"مرض قاتل" ينتشر في ولاية أمريكية ويهدد حياة البشر بعد وصول مغامر بريطاني لأقصى نقطة في إفريقيا ركضا.. خبراء يوضحون ما يفعله الجري بالجسم "الديناصور" الهندي.. هل يسرح في الطبيعة حقا أم في مخيلة البشر؟ هل تغلب ريال مدريد على مان سيتي بالحظ؟.. غوارديولا ينهي الجدل أراوخو يرد على انتقادات غوندوغان لأدائه في لقاء سان جيرمان 4 من دولة واحدة.. 5 نجوم عرب في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا رئيس الأركان الجزائري: بلادنا في أشد الحرص على قرارها السيادي تونس.. القبض على إرهابي مصنف بأنه "خطير جدا" الناطق باسم اليونيفيل: القوة الأممية المؤقتة في لبنان محايدة ولا تقوم بأنشطة مراقبة ولا تدعم أي طرف اتفاق سوري عراقي إيراني لتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ماكرون يرفض الاتهامات بازدواجية المعايير بسبب زيادة مشتريات فرنسا من الغاز الروسي بينهم محكوم عليهم بالإعدام.. رئيس زيمبابوي يعفو عن آلاف السجناء بمناسبة عيد الاستقلال بروكسل تعتزم استثمار نحو 3 مليارات يورو من الفوائد على الأصول الروسية المجمدة في دعم أوكرانيا القوات الجوية الروسية تدمر 5 قواعد للمسلحين في محافظة حمص السورية الصفدي يبحث مع رئيسة اللجنة الدولية للصليب وجهود إيصال المساعدات لغزة

القسم : بوابة الحقيقة
ما الذي يستحقه هؤلاء؟
نشر بتاريخ : 3/17/2018 12:49:14 PM
أ.د. محمد الدعمي

بقلم: أ.د. محمد الدعمي

يعد العلماء، في كل من الغرب والشرق أفرادا أذكياء مستنيرين يعتمدون على التشبث الفردي والعمل المثابر المتواصل المكرس لتحقيق منجزاتهم العلمية والفكرية التي تصب في الصالح العام على المدى البعيد. بيد أن إهمالهم غدا جزءا من التاريخ المخجل، بالنسبة للأمم الحية، خاصة بعد ظهور أنموذج الدولة الحديثة في القرون الأخيرة، إذ لاحظ ولاة الأمر في الحكومات المتطورة التي تستشرف المستقبل الأفضل لشعوبها أن العلم إنما هو مفتاح التقدم والتفوق، وعليه يشكل العلماء جزءا من الأمن القومي أو بابا للتطور في المستقبل المنشود. لذا اجتهدت الأنظمة الحكومية الحديثة، والمتوثبة إلى التقدم في ابتداع وابتكار لطرائق المناسبة لرعاية علمائها ومفكريها، وعلى النحو الذي يمكن معه “التفاخر” بين الأمم الأخرى في طرائق رعاية العلماء نوعا من أنواع التسابق الأممي نحو الأفضل. وقد عمدت بعض الدول إلى سَن قوانين الخاصة برعاية العلماء، في حين شجعت دول أخرى العناية الفائقة بالعلماء وبالعبقريات حتى عدتهم جزءا من الأمن القومي، وليس من الثروة القومية فحسب، فأحاطتهم وأحاطت أنشطتهم بالسرية وبالرعاية المركزة على أمل أن تقدم “الدجاجة بيضا من الذهب” يما ما. في الدول الغربية التي تتبع النظام الرأسمالي الأقل مركزية، دفعت الحكومات شؤون العناية بالعلماء إلى الشركات الكبرى وإلى المؤسسات العلمية والأكاديمية ذات النفع العام أو الخاص، باعتبار مبدأ اللامركزية وعدم زج الدولة في تفاصيل غير إدارية عامة الطبيعة. لذا لعبت الشركات ومؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية أدوارا بارزة في رعاية العلم والعلماء هناك، ليس فقط باعتبار هذا الجهد شكلا من أشكال الاستثمار الاقتصادي، ولكن كذلك لأن هذه الرعاية لا بد وأن تصب في نهاية المطاف بثروات البلاد عامة، ماديا وثقافيا واعتباريا. أما في الأنظمة الأكثر شمولية، خاصة تلك التي تدعي الاشتراكية، فقد تواشجت الرعاية بالدولة المركزية، خاصة بعد أن تحول المنجز العلمي إلى جزء من سباق التقدم والتسلح بين المعسكرين الشرقي والغربي على سنوات الحرب الباردة، الأمر الذي أدى إلى تجاوز تلك “الرعاية” المعقول والمقبول حد الحبس وتحديد الحركة والاتصال، إذ صار العالم ذو النفع الاستراتيجي والتقني الرفيع مخلوقا شبه “منقرض”، حبيسا للحماية والرقابة والكتمان من أجل الحفاظ عليه من المخاطر.

