الحقيقة الدولية - محرر الشؤون السياسية
في زمن الاضطراب، حيث تتيه الحقائق في عواصف الدعاية المسمومة، وتُختلق الروايات لتشويه المواقف الأصيلة، تظل جمهورية مصر العربية الشقيقة، شامخةً بمواقفها الثابتة، لا تلتفت لصخب المزايدين، ولا تعبأ بهذيان المتنطعين الذين يجهلون التاريخ أو يتجاهلونه، فمصر لم تكن يومًا على هامش القضية الفلسطينية، بل كانت في صلبها، قلبًا نابضًا، ودرعًا واقيًا، وسندًا ثابتًا لا يتزحزح.
منذ نكبة عام 1948، حين سالت دماء الجنود المصريين الزكية على تراب فلسطين الطهور، ومصر تكتب تاريخًا ناصعًا من المواقف القومية، والإسناد السياسي، والدعم الإنساني، بلا منٍّ ولا أذى، بل عن إيمان راسخ بأن فلسطين ليست مجرد قضية، بل مسؤولية تاريخية وأخلاقية وأخوية لا تسقط بالتقادم.
لم تتغير مصر، لا في عهد عبد الناصر، المقاوم الأول والمدافع الصلب عن فلسطين، ولا في عهد السادات، ولا في ظل مبارك، ولا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي واصل النهج ذاته بحزم لا يقبل المساومة، رافضًا كل محاولات تصفية القضية أو المساس بحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها رفض التهجير القسري ورفض مشاريع الوطن البديل.
ليس غريبًا أن تكون مصر جنبا إلى جنب مع الأردن، هما رأس الحربة بمواجهة مشاريع تهجير الشعب الفلسطيني، بصلابة موقفهما، ورفضهما المطلق لتكرار النكبة تحت أي مسمى، ولا أن تكون مصر هي من تحتضن المصالحة الفلسطينية وتسعى لتوحيد الصف، وهي التي فتحت صدرها في أحلك الظروف، وقدمت المساعدات، واستقبلت الجرحى، واحتضنت قادة النضال الفلسطيني في أحلك المراحل.
إن ما تتعرض له مصر من حملات تشويهٍ مشبوهة، تقف خلفها أجندات لا علاقة لها بفلسطين ولا بشعبها، إنما يخدم الاحتلال الصهيوني بشكل مباشر، ويمنحه غطاءً يتنفس من خلاله، ويشوش على حقيقة الجريمة الجارية في غزة، ويبدّل بوصلة الغضب الشعبي العربي من المجرم إلى الشقيق، وهذه خيانة للدم، والعقل، والضمير، لا تفوقها خيانة.
إن التظاهر ضد مصر، والطعن في مواقفها، إنما هو نكران لجميلٍ لا يُنكره إلا جاحد، وتاريخ لا يُغيبه إلا مخرّف، فمصر، لم تقف يومًا على الرصيف، بل كانت دائمًا في الميدان، وقلب الحدث، تدفع الثمن من دمها وسياستها واقتصادها، فقط لتبقى فلسطين حاضرة في وجدان الأمة، وراسخة في ضميرها.
إن محاولات حرف البوصلة عما يحدث من جرائم إبادة في غزة، يشتت الضغط الدولي المتصاعد على الكيان الإسرائيل، ويمنحه فرصة للهروب من جرائمه، بينما يحاول البعض استهداف الدولة العربية الأشد تمسكًا بفلسطين، والأصدق تعبيرًا عن نبضها، والأكثر التزامًا بعدالتها.
إن الشعوب العربية برمتها، التي خبرت مصر الكنانة عبر التاريخ، لا تنطلي عليها حملات ولا محاولات أضعاف مصر، فهي تعرف من معها ومن عليها، ومن خانها ومن آمنها، ومصر، بأصالتها وثقلها ومكانتها، ليست بحاجة إلى شهادة من أحد، لكنها تستحق الإنصاف من كل ذي ضمير حي.
فلتخرس ألسنة المزايدة، ولتسقط أبواق التحريض، ولتُرفع القبعات احترامًا لمصر.. لأنها، كانت ولا تزال، الركيزة الصلبة لفلسطين، والجدار العربي الأخير الذي لم ولن ينكسر.