نشر بتاريخ :
15/11/2024
توقيت عمان - القدس
1:06:11 PM
لم تتوقع بتاتا الهولندية أنيت هيرفكنز أن تعيش كابوسا رهيبا
وحيدة لأيام في أدغال فيتنام بجسد مليء بالجروح والكسور ومحاطة بالجثث. لكن كُتب
لها أن تمر بهذه المحنة العصيبة.
أثناء دراستها في جامعة ليدن بهولندا، التقت أنيت هيرفكنز
برجل يدعى ويليم فان دير باس. بعد ثلاثة عشر عاما من العيش معا، قررا الزواج
رسميا، إلا أن ويليم سافر إلى فيتنام للقيام بأعمال مصرفية ودعاها للحاق به.
سافرت أنيت إلى خطيبها وقضيا عطلة نهاية الأسبوع في مدينة هو
تشي منه ثم قررا السفر إلى منتجع للاستمتاع بالبحر، إلا أنها أصيبت بالهلع حين رأت
الطائرة التي سيستقلانها. كانت طائرة ركاب صغيرة ومتهالكة من طراز "ياك –
40"، مضى عليها في الخدمة حينها 16 عاما.
كانت المرأة الهولندية تعلني
من رهاب الأماكن المغلقة، وعرضت على خطيبها السفر بالسيارة، إلا أنه رفض متحججا
بوعورة الطريق الذي يمر عبر الغابات. كما حاول إقناعها بالقول إن الرحلة الجوية لن
تستغرق أكثر من 20 دقيقة، في حين أن مدتها حوالي الساعة.
صعدت في 14 نوفمبر 1992 إلى الطائرة المتهالكة التابعة
للخطوط الجوية الفيتنامية مع المسافرين الآخرين وكان عددهم 24 شخصا علاوة على طاقم
من 6 أفراد، ثم داهمتها لاحقا نوبة هلع من الأماكن المغلقة ففكت بعد الإقلاع حزام
الأمان.
بعد أن مر على الطائرة في الجو
50 دقيقة بدأت تتمايل بتأثير مطبات هوائية. توتر بشدة ويليم فان دير باس، إلا أن
خطيبته أمسكت بيده وحاولت تهدئته قائلة: "بهذه الطريقة بالطبع تسقط طائرات
الألعاب المتسخة! هذا مجرد مطب هوائي، لا تقلق".
بعد لحظات قليلة، تحطمت الطائرة وأطلق أحدهم صرخة رهيبة،
وأظلمت الدنيا في عيني أنيت. كما تبين لاحقا، حلّق الطاقم بالطائرة "ياك –
40" على مستوى منخفض جدا، ما أدى إلى اصطدامها بالأشجار أولا ثم بجبل.
في مقابلة صحفية روت أنيت ما جرى في تلك اللحظات قائلة:
"لا أتذكر بالضبط ما حدث، لكني أعتقد أنني كنت أتجول في الطائرة مثل قطعة
غسيل وحيدة في مجفف غسالة، واصطدم رأسي وكذلك أطرافي بالسقف وبخزائن الأمتعة. ربما
كنت الوحيدة من دون حزام الأمان. في وقت ما، لا بد أنني هويت، وانزلقت قدمي للأمام
تحت المقعد وعلقت هناك. هذا ما ثبتني في مكاني حتى بعد الضربة الثانية الأقوى التي
أدت إلى انهيار الطائرة".
بعد مرور خمس ساعات على تحطم طائرة الخطوط الجوية
الفيتنامية، استيقظت أنيت ووجدت نفسها عالقة بكرسي، وفوقها كرسي عليه رجل ميت.
بحثت عن خطيبها بعينيها في أرجاء المكان. على مسافة غير بعيدة من مكانها، كان
مستلقيا على كرسيه وقد انحنى رأسه إلى الخلف " وعلى شفتيه ابتسامة. ابتسامة
حلوة، لكنه كان ميتا، وأضلاعه مضغوطة بحزام الأمان الذي حطم قفصه الصدري".
المرأة الهولندية نسيت تماما كيف خرجت من الطائرة. استيقظت
ووجدت نفسها بثياب ممزقة مهترئة مستلقية في الخارج على سفح جبل، تحت أشجار كثيفة.
تبين لاحقا أن أنيت أصيبت بـ 12 كسرا، وتضرر فكها ورئتاها.