المهم هنا هو أن كلا النظامين الغربيين الطارئين علينا، الاشتراكي والرأسمالي، قد خصا العالم بالتكريم والحصانة والحماية الكافية من أجل إطلاق طاقاته العبقرية. فإذا صار العالم أشبه ما يكون بـ”بئر للنفط”، حسب الذهنية المادية النفعية التي تقيس كل شيء بواسطة جدواه الاقتصادية، فإنه غالبا ما يحصل على كل ما يريد من حياة مرفهة وكريمة له ولأسرته في الدول الرأسمالية التي توفر مؤسساتها المختصة له ما يعادل منجزه بحساب المال والتسهيلات. ولكن في الدول ذات الأنظمة الشمولية، فإن العالم يعد ملكا مؤمما للدولة، حيث تأخذ الحكومة على عاتقها توفير كل متطلباته الحياتية من توفير سكن لائق وحياة مرفهة وضمانات قانونية له ولأولاده كي لا تعييه معضلات الحياة اليومية التي قد تمنعه من التفكير والإبداع المنتظر منه. يذهب البعض إلى أن العلماء في الدول الاشتراكية السابقة كانوا يحظون بمساكن مرفهة ممتلئة بالخدام والخادمات وبكل ما من شأنه تشجيع وإطلاق عبقرياتهم. في النظامين، الرأسمالي والاشتراكي، يحصل العلماء والمبدعين على الاحترام والتقدير الاجتماعي من قبل الجمهور (وليس من قبل الدولة فقط)، حيث لا يسمح أفراد المجتمع المتوازنون للعالم أن يقف منتظرا في طابور للحصول على طبقة بيض أو على رغيف خبز، بينما لا تؤخر طلباته عن طريق التعقيدات البيروقراطية، إذ لا يمنع من مقابلة مسؤول مهما علت منزلته. وهكذا ترادف العالم مع “النجومية”، بينما ترادفت الرعاية المالية مع الاهتمام والتقدير الاعتباري الذي يقدمه أولو الأمر، ناهيك عن عناية الإعلام والصحافة للعلماء.

ولكن في دولنا عبر العالم الثالث، ومنها أغلب الدول الإسلامية والعربية، فإن العلم يعاني مختلف المشاكل والعلماء، وهم معرضون للإعاقة. ومن الطريف أن نذكر أن تعبير “أصحاب الكفاءات” راح يُستبدل بـ”أصحاب العاهات” تهكما في واحدة من الدول العربية، ببالغ الأسف، نظرا لعدم القيام بسقاية عبقرياتهم بسبب الاستيراد المتعامي لكل شيء وتوفر جميع معطيات الحضارة الحديثة مقابل المال. وإذا كانت بعض حكومات هذه الدول قد سنت التشريعات والقوانين لرعاية العلماء، فإنها غالبا ما كانت تقوم بهذه الإجراءات من أجل الدعاية والإعلان، من أجل أهداف سياسية أو عسكرية مباشرة، وهذا ما برر ظاهرة وقوع فئة من العلماء في “فردوس الدولة”، وسقوط فئة أخرى في “جحيم” الحاجة والفاقة. هذا وبقي البحث عن “تعريف” دقيقا لـ”من هو العالم؟” من أكثر الأمور تعقيدا وشائكية، حيث ذهب البعض إلى أن العالم هو كل من يحمل شهادة عليا كالدكتوراه، متناسين أن مثل هذه الشهادات والأطروحات صارت تباع وتشترى ولها أسواقها وسماسرها عبر الحدود في أغلب دول العالم. وهناك من ذهب إلى أن العالم هو فقط الشخص القادر على الإنجاز الإبداعي في الحقول العلمية التطبيقية، من الأفراد القادرين على صناعة آلة أو ماكينة أو ابتكار تجربة كيمياوية جديدة. وقد راح فريق ثالث إلى أن “سلة العلماء” لا تشمل سوى المبدعين والمبتكرين في الحقول العلمية الصرف والحقول الإنسانية، كالآداب والفنون والتربية والثقافة العامة. هذا هو جزء من الاختلاط الذي يحيط بتعريف “العالم”، وهو بحد ذاته دليل على التخبط وعلى غيمية الرؤيا.

وقد شهد عصرنا هذا في دول عربية معينة حالات معيبة تستحق الاستنكار والنقد الذاتي، حيث نفقت عبقريات فذة وهي منسية، فتوفي مؤرخون وكتّاب وشعراء دون أدنى إشارة إليهم وإلى إنجازاتهم في الصحافة والإعلام، بينما لفظت عبقريات أخرى أنفاسها الأخيرة وهي جائعة ولا تملك حتى مسكنا تأوي إليه. وفي حالات أخرى، طرد علماء ومفكرون إلى خارج الحدود بسبب أفكارهم أو مشاربهم السياسية، بينما فضل آخرون المنفى الاختياري على إذلال الدولة الظالم الذي لم يتورع حتى من “إسقاط الجنسية” عن عبقريات تشرفه وتشرف وطنه. لذا تقمص بعض العلماء شخصية “سندباد”، كل يوم في دولة أو باستضافة حكومة، بينما أدار بعض العلماء ظهورهم إلى الدولة والمجتمع الذي يستخف بالعلم والعلماء والفكر والمفكرين عبر نظرة دونية تعكس الضحالة.

إن هذه الحال هي واحدة من أهم مسببات ظاهرة نزيف العقول والنكوص التي ألمّت بمعظم مجتمعاتنا العربية والإسلامية، حيث برزت حالات تسابق الدول والمؤسسات الغربية المتطورة لاستقطاب العلماء العرب والمسلمين وتشغيلهم والإفادة من خبراتهم ومن معطيات عبقرياتهم، وهذا هو ما يفسر ظاهرة وجود أبرز الأذهان العربية والإسلامية الذكية في المنافى.

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023