عوائد سندات منطقة اليورو تهبط بعد هجوم (إسرائيلي) على إيران زلزال يضرب غرب تركيا 33 مليار دولار أصول الصناديق الاستثمارية بالسعودية في 2023 تهافت على الين والفرنك السويسري بعد هجوم (إسرائيلي) على إيران مجموعة "السبع" تعارض عملية عسكرية برفح وتدعو لوقف إطلاق النار لبنان... مسيرة في مخيم "عين الحلوة" دعماً لغزة طقس العرب: كتلة هوائية حارة تؤثر على الأردن الثلاثاء بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف درهم تعويضا والمحكمة تصدر حكمها الكاميرات تفضح فرحة ألونسو بمواجهة روما الطاقة الذرية: لا أضرار في المنشآت النووية الإيرانية "مصدر قلق كبير".. الصحة العالمية تحذر من خطر تفشي إنفلونزا الطيور بين البشر محللون: فرص الاحتلال لإقامة حكم عسكري مؤقت في قطاع غزة "معدومة" البنك المركزي المصري يعلن القضاء على السوق السوداء للدولار الذهب يتجه لتسجيل مكاسب للأسبوع الخامس على التوالي أسطورة ليفربول يفتح النار على محمد صلاح بعد الخروج من الدوري الأوروبي

القسم : بوابة الحقيقة
فتاة القرية
نشر بتاريخ : 7/3/2020 5:11:54 PM
أ.د. ابراهيم صبيح

بقلم: ا. د. إبراهيم صبيح

كانت تعيش في قرية مؤلفة من أربعين كوخاً حيثُ لا كهرباء ولا ماء ولا شوارع معبدة. من فوقِ جدار الكوخ الذي كانت تسكن فيه، كانت صورة والِدها ذات اللون الأصفر الباهت، تطلُ عليها صباح مساء ِلتُذَكرها بِموتِه في الحرب وهي في الثانية من عمرها وبأن والِدتها وجَدتها تقومان برِعايتها هي وأشقائها.

كان يَحلو لها أن تَستَلقي على ظهرِها في المساء، تُحدق في السماء تُراقب القمر والنُجوم ولم يَكن يوقظها من أحلامها سِوى صوت والدتها تدعوها أن تُغلِق باب الحظيرة على الماشية. تَعَلمت أن تَحلِب البقر وأن تحمل على كَتِفيها جردل الماء الثقيل من البئر، ثم تذهب لتحمل الطعام الى والدتها التي تعمل في الحقل.

كبُرت قليلاً ودخلت مدرسة القرية في الثامنة من عمرها ومن خلال نافذة المدرسة كان يحلو لها أن تَسمَعَ صوت العندليب بينما الشمس تشرق فوق الأغصان العاليه حيث تطير العصافير الحرة الطليقة.

أصبحت صبية شقية تتزحلق فوق الثلج من أعلى التل أو تتسلق الاشجار وتقفز منها الى الأرض وعندما تعود الى المنزل، تحمل الكدمات على رجليها ووجهها، كانت تواجه التوبيخ من امها قبل أن تُنقذها جدتها التي تغني لها حتى تنام.

في يومٍ ما، تحدت أطفال القرية جميعاً أن يقفزوا من فوق جسر القرية الخشبي الى النهر فلم يتقدم أحد. قفزت هي فطارت في الهواء لثوان بدت وكأنها الدهر وفجأة صدمتها مياه النهر البارده على وجهها فغاصت في الماء ثم برزت وسبحت خارجةً من النهر لتعاود القفز مرة أخرى، أمام ذهول الجميع.

كانت السكة الحديدية تمر من جانب قريتها فإعتادت أن تراقب القطارات وهي تروح وتجيئ. أخبرت اقرانها انها يوماً ما سوف تصبح مهندسة تقود القطارات فقد أحبت رواية "انا كارنينا" للكاتب "ليو تولستوى" و أُغرمت ببطلة القصة التي تَموتُ تحت عجلات القطار.

أدخلت الكهرباء ومعها الماء والشوارع المعبده الى قريتها فقامت أثناء دراستها بالعمل في مصنع للنسيج ومصنع للإطارات وكانت في سن السادسة عشرة، تملك جمالاً أخاذاً بِقوامها الرياضي الرشيق وشعرها الاشقر القصير وعيونها الزرقاء وملامح وجهها الدقيقة التي تشع ثقه وعزة بالنفس. كانت ترفض أن ينظر أحد الى جنس النساء على أنه أضعف من جنس الرجال فالتحقت بدورة للقفز بالمظلات.

عندما قفزت بالمظلة لأول مرة تملكها خوف شديد وبكت بحرقة عندما لامست الأرض حيث تذكرت قفزتها وهي طفلة من فوق جسر القرية.
قفزت بالمظلة مائة مرة وعندما اشتهرت بشجاعتها واقدامها تم اختيارها من بين خمسمائة امرأة لتحظى بشرف خدمة بلدها في مهمه وطنيه كبرى. تلقت تدريباً مكثفاً 
لمدة عامين وعندما حان وقت المهمة زارت أفراد عائلتها لأخر مرة وودعتهم بدون أن تدير ظهرها لهم خوفا من عدم لقائهم مرة اخرى، كما في اساطير القرية.

نامت ليلتها في غرفة صغيرة في القاعدة العسكرية ومن هناك ركِبت الحافلة تحت حراسة مشددة الى مِنَصة الإنطلاق ثم استقلت المصعد الى أعلى الصاروخ الذي سيحمل مركبتها.

