نشر بتاريخ :
20/12/2024
توقيت عمان - القدس
5:07:26 PM
المواطنون في غزة.. بلا كسوة شتوية ويتناوبون على ارتداء الملابس بحثا عن الدفء
على غير عادة المواطنين في قطاع غزة
الذين ينطلقون بداية كل موسم صيفي أو شتوي إلى الأسواق التي كانت تتكدس بالبضائع
وتعج بالمشترين ليبتاعوا منها كسوتهم الشتوية والصيفية، ولكن هذا الموسم جاء
معاكسا لأهوائهم حيث يستقبلون شتاءهم الثاني على التوالي بملابس بالية وأخرى خفيفة
لقلة توفرها وارتفاع أسعارها في الأسواق بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة
منذ 15 شهرًا.
فالأسواق، بل الأصوب الأماكن التي كانت
أسواق، أصبحت خالية لا بضائع فيها ولا باعة ولا حتى مشترين لعدم توفر البضائع
والملابس بسبب تعنت الاحتلال الإسرائيلي وحرمانه المواطنين في القطاع من أدنى
متطلبات حياتهم الآدمية، حيث يواصل إغلاق المعابر ويمنع التجار والمستوردين من
إدخال بضائعهم، في إطار سياسة العقاب الجماعي التي يمارسها ضد شعبنا.
المواطن سمير العبادلة، يقول:
"كنّا في غزة معتادين على الذهاب للأسواق بداية كل موسم سواءً شتوي أو صيفي
أو موسم مدارس وأعياد ومناسبات لنشتري كسوة لنا ولعائلاتنا، ولكن بسبب الحرب
الشرسة ضد شعبنا حُرمنا على مدار موسمين شتويين متتالين من شراء ما يلزمنا وبتنا
نكتسي ملابس بالية أملًا بالحصول على بعض الدفء الذي نفتقده منذ العام
الماضي".
ويشير العبادلة إلى أن العيش في العراء
والخيام ودون أبنية وجدران يزيد من شدة البرودة، ومهما اكتسى الشخص من ملابس يبقى
البرد يتسلل إلى جسمه ولا يشعر أبدًا بالدفء، مضيفًا: "فما بالك بأن أغلب
المواطنين لا يجدون الملابس الكافية التي تقيهم من الأجواء شديدة البرودة التي
يعيشونها".
بينما يقول المواطن حمدي أبو رزق، :
"نحن عندما خرجنا ونزحنا من محافظة رفح في شهر أيار/مايو، كنّا على أبواب فصل
الصيف فلم نقم بأخذ ملابسنا الشتوية الثقيلة معنا ظنًا منّا أننا سنعود قبل حلول
فصل الشتاء، وهذا لم يحدث، وهنّا وقعنا في فخ الأجواء الباردة التي لا ترحمنا ولا
تحتمل، ولا يوجد عندنا ما نكتسيه ولا زلنا نرتدي ملابسنا الخفيفة رغم برودة
الطقس".
ويضيف: "نشعر نحن وأطفالنا أن
عظامنا تتكسر من شدة البرد ليلًا في الخيام، وننتظر بزوغ الفجر لتشرق الشمس
وتعطينا بعضًا من دفئها على أحرّ من الجمر"، مناشدا أصحاب القلوب الرحيمة
والمؤسسات المعنية بالأسرة والطفل مد يد العون للنازحين في الخيام لأن البرد
والأمراض تنهش في أجسادهم رويدًا رويدًا ولا أحد يسمع أنين قلوبهم المكلومة إلا هم
أنفسهم.
أما ماهر الحسني فيقول: لقد فقدت كل ما
أملك من ملابس ومستلزمات وأدوات منزلية وأموال وهواتف بعدما قصفت طائرات الاحتلال
بجوار الخيمة التي كنت نازحًا فيها في مواصي خان يونس، وأصبحت الخيمة بما فيها
أثرًا بعد عين، بعدها أصبحت ألملم نفسي وجرحي بفقدان كل ما أملك، فذهبت لبسطات
البالة وحاولت قدر المستطاع كسوة نفسي وزوجتي وأولادي من تلك البالة التي لها من
اسمها نصيب والملابس فيها قد تلفت وجار عليها الزمن ولا تقي من البرد".
ويشير إلى أنه وزوجته يتناوبان على
ارتداء الملابس ذاتها في أغلب الأحيان لعدم توفر ملابس كافية لهما، وأنه يقوم
بكسوة أولاده بذات الطريقة بالتناوب، ففي أحيان تجد الولد يرتدي ملابس أخته
وبالعكس، وكل ذلك لقلة الملابس المتوفرة لديهم ولارتفاع أسعارها في الأسواق بشكل
جنوني، فقد تضاعف سعرها الأصلي من خمس إلى ست مرات على الأقل.
تاجر الملابس حسن عواد يقول ، إن قلة
العرض وزيادة الطلب الكبيرة على الملابس خاصة بعدما تكدست أعداد هائلة من النازحين
في جزء من محافظتي خان يونس والوسطى، أدى إلى افتقار الأسواق للملابس، وبالتالي
ارتفعت الأسعار، وأصبح معظم المواطنين غير قادرين على شرائها، لأنهم يفضلون توفير
الطعام والماء على توفير الملابس باهظة الثمن، ولا يقوون على توفيرها في ظل الظروف
القاسية التي يمرون بها.
