نشر بتاريخ :
18/04/2025
توقيت عمان - القدس
10:05:50 PM
20 مليون وظيفة صينية على المحك.. هل تنجو بكين من صدمة رسوم ترامب الـ 145%؟
في ظل التصعيد غير المسبوق للحرب
التجارية بين بكين وواشنطن، تواجه الصين تحديًا اقتصاديًا هو الأشد منذ سنوات، حيث
تجد نفسها في سباق مع الزمن لمواجهة تداعيات الرسوم الجمركية الأمريكية الهائلة
التي تثقل كاهل صادراتها.
وبينما تعاني بكين من عزل بضائعها عن
أكبر سوق استهلاكية في العالم، تواجه اختبارًا مزدوجًا يتمثل في ضعف قدرة سوق
العمل المحلية على استيعاب الصدمة، الأمر الذي يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي
ويضع ملايين الوظائف في البلاد على المحك.
20 مليون وظيفة مهددة بالضياع
تشير تقديرات مصرف "غولدمان
ساكس" إلى أن ما يصل إلى 20 مليون شخص في الصين، أي حوالي 3 بالمئة من القوى
العاملة، مهددون بفقدان وظائفهم نتيجة لتراجع الصادرات الصينية إلى الولايات
المتحدة بسبب الرسوم الجمركية البالغة 145 بالمئة التي فرضها الرئيس الأمريكي على
السلع الصينية. ويأتي هذا في وقت يعاني فيه سوق العمل الصيني أصلاً من ضغوط تتجسد
في تخفيضات الرواتب وتسريح العمال على نطاق واسع.
وقد خفض غولدمان ساكس توقعاته لنمو
الناتج المحلي الإجمالي للصين خلال عام 2025 من 4.5 بالمئة سابقًا إلى 4 بالمئة
حاليًا. وفي المقابل، تقدر بلومبرغ إيكونوميكس أن توقف شحنات الصين إلى الولايات
المتحدة سيعرض ما يصل إلى 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الصيني للخطر.
ويشير الواقع إلى تدهور بالفعل في سوق
العمل الصيني، حيث انخفض مؤشر فرص العمل بنحو 30 بالمئة خلال الشهرين الماضيين
مقارنة بالعام الماضي، وذلك استنادًا إلى بيانات إعلانات الوظائف لأكثر من 2000
شركة جمعتها شركة كوانت كيوب تكنولوجي ومقرها باريس. كما انخفض مؤشر خطط التوظيف
المستقبلية في الصين في شهر مارس 2025 إلى أدنى مستوى له في ستة أشهر، وفقًا
لاستطلاع رأي أجرته كلية تشيونغ كونغ للدراسات العليا في إدارة الأعمال وشمل شركات
خاصة في الصين.
صدمة اقتصادية بقيمة 525 مليار دولار
وبحسب تقرير أعدته
"بلومبرغ"، فإن الضعف المزمن في سوق العمل الصينية يمثل عقبة رئيسية
أمام حملة إنعاش الاستهلاك المحلي، الذي تعتبره القيادة الصينية أولوية قصوى
لتعويض صدمة الرسوم الجمركية الأمريكية الشاملة. فبكين تحتاج إلى زيادة الطلب
المحلي للمساعدة في تعويض خسارة سوق استوعبت 525 مليار دولار من البضائع الصينية
في العام الماضي.
نمو قوي يخفي الخطر القادم
تتزايد التوقعات بأن تلجأ بكين إلى
إقرار حزمة تحفيز كبيرة لمساعدة الاقتصاد على تحقيق هدف النمو الرسمي البالغ حوالي
5 بالمئة هذا العام. فبفضل الدعم الحكومي المقدم في أواخر عام 2024، نما اقتصاد
الصين بأفضل من المتوقع في الربع الأول من عام 2025، مع تدفق الصادرات إلى الولايات
المتحدة قبل فرض الرسوم الجمركية الجديدة الباهظة.
وقد أظهرت البيانات الحكومية الصادرة
عن مكتب الإحصاءات الوطني الصيني نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 5.4
بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الأول من عام 2025، متجاوزًا التوقعات البالغة
5.2 بالمئة.
ورغم هذه البيانات المتفائلة، يشير
تشيوي تشانغ، كبير الاقتصاديين لدى "بينبوينت" لإدارة الأصول، إلى أن
الأضرار الناجمة عن الحرب التجارية ستظهر بوضوح في بيانات الشهر المقبل.