تبين فجأة وجود ناج ثان. رجل أعمال فيتنامي حاول على الرغم
من إصابته بجروح خطيرة تهدئة روعها قائلا إنه شخصية مهمة جدا، ولا بد أنهم سيبحثون
عنه. الرجل فتح بصعوبة حقيبته ورمى إليها ببنطلون. ارتدته أنيتا بصعوبة وهي تغالب
أوجاعا رهيبة في ساقيها.
بعد ساعات قليلة، لفظ رجل الأعمال الفيتنامي أنفاسه الأخيرة،
وبقيت أنيت وحيدة في الأدغال. كان يتناهي إلى مسامعها لفترة من الوقت أنين الجرحى
من داخل حطام الطائرة، إلا أن الأنين سرعان ما توقف تماما.
حاولت أنيت أن تركز اهتمامها على المحافظة على حياتها وأن
تتمالك أعصابها وتحشد قواها وتبعد نظرها عن الجثث وتتلهى بجمال الطبيعة.
حاولت إشعال النار بولاعة كانت تحملها دائما معها لأنها كانت
مدخنة شرهة، لكنها لم تفلح لأن كل ما حولها كان رطبا.
غطت نفسها بعباءة للمطر عثرت عليها، وسحبت جسدها بصعوبة
بالغة وبحثت عن طريقة للحصول على ماء للشرب. شاهدت قطع إسفنج تتدلى من حطام جناح
الطائر. سحبت ساقيها بصعوبة إلى المكان وحصلت على قطعة إسفنج استخدمتها في جمع
مياه الأمطار وتقطير الماء بواسطتها في فمها كل ساعتين.
على مدى سبعة أيام حاولت أن تقتات بكل ما يمكن أن تعثر عليه
في الجوار. الجوع الشديد أصابها بهلوسات حتى أنها فكرت في التهام لحم من جثث
الموتى. نظرت إلى جثة رجل الاعمال الفيتنامي الذي تحدث إليه مواسيا ورمى إليها
ببنطلون، واستبعدت الفكرة تماما.
مرت عدة أيام وأنيت تتأرجح بين الحياة والموت. فقد جسمها 10
كيلو غرامات، وكانت تنام وتستيقظ وتراقب الوقت على ساعة يد رجل الأعمال الميت!
في اليوم السابع سمعت صوت وقع خطر على الأخشاب وظنت أنها
سقطت في حالة هلوسة. حدقت بانتباه شديد
ورأت خيال رجل في البعيد اختفى بعد لحظات، واعتقدت أنه أحد القديسين.
شرطي محلي يدعى كاو نان هانه تصادف أن مر بالمكان، واعتقد هو
الآخر أنه قابل شبحا، لأنه لم ير في حياته من قبل امرأة بيضاء. اتصل الشرطي بالسلطات وأبلغهم عن حطام الطائرة.
في اليوم التالي وصل رجال الإنقاذ إلى المكان وتنفست أنيت الصعداء.
حملها ستة من رجال الإنقاذ إلى أسفل الجبل. كانت تبكي وهي
تبتعد عن جثة خطيبها. تروي أنيت أن رجال الإنقاذ لم يعملوا كل ما بوسعهم لتهدئة
روعها فقط، بل نزعوا أحذيتهم حتى لا تهتز بعنف على الحمالة أثناء الحركة.
نقلت أنيت جوا إلى مدينة هوشي منه ثم إلى سنغافورة، حيث خضعت
لعمليات جراحية عديدة، وأزيلت إحدى كليتيها وزرع جلد على مرفقيها، كما أجريت لها
عملية جراحية على الفك وأنقذت من الغرغرينا.
بعد مرور وقت طويل قضته في علاج كسورها الكثيرة في
المستشفيات وزرع جلد في أكثر من منطقة في جسدها، علمت أنيت أن طائرة مروحية من
طراز "مي – 8"، أرسلت للبحث عن الناجين، إلا أنها تحطمت هي الأخرى وقتل
سبعة أشخاص كانوا على متنها.
نجحت هذه المرأة الهولندية في المحافظة على قواها الجسدية والعقلية
خلال هذه المحنة القاسية وما بعدها. حدث أن حرمت من دفن خطيبها وذلك لأن السلطات
خلطت بين جثث الموتى، وأرسلت جثة الرجل الهولندي إلى السويد حيث تم حرقها.
الحقيقة الدولية – وكالات