القسم : بوابة الحقيقة
مؤتمر “الأمر الواقع”
نشر بتاريخ : 11/3/2018 2:40:59 PM
أ.د. محمد الدعمي


بقلم: أ.د. محمد الدعمي

لابد أن يشعر المراقب الحذق بأن قمة اسطنبول الرباعية التي عقدت قبل بضعة أيام باستضافة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” قد وضعت القيادتين الفرنسية والألمانية (من بين سواهما من القيادات الأوروبية، على أغلب الظن) أمام الأمر الواقع في التعامل مع القضية السورية المستعصية، برغم عدم حضور الرئيس الإيراني، حسن روحاني، تلك القمة.

بيد أن الدور الروسي بدا واضح القوة والمعالم بقدر تعلق الأمر بالتنويه إلى ضرورة التسليم بالأمر الواقع في سوريا، ذلك الأمر الذي يفيد باستعصاء مابقي يتردد لعدة سنوات بلا جدوى حول إسقاط النظام السوري القائم بقيادة الرئيس بشار الأسد الذي تمكن من أن يقدم كل ما من شأنه الدلالة على أن النظام القائم في سوريا لا يمكن أن يُزال بالسهولة التي كان يتوقعها البعض، أي من خلال ماجرى من أعمال إرهابية وحرب أهلية مصطنعة سكب الزيت عليها على أمل القضاء على النظام: إلا أنه لم يفارق الحياة برغم كل ما بذل من أموال وجهود!

إن أقل مايمكن أن يقال عن بقاء النظام السوري يتلخص فيما يمكن استنتاجه من خطاب الرئيس الروسي بوتين الذي يفيد بأن أوروبا الغربية، ممثلة بألمانيا وفرنسا، لم تعد قادرة على التخلص من موجات النزوح الجماعي والهجرة السكانية من بقاع النزاع بسوريا، دون التسليم ببقاء النظام السوري الذي برهن على قدرته ليس على البقاء فحسب، ولكن كذلك على شن الهجمات المرتدة ضد ماكان يأمل البعض بالقدرة على إسقاطه: فقد “انقلب المركب على الربان”، كما يقال: إذ راحت قوات النظام تضطلع بقوة لاغبار عليها بإعادة ما أخذ بالقوة من قبل الحركات المتمردة والانفصالية عبر البلاد، إلى سيطرة دمشق، حتى قيل إنه لم تبق إلا إدلب وبضعة جيوب هنا وهناك حيث تتحصن آخر قوى التمرد على النظام، أي تلك التي لم تحصد سوى الخيبة، كما يبدو للمراقب الفطن.

بل إن الأخطر من هذه الخلاصات يتمثل في جيوب شبكة داعش التي راحت تظهر كالفطر، ثم تتضخم، وكأنها خلايا مسرطنة على الضفاف الشرقية لنهر الفرات بالقرب من الحدود العراقية: ومعنى ذلك بالنسبة لبرلين وباريس (من بين سواهما من العواصم الأوروبية) أن ما يتهدد استقرار أوروبا الآن لا يكمن فقط في موجات النزوح السكانية المهولة المتوقعة بملايين الأفراد شمالاإلى أوروبا عبر تركيا، وإنما هو يكمن كذلك على نحو أخطر في إمكانية إعادة شبكة الدولة الإسلامية الإرهابية تنظيم نفسها ثانية في الجيوب التي استولت عليها شرق الفرات، على سبيل التمدد شرقا نحو العراق (حيث تتوفر حاضنات سكانية موائمة عبر الحدود هناك). وهكذا يتحول عدم الاستقرار في سوريا إلى وضع الرؤساء أمام خيارين، لا ثالث لهما: (1) التسليم ببقاء النظام السوري الحالي، كابحا ولاجما للجماعات الإرهابية ومانعا لموجات الهجرة المليونيةالمتوقعة؛ و(2) الإصرار على عدم القبول ببقاء النظام الذي قد يسحب سوريا والشرق الأوسط إلى غياهب حروب وانقسامات لها بداية، ولكن ليس لها نهاية. وأغلب الظن هو أن الرئيس فلاديمير بوتين قد أفلح بإقناع الأوروبيين والرئيس التركي معهما بضرورة التسليم بالأمر الواقع (وهو بقاء النظام السوري) لتجنب المزيد من الإنهيارات التي تلوح بالعصا الغليظة لأوروبا المستقرة بــ(1) الهجرات؛ و(2) تسرب الشبكات الإرهابية من شرق سوريا في كل اتجاه، علما أن أكبر هموم الدولة التركية يكمن على مخاطر تهديد الجماعات الانفصالية الكردية شمال سوريا، وجنوب تركيا، خاصة وأن أجواء الحرب في سوريا قد شجعت هذه الجماعات على العمل، وإن تدريجيا، للالتحام بكرد العراق على أمل انتفاضة انفصالية.

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023