الحقيقة الدولية - شهدت سوق العملات المشفرة في عام 2025 طفرة تاريخية غير مسبوقة، إذ تجاوزت القيمة السوقية الإجمالية 3.6 تريليونات دولار لأول مرة، مدفوعة بالارتفاعات القياسية التي حققتها عملة البيتكوين إلى جانب تحولات تنظيمية واقتصادية عالمية تعيد رسم خريطة قطاع الأصول الرقمية.

وقد شكّل هذا العام نقطة انعطاف في النظرة العالمية للعملات المشفرة، حيث باتت جزءًا من المشهد المالي الرسمي والمؤسسي بعد سنوات من الجدل والريبة.

انطلقت عملة البيتكوين في عام 2009 على يد شخصية غامضة عُرفت باسم ساتوشي ناكاموتو، بهدف تأسيس نظام مالي لامركزي يتيح إجراء المعاملات بين الأفراد دون الحاجة إلى وسيط مصرفي أو مالي تقليدي.

ومنذ ظهورها، أحدثت تقنية البلوك تشين التي تقوم عليها هذه العملة ثورة في مفهوم الثقة والتوثيق المالي، إذ تُعد دفترًا عامًا موزعًا يتيح الشفافية والأمان لجميع التعاملات.

ومع مرور السنوات، تحوّلت البيتكوين من تجربة رقمية محدودة إلى أصل استثماري رئيسي يجذب الأفراد والمؤسسات على حد سواء، واكتسبت أدوارًا متعدّدة تشمل التحويلات المالية الدولية، والتحوّط ضد التضخم، وأداةً استثمارية طويلة الأمد في الأسواق التقليدية.

خلال عام 2025، سجّلت البيتكوين مستويات قياسية غير مسبوقة، إذ بلغ سعرها الأعلى على الإطلاق نحو 123 ألف دولار في 14 يوليو، قبل أن تستقر قرب 119–120 ألف دولار في نهاية الشهر.

ووفق أحدث البيانات المتاحة، بلغت القيمة السوقية للبيتكوين نحو 2.35 تريليون دولار، وهيمنت وحدها على نحو 60% من سوق العملات الرقمية العالمي.

هذا الأداء القوي ترافق مع تقديرات مؤسسات مالية كبرى تشير إلى استمرار موجة الصعود، إذ توقعت Galaxy Digital وصول السعر إلى 185 ألف دولار بنهاية العام، بينما رفعت Standard Chartered تقديراتها إلى 200 ألف دولار، في حين رجّحت Maple Finance نطاقًا بين 180 و200 ألف دولار

أما CoinShares فقد توقعت أسعارًا تراوح بين 80 و150 ألف دولار مع إمكانية تحقيق قفزة طويلة المدى نحو 250 ألفًا، بينما رفعت H.C. Wainwright تقديراتها إلى 225 ألف دولار معززة بزيادة الطلب المؤسسي وصناديق المؤشرات المتداولة (ETF).

هذه التوقعات لم تكن بعيدة عن رؤى مستثمرين أفراد بارزين مثل طلال الطبّاع، الشريك المؤسس لشركة «كوين مينا»، الذي شدد على أن القيمة الحقيقية للبيتكوين تكمن في أفقها الطويل، متوقعًا أن تتجاوز المليون دولار خلال العقدين المقبلين، نظرًا لندرة المعروض وازدياد الطلب عالميًا، مؤكّدًا أن الأسعار الحالية لا تؤثر على قراراته الاستثمارية المبنية على نهج متوسط تكلفة الدولار.

التغيرات الجذرية في السوق لم تقتصر على الأسعار والأحجام، بل شملت البيئة السياسية والتنظيمية، خصوصًا في الولايات المتحدة، التي قادت موجة التحولات التشريعية الكبرى في 2025. فقد صدر في منتصف يوليو «قانون GENIUS» الفيدرالي، وهو أول تشريع شامل يضبط العملات المستقرة المرتبطة بالدولار الأميركي، ملزمًا الشركات بمعايير إفصاح دقيقة وتغطية مالية كاملة.

كما تبعه «قانون CLARITY» الذي يوسع صلاحيات لجنة تداول السلع والعقود المستقبلية (CFTC) لتعزيز الوضوح القانوني لسوق الأصول الرقمية.

وفي 30 يوليو، أصدر البيت الأبيض أول تقرير رئيسي لإدارة الرئيس دونالد ترامب حول سياسة العملات المشفرة، عقب مراجعة امتدت 180 يومًا بموجب الأمر التنفيذي رقم 14178، معلنًا عن تفاصيل الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي من العملات الرقمية المصادرة عبر إجراءات قانونية، وعلى رأسها نحو 198,012 بيتكوين بقيمة تتجاوز 23 مليار دولار.

وأوضح التقرير أن هذه الأصول ستُدار ضمن استراتيجية مزدوجة تشمل تعويضات الضحايا في قضايا الاحتيال والاختراقات، ودعم الخزينة الفيدرالية، في خطوة تعكس تحوّل الأصول الرقمية إلى جزء من الأمن المالي القومي الأميركي.

تزامن هذا التحول مع تطورات عالمية في مجال العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، حيث بات السباق لإصدار عملات رسمية رقمية ضرورة استراتيجية للدول الكبرى.

وبحسب بيانات حديثة، فإن 134 دولة واتحادًا نقديًا، تمثل نحو 98% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تدرس أو تطور عملة رقمية للبنك المركزي، مقارنة بـ35 دولة فقط في عام 2020.

كما دخلت 66 دولة مرحلة متقدمة من التجربة أو الإطلاق، تشمل جميع دول مجموعة العشرين، فيما تُجري 13 دولة ضمن مجموعة البريكس، بما فيها الصين وروسيا والهند، تجارب عملية على عملات رسمية رقمية، مدفوعة برغبتها في تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي وبناء أنظمة دفع عابرة للحدود.

وقد تضاعفت هذه المشاريع منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية واستجابة مجموعة السبع بالعقوبات المالية، لتنتقل بعض المشاريع إلى مستوى التعاون العابر للحدود، كما هو الحال مع مشروع «mBridge» الذي يربط البنوك المركزية في الصين وتايلند والإمارات وهونغ كونغ والسعودية، مع توقعات بتوسعه في 2025.

وفي الوقت نفسه، يواصل «اليوان الرقمي» الصيني ريادته عالميًا، إذ بلغ حجم معاملاته نحو 986 مليار دولار في منتصف 2024، أي ما يقارب أربعة أضعاف ما كان عليه في 2023، مع توسع استخدامه في قطاعات التعليم والرعاية الصحية والسياحة.

هذا المشهد المتكامل يعكس أن عام 2025 يمثل منعطفًا تاريخيًا في تطور النظام المالي العالمي؛ فالبيتكوين وسوق العملات المشفرة تجاوزت مرحلة المضاربات الهامشية إلى اندماج واضح مع النظام المؤسسي، مدعومة بتشريعات أميركية رائدة واحتياطي رقمي حكومي يعكس تحولًا في الموقف الرسمي من الحذر إلى التبني المنضبط.

وفي الوقت نفسه، تُسرّع البنوك المركزية العالمية خطواتها نحو إصدار عملات رقمية رسمية لضمان بقائها فاعلة في نظام مالي يتغير بسرعة تحت ضغط الابتكار الرقمي والتحولات الجيوسياسية.

وكالات