القسم :
محلي - نافذة على الاردن
نشر بتاريخ :
17/06/2025
توقيت عمان - القدس
8:49:32 PM
خطاب ستراسبورغ التاريخي: حين صمت العالم.. الملك يتحدث!
الحقيقة الدولية - المحرر السياسي - في لحظة يتقاطع فيها
التاريخ مع الأخلاق، وتتهاوى فيها المعايير أمام أعين العالم المتخاذل، ويتلاشى
فيها المنطق والرأي السديد، أمام صوت العقل الراجح، ارتفع صوت جلالة الملك عبد
الله الثاني في قلب أوروبا ــ منبر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ ــ شاهقاً
كمنارة تهدي الحائرين في ليل الفوضى، معلناً بجرأة ووضوح، ما تراجع كثيرون عن
قوله، وبكل شجاعة : ان ما يحدث في غزة وصمة على جبين الإنسانية، وجريمة تتحدى صمت
العالم، وان الصراع ليس بين شعوب.. بل بين قيم كبرى تنهار أمام أعيننا!
خطاب الملك التاريخي في قلب أوروبا، أمام قادة العالم
الغربي، وعلى مرأى ومسمع دول وشعوب العالم، حمل سبعة مضامين بالغة الوضوح والأهمية
والخطورة، بحنكة وشجاعة جلالته المعهودة :
1. الخطاب.. صفعة للضمير العالمي
لم يكن خطاب جلالة الملك، مجرد موقف سياسي في محفل دولي،
بل كان نداءً أخلاقياً صادحاً بالحق، من قائد عربي، حمل بشجاعة استثنائية لواء
الضمير في زمن الازدواجية والانحياز الأعمى، حين قال جلالته مخاطباً العالم :
"إن عالمنا قد فقد بوصلته الأخلاقية"!.
الملك، تعمد وصف المشهد الإنساني لا السياسي فقط، معلناً
حالة سقوط حر للقيم التي طالما ادّعى الغرب أنه يذود عنها، وتلك، ليست كلمات رجل
سياسة فحسب، بل صوت قائد استثنائي فذ، في
زمن الصمت، قائد قل نظيره عالمياً، يذكّر العالم بأن الحق لا يُقاس بمعايير القوة،
بل بثبات الموقف ونظافة الضمير.
2. شجاعة لا تُجامل، وموقف لا يلين..
وفي ظل التصعيد الإقليمي الخطير، ووسط التراشق بين القوى
الكبرى وتضارب الحسابات، لم يختبئ جلالة الملك خلف عبارات دبلوماسية بروتوكولية،
بل قالها بوضوح لا يحتمل التأويل: "إن توسيع إسرائيل لهجومها ليشمل إيران
يجعل من المستحيل معرفة إلى أين ستمتد حدود هذه المعركة"، موجهاً تحذيراً
استراتيجياً للعالم، ومنبهاً : ان العبث بمصير الشرق الأوسط لن يتوقف عند حدوده،
وان النار التي تُشعل في فلسطين ستمتد رماداً إلى كل مكان.
3. فلسطين.. قلب الخطاب وروح الرسالة
في كل مفصل من خطاب جلالته التاريخي، كانت فلسطين حاضرة
.. لا مجرد قضية، بل كاختبار للضمير العالمي، ومِحكّ لإنسانية الإنسان، مخاطباً
ضمير البشرية ، بأن الفلسطينيين "مثلهم كمثل جميع الشعوب، يستحقون الحق في
الحرية والسيادة"، وهنا، لا يتحدث الملك بلغة الشعارات، بل بلغة المساواة
البشرية، رافعاً المظلومية الفلسطينية إلى مرتبة قضية كونية، تُعرّف العالم إن كان
ما يزال عالماً أخلاقياً، وتحرج الحضارة الغربية في مهدها، التي دأبت رفع شعارات
الانسانية، والحرية، والديمقراطية، والمساواة، دون أن يطرف لجلالته رمشاً، أو تخفق
في صدره نبضة شاردة.
4. القدس والوصاية الهاشمية.. التزام لا يتزعزع
وحين تحدث جلالته عن الوصاية الهاشمية على المقدسات
الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة، لم يكن يذكّر جلالته بتاريخ، أو
يروّج لسياسة، بل كان يؤكد أن هذه الوصاية هي عهدٌ أخلاقي، وجزء من هوية الأمة،
وأنها لا تقبل المساومة ولا التخلي، لأنها مرتبطة بمسؤولية تاريخية وروحية متجذرة
في إرث الأمة، وفي الضمير الهاشمي الذي كان ــ منذ العهدة العمرية ــ نصير العدالة
والتعدد والتسامح.
5. الملك في وجه العاصفة.. "زعامة القيم" لا
المصالح!
وفي زمن يضطرب فيه العالم تحت رياح المصالح القومية،
وتغيب فيه المبادئ خلف جدران "الأمن القومي الضيق"، خرج الملك عبد الله
الثاني ليرفع سقف الخطاب الدولي إلى مقام القيم حين صدح بكل ما في الشجاعة من : "السلام الذي تفرضه القوة أو الخوف لن
يدوم أبداً"، مذكراً بأن قوة الأمم تُقاس بقيمها لا بجيوشها، وبثباتها على
المبدأ لا بانتصاراتها اللحظية.
6. رسالة للأوروبيين.. تذكير بالأصل ومحاسبة للضمير
لم يُجامل جلالة الملك الأوروبيين، بل حاسبهم بلغة تفيض
بالحكمة، حين خاطبهم قائلا: إن القيم التي أعادت بناء أوروبا بعد الحرب العالمية
الثانية، تتآكل اليوم تحت وطأة الازدواجية! وكأن جالالته يخاطبهم بمرآتهم، ليعيدهم
إلى أصلهم، إلى اللحظة التي اختاروا فيها القانون بدل الانتقام، والكرامة بدل
الهيمنة، ليضعهم الآن أمام مفترق طرق جديد: إما الوفاء لهذه القيم أو السقوط في
اختبار التاريخ!!
7. خطاب يقف في صف الإنسانية ..
ما يُميز هذا الخطاب الملكي التاريخي، ليس فقط مضمونه
السياسي، أو مخرجاته الدبلوماسية، بل جوهره الأخلاقي العميق، الذي يجعل منه وثيقةً
إنسانية تُدرّس في فن القيادة الأخلاقية وسط العواصف، فجلالة الملك لم يُهادن، ولم
يُساير، ولم يختبئ خلف لغة مبهمة، بل سمّى الأشياء بأسمائها، ووضع العالم أمام
مسؤوليته: إما أن يختار الحق والعدل، أو أن يتحمل تبعات الانهيار الأخلاقي الشامل!
خلاصة القول ..
في زمن غابت فيه البوصلات، وانحنى فيه كثير من القادة
أمام منطق القوة، نهض جلالة الملك عبد الله الثاني، لا كزعيم دولة فقط، بل كصوت
للضمير العالمي، حاملاً مشعل الإنسانية في عتمة القتل والتجويع والتواطؤ، ومؤكداً
أن الأردن سيبقى كما عهدته الأمة، حصناً منيعاً للحق، ومنبراً للعدالة، ورايةً لا
تنكسر أمام العاصفة.
خاتمة :
إنه ليس خطاباً، بل موقفاً موغلاً في الرجولة والشجاعة
والبطولة، لقائد عربي هاشمي، لا يصنع السياسة فحسب، بل يصنع التاريخ!