أن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب يدرك ذلك بالقدر الكافي: فقد إستمرأ، منذ تسلمه السلطة التنفيذية في البيت الأبيض، الإحتكاك بالمسلمين وبالدول الإسلامية، الأمر الذي، كما يبدو، سيكلفه كثيراً، خصوصا بقدر تعلق الأمر بالشرق الأوسط ومعطيات الصراع المتعدد الأبعاد فيه. زد على ذلك الاستمرار في الإحتكاك بسلطة الإعلام، درجة التعامل مع مراسلي أهم وكالات الأنباء والفضائيات على نحو فض، إضافة الى توظيفه لغة نزقة للنيل مما اسماه بوسائل «الإعلام الكاذب» Fake Media.

ناهيك عن أن النيل من مصداقية الإعلام قد قاد قدميه الى ما هو أخطر من الإعلانات، من نمط الإعلان الناري الذي ينص على أن «الإعلام إنما هو عدو الشعب الأميركي»، كما قال نصاً قبل بضعة ايام، إثر ما شعر به من حملات إعلامية واسعة وجارفة، تقودها وسائل إعلام عملاقة من نوع الــCNN و” New York Times”، من بين سواها، بهدف تشويه البيت الأبيض تحت سلطته وبهدف اقتناص أخطائه بطريقة البحث عنها والتشهير به بواسطتها، مع تجاوز إيجابيات إدارته.

وكما أسلفت في بداية مقالتي هذه، فاننا نلاحظ عبر أي مراجعة، مهما كانت مقتضبة لتاريخ العصر الحديث، أن القادة والحكام عموما يحاولون كسب الإعلام الى جانبهم، ليس فقط بوصفه أداة إيضاح وترويج لسياساتهم، لكن كذلك بوصفه الأداة الأمثل لكسب الشعبية والقبول العام داخلياً وخارجياً في الوقت ذاته وقد إشتركت الأنظمة الشمولية، مع الأنظمة الديمقراطية الحرة في العناية بالإعلام ووسائله بالنظر لأنك، إن كنت بلا إعلام ذكي وبعيد النظر، لايمكن أن تحيل إرادتك الى حقيقة على مستوى الأرض: فالإعلام هو من يفسرها ويترجمها ويشيعها ويشيع لها في آن واحد. إذاً لماذا إستعداء الـ»واشنطن بوست» أو الـ»نيويورك تايمز» أو الـ»CBS» بهذه الطريقة الفضة، ياسيادة الرئيس، هل هناك في الأمر تراكمات نفسية وسياسية تتطلب تصفية حسابات؟

بلى، لقد إنحاز الإعلام على نحو واضح لمنافسته، السيدة هيلاري كلينتون، أثناء الحملات الإنتخابية، إلا أن ذلك لا يستدعي إتهام الإعلام بأنه «عدو الشعب الأميركي»، بكل تأكيد.

وهنا يود المرء إستذكار إنحياز الإعلام الأميركي لإسرائيل ضد الدول العربية والإسلامية طوال تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، بعد حرب 5 يونيو 1967، خاصة، إذ طالما إرتفعت أصوات حكومات الدول العربية محتجة على تشويه العرب ودولهم عبر الحقبة التالية لتلك الحرب، إلا أن أحداً لم يأبه بصرخات وإستغاثات العرب ضد الإعلام الأميركي الذي إعتمد معايير مزدوجة ومنحازة ضد الدول العربية على نحو لا يقبل الشك ولا المجادلة!

بيد أن الأيام تتقلب بين «يوم لك، ويوم عليك». وهكذا وضع رئيس أقوى دولة في العالم إعلام الولايات المتحدة في قفص الإتهام، وفي موقع معاد، ليتهمه باللاعدالة والإنحياز! ولايدري المرء كيف يفكر هذا الرئيس غير التقليدي بقدر تعلق الأمر بالإعلام وبدوره عبر سني سلطته الأربع القادمة التي يمكن أن تمتد لثماني سنوات كذلك!

* كاتب وباحث أكاديمي عراقي

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023