المركبة نفسها كانت تشبه الكرة الحديدية بقطر ثلاثة أمتار تحتوي على كافة انواع الأجهزة والمعدات والخزائن ومخزون الطعام والماء، حيث لا مكان للوقوف أو الحركة. استقرت في كرسي المركبة فأحست بالإنجذاب نحوه فهو سيكون رفيقها و سريرها و منزلها لثلاثة أيام متتالية. ها هو حلمها على وشك أن يتحقق حيث ستحملها مركبة الفضاء فوستوك 6 الى خارج الغلاف الجوي للأرض فتذكرت في تلك اللحظه معلمة الجغرافيا في مدرستها عندما حملت مجسماً للكرة الأرضية ونظرت اليهم و قالت "يوماً ما سيقوم أحدهم بالنظر الى الكرة الأرضية الحقيقية كما أنتم تنظرون الأن الى هذا المجسم الذي بين يدي".

مر من أمامها شريط أحداث العاميين الماضيين و التدريبات القاسية و قيادة الطائرات العسكرية النفاثة و المحاضرات عن الهندسة الفضائية والصواريخ وإنعدام الوزن وإرتفاع الضغط الجوي وهبوط الحرارة وأكثر ما كان يضايقها هو الحذاء الثقيل وبدلة الفضاء الضيقة والخوذة الزجاجية التي تحيط برأسها.

فجأة جاءها الأمر من خلال سماعات الأذن التي تضعها أن تستعد للإنطلاق فقالت : "هنا الصقر، أنا جاهزة للإنطلاق وأنت أيها الفضاء إرفع قبعتك لي فأنا قادمة اليك".

بدأ الصاروخ الذي سيحمل المركبة نحو الفضاء بالإشتعال فإهتزت المركبة وازداد الصوت بشكل مرعب فأحست أن يداً جبارة تدفعها الى الخلف لتلصقها في الكرسي الذي تجلس عليه وأحست أن تنفسها قد توقف وأن قلبها سوف يقفز من بين أضلاعها ونزلت قطرات من العرق على جبهتها وازرق وجهها وغاصت عيونها في رأسها. بعد فترة إشتغل صاروخ الدفع الثاني فأحست وكأنها في سيارة اصطدمت بها سياره أخرى من الخلف.

إنطلقت المركبة في تمام الساعة الثانية عشر والنصف من بعد ظهر يوم السادس عشر من حزيران عام 1963 وحلقت المركبه حول الأرض على ارتفاعات تراوحت مابين 160-325 كيلومتر حيث كانت تدور حول الأرض مره كل 90 دقيقة، وشاهدت اثناء تحليقها الكرة الأرضية ولاحظت كم هي جميلة وكيف أن كل قارة يختلف لونها عن الاخرى وشاهدت جبال روكي وهيمالايا وتتابع الليل والنهار خلال 49 مرة دارت فيها حول الأرض.

خلال مدة الرحلة قامت بإجراء تجارب وقياسات طبية وفيزيائية وأخذت صوراً للأرض والغلاف الجوي والكواكب وكانت بين الحين والحين تغني أو تقوم ببعض التمارين وهي جالسة فوق كرسيها، ثم تتناول الطعام و تنام.

في مفاجأة كبرى اتصل بها رئيس الاتحاد السوفياتي "نيكيتا خروتشوف" وقال لها "أنا فخور أن صبية روسية تغزو الفضاء لأول مرة في التاريخ، وتتعامل مع كل هذه التكنولوجيا المتقدمة بكل كفاءة واقتدار. لقد أثبت ايتها الصبية انك اقوى من الرجال. نعم هكذا تكون النساء".

في تلك اللحظة و من خلال البث المباشر للاذاعه الروسيه عرفت والدتها واقاربها ان ابنتهم تدور حول الأرض.

بعد رحله قطعت فيها المركبه 2.5 مليون كيلومتر. بدأت المركبة برحلة الهبوط الى الأرض واثناء ذلك حدث عطل فني ادى الى إنحراف المركبه عن مسارِها بيد أن مركز القيادة قام بتصحيح الوضع.

على ارتفاع ستة كيلومترات فوق الأرض قذفها الكرسي الذي تجلس عليه خارج المركبة ففتحت مظلتها وهبطت في حقل زراعي وعندما هرع الفلاحون لمساعدتها، قالت لهم: "أرجوكم أنا جائعة، أريد خبزاً وبطاطا وأريد أن اشرب حليباً طازجاً".
نعم هذه حكايه "فالنتينا تيرشكوفا" التي استقبلها الرئيس الروسي في الساحة الحمراء بموسكو أمام الملايين من الشعب السوفيتي وانعم عليها بوسام لينين وأعطاها لقب بطلة الإتحاد السوفيتي، كما تم أطلاق اسمها على منطقة في القمر وعلى كثير من المتاحف والمعالم ووضعت صورتها على طوابع البريد.

بعد سنة من رحلتها تزوجت من رجل فضاء روسي وبعد عشر سنوات نالت شهادة الدكتوراة في الهندسه و تم تعينها في الحزب الروسي الحاكم. حتى يومنا هذا لازالت تيرشكوفا المرأة الوحيدة في العالم التي قامت برحلة فضائية بمُفرَدها.

حالياً تبلغ تيرشكوفا من العمر 83 عاماً ولها ابنه و حفيدان وعندما قابلها الرئيس الروسي بوتين لتكريمها في عيد ميلادها الثمانين قالت له: "أنا جاهزه للسفر الى المريخ حتى لو كان السفر باتجاه واحد".

أقدم هذه القصة لكل نساء العرب وأقول لهن "أين أنتن من كل هذا" و اقدمها كذلك الى كل رجال العرب اللذين يهرولون للصعود على اسطح المنازل لمراقبة هلال رمضان و اقول لهم "ويحكم، لله دركم".
 
Ibrahimsbeihaz@gmail.com











جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023