الصين تواجه خطر ارتفاع البطالة
يقول جو يرق، رئيس قسم الأسواق
العالمية في Markets Cedra،
إن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة ستترك بلا شك آثارًا واضحة على
اليد العاملة وسوق العمل الصينية، مؤكدًا أنه لا وجود لحرب تجارية من دون كلفة
اقتصادية. ويشير إلى أن نحو 15 بالمئة من الصادرات الصينية، أي بضائع بقيمة تتراوح
بين 550 و600 مليار دولار سنويًا، كانت تتجه إلى السوق الأمريكية، ومع تراجع هذه
الصادرات، من الطبيعي أن تشهد سوق العمل الصينية ضغوطًا متزايدة قد تترجم إلى
ارتفاع في معدلات البطالة، لافتًا إلى أن بعض التقارير الاقتصادية تشير إلى احتمال
تراجع النمو في الصين بواقع يتراوح بين نقطتين ونصف وثلاث نقاط.
ويوضح يرق أن الاقتصاد الصيني يعاني
منذ عام 2021، وبالكاد تمكن في عام 2024 من تحقيق نمو بنسبة 5 بالمئة، وأن أحد
أبرز مكامن الضعف في الاقتصاد الصيني بعد جائحة كورونا كان ضعف الاستهلاك المحلي،
إضافة إلى ضعف قطاع الصناعة، فضلاً عن تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية والرسوم
الأخيرة التي فُرضت على السيارات الكهربائية الصينية. ويشير إلى أن بنك الشعب
الصيني استخدم في الفترة الماضية أدوات تحفيزية، من بينها خفض أسعار الفائدة بهدف
إنعاش الاقتصاد، ومن المرجح أن يعيد الكرّة مجددًا عبر اللجوء إلى مجموعة من
الأدوات المالية التحفيزية.
ويضيف يرق أن الحكومة الصينية
والصناديق الحكومية تقوم حاليًا بشراء الأسهم للمحافظة على سيولة الشركات وعلى
أسعار الأسهم الصينية، مشددًا على أن الشق الإيجابي هو أن ما يحدث يترك مجالًا
للصين لتنويع أسواقها. ويرى أن الحل للحرب التجارية بين أمريكا والصين سيكون من
خلال تنازل الطرفين، ولكن على المدى المتوسط سيشهد الاقتصاد الصيني تدهورًا في
الأرقام الاقتصادية والنمو وارتفاعًا في البطالة وضعفًا في الاستهلاك، حيث سيتأقلم
الاقتصاد الصيني مع الصدمات إثر تدخل الحكومة وبنك الشعب الصيني.
فاتورة الاعتماد على التصدير باهظة
من جهتها، تقول المحللة الاقتصادية رلى
راشد إن فقدان دولة كبيرة مثل الصين منفذًا رئيسيًا لصادراتها، بقيمة 525 مليار
دولار سنويًا، سيكون له أثر مباشر على الإنتاج الصناعي والتشغيل، وسيضع ملايين
الوظائف المرتبطة بالتصدير في مهب الريح. وتوضح أن بكين اعتمدت بشكل شبه مطلق على
الصناعة والتصدير كمحرك للنمو، لكنها لم تُعط السوق الاستهلاكية المحلية الاهتمام
الكافي على مستوى الأجور وشبكات الأمان الاجتماعي، الأمر الذي يضاعف الآن من وطأة
الأزمة التي قد تتعرض لها بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية.
وترى راشد أن السوق الصينية ليست جاهزة
بعد لاستيعاب فقدان السوق الأمريكية لأن الطلب المحلي لا يزال هشًا ويتأثر بالأجور
المنخفضة. وتؤكد أن بكين مُضطرة الآن لإعادة تشكيل نموذجها الاقتصادي من التركيز
على التصدير إلى الاعتماد على الاستهلاك المحلي، وبناء طبقة وسطى قادرة على
الاستهلاك وخلق منظومة اقتصادية داخلية أكثر مرونة وتنوعًا، معتبرة أن هذا النوع
من التحولات يتطلب وقتًا واستثمارات ضخمة في السياسات الاجتماعية والمالية والبنية
التحتية للاستهلاك.
هل يمكن للصين النجاة من العاصفة؟
ترى راشد أنه من المهم الآن أن تتحرك
الحكومة الصينية من خلال حزمة تحفيز كبيرة تُركز على دعم الأجور والاستثمار في
البنى التحتية المحلية لتعويض ضعف الطلب الخارجي. وتشير إلى أن بكين لجأت إلى مثل
هذه الإجراءات في أزمات سابقة، مثل الأزمة المالية العالمية في عام 2008، حين ضخت
ما يفوق نصف تريليون دولار في الاقتصاد المحلي وأنقذت النمو من الانهيار. بالإضافة
إلى ذلك، هناك حلول طويلة الأجل تتمثل في تنويع الشركاء التجاريين وتوقيع اتفاقيات
أوسع مع دول الجنوب العالمي لتخفيف التبعية للولايات المتحدة.
الحقيقة الدولية - وكالات