القسم : بوابة الحقيقة
رفقاً بــ"الألفيين"
نشر بتاريخ : 8/24/2018 10:15:29 AM
أ.د. محمد الدعمي

بقلم: أ.د. محمد الدعمي

 

 

تنساب الأجيال، جيلاً بعد جيل، داخل تيار الزمن على نحو متداخل، اشبه بتيارات الموائع، كالماء والهواء، فلا يفصل جيل عن الجيل الذي يليه خط، وإن كان خطاً افتراضياً. لذا، يعترض البعض على عناوين من نوع جيل الستينات، أو جيل السبعينات، وهكذا، بوصفها عناويناً مفتعلة، لا صلة لها بالواقع السائل للزمن، أو للأحداث التي تجري داخل الزمن.

 

إلا أن الأميركان، بما عرف عنهم من ولع في “التصنيف” والعزل بين “الأصناف”، قد إبتكروا عناوين تستحق الملاحظة في سياق ماجاء في أعلاه: وقد ذهب البعض منهم الى إبتكار عنوان “الألفيين” Millennial، بمعنى هؤلاء الأفراد أو الجماعات “الجيلية” التي رأت النور بعد بداية الألفية الثالثة التي نحيا سنيها المبكرة حتى هذه اللحظة. والغريب في ذلك هو أن المرء ليضطر للشعور بثمة حاجز عال، فاصل بين أجيالنا السابقة لبداية هذه اللفية، من ناحية، وبين الأجيال التي ولدت بعد بدايتها. وإذا كنا ننظر بعين “الإستصغار” لمن ولد بعد سنة 2000م، باعتبارهم مازالوا فتية صغاراً، بلا خبرة ولا معرفة ولا تجربةـ إلا أن علينا الحذر من حال التمادي بالنظرة الدونية “للألفيين”. وهو ما يذكرني بحكمة منسوبة للإمام علي بن أبي طالب (رض): “لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”. وقد كانت لهذه الحكمة أصداء في التراث العربي الشعبي، إذ يقول المثل الشعبي “إن كبر إبنك، فتآخى معه”.

 

هذا هو دواء ناجح لهؤلاء من كبار السن الذين يخصون الشبيبة والنشء بنظرة دونية، دون معرفة كافية بما مروا به من تجارب ومحكات، لم يمر بها “الختيارية” من أمثالنا: فاذا كنت تشعر بالألم لأن الفرد الألفي لم يسمع، على سبيل المثال، بتأميم قناة السويس، أو بالحربين العالميتين الأولى والثانية، فلا تسمح لنفسك أن تأسى على جهل الألفيين، على نحو تعميمي جارف: فقد تكون معارفهم في حقول أخرى أكثر من معارفك، وتجاربهم مع مبتكرات الألفية الثالثة أغنى بكثير من تجاربك! هذه هي “سنة الأزل”، لأن الأجيال تتناوب تترى على معارف العصور التي تحياها، كما كنا نشعر بثمة فجوة تفصل بين ذهنياتنا (التقدمية) وبين تقاليد تفكير آبائنا وأجدادنا (الرجعية).

 

وهكذا يجري الزمن بلا توقف، ومعه تجري المتغيرات والأفكار والمسلمات، الأمر الذي يفسر، على سبيل المثال، إخفاقك، أيها الختيار المحترم، في استخدام الهاتف الذكي، كما يستخدمه حفيدك بكل دقة وسرعة وكفاءة.

 

وعلى المرء أن يتذكر جيداً بأن ركب الحياة إنما يسير، وأنه لابد أن يفصل بين القديم والجديد، بين الرجوعي والتقدمي. لذا، لا داعي للاستخفاف بالشبان وعدم معرفتهم بما مر بك من أحداث ومتغيرات. هذا هو ناموس الحياة!

 

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023