القسم : بوابة الحقيقة
الأردن: سياسة الترقيع وإعداد الموازنة
نشر بتاريخ : 12/3/2019 3:49:41 PM
د. ابراهيم سليمان العجلوني

بقلم: د. ابراهيم سليمان العجلوني

 

 الاْردن على أبواب استحقاق دستوري وهو رفع مشروع الموازنة العامة لعام ٢٠٢٠من الحكومة لمجلس الأمة لمناقشته واقراره حسب الدستور الاردني؛ الموازنة تمثل خطة عمل الحكومة للعام بخطط مترجمة لأرقام.

 

في الدول الديمقراطية الحقيقية يجب اولا محاسبة الحكومة على الموازنة السابقة ومدى التزامها بثقة المجلس وماذا قدمت خلال السنة الماضية وهل هي قادرة على الالتزام السنة القادمة ومناقشة الموازنة تحتاج لخبرة سياسية اقتصادية ومالية من قبل مجلس الأمة: فبالنهاية التصويت على الموازنة هو إعادة التصويت بالثقة بالحكومة.

 

في الاْردن الكلام عن الموازنة هو كلام كلاسيكي شعبوي خدمي من قبل الطرفين الحكومة ومجلس الأمة وبالذات مجلس النواب خاصة وان موازنة هذا العام مع الدورة العادية الأخيرة لمجلس النواب، وسقف عالي من الشعب.

 

التصريحات في الاْردن وعلى جميع الأصعدة والمستويات حكومية شعبية وبرلمانية فيما يخص الموازنة ذات مستوى عالي وبعيدة عن منطق الأرقام والخطط والواقع الاقتصادي الراهن فمن طرف الحكومة وهي التي ما زالت مضطربة وهذا واضح حيث انها اجرت أربعة تعديلات في المواقع والأشخاص خلال سنة ونصف وهو من اعلى ارقام التعديل في الحكومات داخليا و دوليا وفي نفس الوقت ليس لها خطط منطقية علمية او عملية (بعيدا عن التصريحات الإعلامية الشعبوية)  فالخطط والبرامج تبنى على أهداف واضحة ببرنامج زمني و بتقديرات مالية تعتمد على دراسات بياناتها حقيقية ومعلن مصادر هذه البيانات بكل شفافية وللأسف الحكومة ما زالت بمربع احد أضلاعه سوف والآخر الأرقام الوهمية.

 

ومن من جانب المجلس التشريعي تصريحات شعبوية ليس لها علاقة أيضا بالواقع الاقتصادي وجهل بألية إعداد الموازنة علميًا وعالميًا وما زال النظام الداخلي في مجلس النواب تنظيمي للعمل اكثر من تطويري للاداء فلم يلزم النظام الداخلي في المجلس لجان المجلس بان تضم هذه اللجان متخصصين محايدين او التعاقد مع شركات عالمية او وطنية متخصصة للتحليل والتوجيه وحتى ان ضم المجلس متخصصين فهم متخصصين من طرف واحد ومثال ذلك اللجنة القانونية فلو وجد بها محامين او قانونيين فالأصل ان يكون هذا الشخص متخصص في القانون الجنائي مثلا فقط وليس متخصص بالتخصصات القانونية الأخرى ولم اسمع ان مجلس النواب ملزم بأخذ آراء متخصصة محايدة بعيدة عن الدولة وهذه بحد ذاتها حجة على المجلس وبعيدًا عن هذا العنصر فان النظام الانتخابي الاحادي يجعل الحكومة متوغلة على النواب لان التائب الغير حزبي من السهل استهدافه واستيعابه لصالح رأي الحكومة ويجعل النائب محصور بمطالب دائرته الخدمية وخاصة ونحن على أبواب انتخابات نيابية قريبا وهذه هي الدورة العادية الأخيرة.

 

الشعب الذي  عانى وما زال يعاني من الوضع الاقتصادي الراهن بجميع فئاته ومنظوماته الاجتماعية والوظيفية والتجارية ...الخ؛ فالدخل لم يعد يكفي لابسط المتطلبات اليومية واختفت طبقته الوسطى المحركة للسوق وقل الانفاق والاستهلاك و تبدلت الثقافة الاستهلاكية عند المواطن ولدى هذا الشعب احتقان اقتصادي كان واضحا خلال اضراب المعلمين المطالب بزيادة الدخل لرفع مستوى الحياة وهذا الاحتقان موجود عند الجميع بما فيهم الاجهزة الامنية وامنيات الشعب وسقف توقعاته الاقتصادية اصبحت عالية وخاصة مع ارتفاع كلفة الطاقة وقلة فرص العمل.

