يبحث العلماء باستمرار عن طرق جديدة لتحسين الصحة العقلية ودعم العلاجات التقليدية لمختلف الاضطرابات النفسية. ومع تزايد الاهتمام بفهم العوامل التي تؤثر على الدماغ والوظائف الإدراكية، تتجه الأبحاث نحو دراسة تأثير بعض العناصر الغذائية والمكملات على الحالة المزاجية والأداء العقلي.

وفي هذا الصدد، كشفت دراسة حديثة أن مكمل الكرياتين، الذي يستخدم على نطاق واسع بين الرياضيين لتعزيز الأداء البدني، قد يساعد أيضا في تخفيف أعراض الاكتئاب وتحسين صحة الدماغ.

يوجد الكرياتين بشكل طبيعي في الحليب واللحوم الحمراء والمأكولات البحرية، كما ينتج في الجسم عبر الكبد والكلى والدماغ. ولطالما استخدمه الرياضيون ولاعبو كمال الأجسام كمكمل غذائي لتعزيز القوة البدنية، إلا أن الأبحاث الحديثة تشير إلى دوره المحتمل في تحسين الوظائف الإدراكية وتقليل التعب وتعزيز الذاكرة.

وأجرت جامعة أكسفورد تجربة شملت 100 شخص يعانون من الاكتئاب، حيث تم تقسيمهم إلى مجموعتين: الأولى تناولت مكملات الكرياتين بجرعة 5 غرامات يوميا، بينما حصلت الثانية على دواء وهمي، وذلك لمدة 8 أسابيع، إلى جانب تلقيهم العلاج السلوكي المعرفي (CBT).

وأظهرت النتائج، التي نشرت في مجلة علم الأدوية النفسية العصبية الأوروبية، أن كلا المجموعتين شهدتا تحسنا في الأعراض، لكن أولئك الذين تناولوا الكرياتين سجلوا انخفاضا أكبر في درجات الاكتئاب، حيث بلغ متوسطهم 5.8 نقاط على مقياس شدة الاكتئاب، مقارنة بـ 11.9 نقطة في المجموعة الأخرى. ويشير ذلك إلى أن الكرياتين قد "يعزز" فعالية العلاج النفسي، ما يجعله خيارا واعدا لدعم العلاجات التقليدية.

ولا تزال كيفية تأثير الكرياتين على الاكتئاب غير واضحة تماما، إلا أن إحدى الفرضيات تقول إنه يعزز إمداد الطاقة في مناطق الدماغ المسؤولة عن تنظيم الحالة المزاجية. ويعرف الكرياتين بدوره في إنتاج أدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP)، وهو المصدر الأساسي للطاقة في الخلايا، ما يحسّن الأداء العصبي ويساعد على دعم العمليات العقلية المرتبطة بالمشاعر والتفكير.

وإلى جانب تأثيره المحتمل على الاكتئاب، كشفت مراجعة بحثية نشرت عام 2023 في مجلة Nutrition Reviews، أن مكملات الكرياتين قد تساعد في تعزيز الذاكرة وتحسين الوظائف الإدراكية.

ويقول الدكتور سكوت فوربس، الأستاذ المشارك في جامعة براندون بكندا: "تتطلب العمليات العقلية مثل الذاكرة والتعلم تركيزا عاليا من الطاقة، ويمكن لمكملات الكرياتين زيادة مخزونه في الدماغ بنسبة تصل إلى 10%، ما يوفر دفعة إضافية تعزز الأداء الذهني".

كما أشار البروفيسور سيرجي أوستوجيك، من جامعة Agder بالنرويج، إلى أن الكرياتين قد يساعد أيضا في تقليل التعب وتحسين التركيز، لا سيما لدى الأشخاص الذين يعانون من متلازمة التعب المزمن وكوفيد الطويل.

ورغم النتائج الواعدة، يشدّد العلماء على ضرورة إجراء المزيد من الدراسات السريرية قبل تقديم توصيات رسمية بشأن استخدام الكرياتين لعلاج الاكتئاب.

الحقيقة الدولية - وكالات