 

خطاب القصر في الاردن وكمؤسسة مشاركة في إدارة المشهد الاقتصادي ايضا عالية وبنفس الوقت تستنهض همة الاردنيين لمواصلة التحمل ومواجهة التحديات الاقليمية والدولية، مع توجيهات في نفس الوقت للحكومة بأن تأخذ زمام الامور بإتخاذ اجراءات اقتصادية جريئة وسريعة منشطة للسوق ورفع سوية عيش المواطن وزيادة الاستثمار وفتح فرص عمل للشباب المعطل عن العمل.

 

الحكومة هي الاساس في كل ما يخص الاجراءات الاقتصادية فهي السلطة التنفيذية المنسقة لعمل جميع السلطات، وحال الحكومة هذه الايام غير متجانس كمجلس وزراء وخاصة بالتصريحات الاقتصادية فالاقوال والتمني لا تصنع اوطان بل العمل المبني على اسس علمية وعملية هو الاساس فمن الاستغباء مخاطبة شعب كالشعب الاردني الذي لديه الكفاءات المنتشرة في الوطن والعالم والتي تبني اقتصاديات خارجية أن تخاطب بهذا المنطق غير العلمي فيما يخص الموازنة التي ما زالت مبنية على توقعات بفكر شخصي او متسلسل من اعوام سابقة خاصة وان الاقتراض الذي تم وخاص الاخير تم على اساس زيادة قيمة خدمة الدين للاعوام القادمة والعجوزات السابقة كانت أكثر من المتوقع سابقا، مع اعتماد نفس قيمة المنح في موازنة هذه السنة 2019 مع بقاء النفقات الجارية والرأسمالية تقريبا بنفس القيم 85% و 15% على التوالي مع توقع أن يقل العجز بنسبة 0,8 % ليصل الى 2,3% بدون أن تبين الطريقة؛ وكذلك فإن توقعات الايرادات عند حدودها في العام الحالي 66% ضريبية و 25% غير ضريبية والباقي يغطى من المنح.       

                                                                      

إن الاردن بحاجة لتغير الفكر لإعداد موازنة عامة تليق بهذا البلد وتكون بداية للخروج من أزمته المالية وهذا لابد أن يكون مبني على اصلاحات سياسية واقتصادية وتنظيمية داخل الحكومة ومعالجة التشوهات الحالية في جميع النواحي الادارية او المالية الخاصة بموظفي الدولة وتبني د راسات حقيقية  لتحديد الاوليات وخاصة ونحن نتكلم عن دمج هيئات و وزارات وتخفيض أعداد الادارات في المؤسسة الواحدة، ويجب البعد عن إجراء اية تعديلات بطريقة إعلامية ثم من هنا نبدأ ان تقلل الفاقد قبل البدء في الحصول على شيء جديد، وبخلاف ذلك فالأولى أن لا يكون هناك موازنة للدولة ويكون الصرف على الغالب لان الحكومات لا تلتزم بما تقدم بالموازنة باستثناء الرواتب لأنه لا يوجد محاسبة لها عن ما لم تلتزم به بتعهداتها السابقة.

 

إن اتباع هذه الطريقة في الادارة المالية كما هو واضح هو عبارة عن سياسات ترقيع لا تنفع لانقاذ اقتصاد يعيش على اجهزة الانعاش و الحلول واضحة للجميع ولكن لا اعرف لماذا لا تتخذ الحكومة الاجراءات السليمة وإن باشرت في بعض الاجراءات تكون خجولة او بخيلة أو غير تحليلة وغير مبنية على جداول زمنية للوصول لهدف مالي واضح، إن الحل في الاردن لا يمكن أن يكون ترقيعيا لانه ليس بأي عرف او منهجية علمية يمكن حل مشاكل كبيرة متراكمة بهذه الطريقة ، لا مانع أن يكون الطريق طويلا او بعيدا ولكن الاصل أن نبدأ بداية صحيحة وخاصة في المواضيع الاقتصادية فمعالجة الخطأ بالخطأ تؤدي لسقوط لا سمح الله وهذا وطن وشعب لايمكن المخاطرة بهما واقتبس في أخر مقالتي هذه قول ابن خلدون "ويل اذا ولي الامر لغير اهله" وهذا ما هو حاصل، حمى الله الاردن وشعبه وقيادته الشرعية.

ibr-ajl@rocketmail.com

 

 

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023