أما تاجر الملابس محمد شراب،
فيقول إن ارتفاع أسعار الملابس في الأسواق
يعود لأسباب عدة منها منع الاحتلال استيرادها من الخارج عبر سياسته بمحاربة غزة
بكل السبل، وكذلك بقطع الكهرباء ومنع إدخال المواد الخام من أقمشة وخيوط وكلف
لحياكتها في مصانع القطاع، فذلك ينعكس بشكل سلبي على المواطن الذي يلمس ارتفاعا
حادا في أسعار الملابس وغيرها من متطلبات الحياة القاسية التي فرضت عليه بسبب
الحرب والحصار.
ويضيف: "عندما تعمل المصانع في
القطاع فإن ذلك أيضًا أمر ليس بالسهل ومكلف جدًا من ناحية توفير المواد الخام
والطاقة الكهربائية البديلة التي تشحن في فصل الشتاء بسبب الغيوم والأمطار وعدم
قدرة البطاريات على الشحن من الطاقة الشمسية".
ويتابع: "من الطبيعي أن ينعكس ذلك
على المواطن الذي أجبرته الظروف على تحمل الصعاب التي تفوق طاقته وإضافة أحمال جمة
فوق عاتقه، في ظل الحرب الإسرائيلية الوحشية المستمرة منذ أكثر من عام وشهرين على
التوالي".
ويذكر أنه في حال سمح الاحتلال كما فعل
في مرات نادرة سابقًا بإدخال الملابس للقطاع، فإن ذلك يكون بشكل مكلف ماديًا لأن
أسعار النقل وتأمين البضائع مرتفع جدًا، وذلك ينعكس على المستهلك، مردفًا أن أسعار
الملابس ارتفعت بنسبة كبيرة تصل لخمسة أو ستة أضعاف عن السعر الطبيعي قبل الحرب،
الأمر الذي يحرم النازحين والمواطنين من الكسوة وحماية أنفسهم من البرودة الكبيرة
التي يشعرون بها وتفتك بأجسادهم ليلا نهارا.
وتمنى من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين "أونروا" ومؤسسة "أنيرا" ومنظمة الأمم المتحدة
للطفولة "اليونيسف"، الضغط على الاحتلال الإسرائيلي وإجباره على إدخال
الملابس الشتوية وما يحتاجه النازحون من وسائل لتدفئة أنفسهم من البرد القارس، في
ظل الانقطاع المستمر للكهرباء منذ بداية الحرب حتى اللحظة.
وتشير التقارير الدولية والأممية، إلى
أن إسرائيل تمنع منذ أكثر من عام إدخال الأغطية والملابس والأحذية إلى قطاع غزة،
بما يشمل احتياجات الأطفال، في ظل دخول موسم برد قارس وظروف إنسانية كارثية.
وتلفت إلى دخول فصل الشتاء الثاني منذ
بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، في ظل نقص شديد في الملابس والأحذية التي مُنع
دخولها من معابر القطاع منذ اليوم الأول للحرب، ما عدا بعض الكميات التي دخلت كجزء
من المساعدات الإنسانية، والتي تم توزيعها على جزء صغير من النازحين، الذين بلغ
عددهم نحو مليوني شخص.
وتؤكد تلك التقارير أنه "لا يوجد
أي مبرر أو ضرورة عسكرية في القانون الدولي تسمح بمنع إدخال هذه الأساسيات إلى
السكان المدنيين"، مشيرة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يفرض قيودا على دخولها
في إطار سعيه لفرض ظروف معيشية قاسية على الفلسطينيين تؤدي إلى هلاكهم الفعلي،
وذلك ضمن جريمة الإبادة الجماعية الشاملة التي يرتكبها هناك.
وتبين المعطيات أن إجمالي ما دخل إلى
قطاع غزة من شاحنات في الفترة الماضية لم يتجاوز 6% من الاحتياجات اليومية
للمواطنين، وأغلب ذلك يتعلق بمواد غذائية، ولم يتعد ما يخص الملابس والأحذية
0.001%، ما تسبب بأزمة حقيقية، خاصة أن إسرائيل دمرت ما لا يقل عن 70% من منازل
القطاع وغالبية المحال التجارية والأسواق، بما فيها الخاصة ببيع الملابس، فضلا عن
تقييد تنسيقات إدخال البضائع للتجار.
وبحسب التقارير، يُترك مئات الآلاف من
المواطنين في قطاع غزة، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن، دون ملابس كافية
تحميهم من البرد القارس مع دخول فصل الشتاء، في ظل بقاء الغالبية العظمى من
النازحين في خيام لا تقيهم البرد والمطر، وتنذر هذه الظروف الكارثية بزيادة تعرض المواطنين
لأمراض خطيرة، مثل التهابات الجهاز التنفسي وغيرها من الأمراض المرتبطة بالبرد، في
ظل عدم توفر العناية الطبية اللازمة.
وتزداد حدة الوضع بسبب النقص الحاد في
الأدوية الأساسية اللازمة لعلاج الأمراض الناتجة عن البرد، وهو ما يُعزى بشكل
مباشر إلى الحصار التعسفي الذي يفرضه الاحتلال، علاوة على ذلك، فإن شح الغذاء وقلة
تنوعه، مع اعتماد السكان بشكل كبير على الأطعمة المعلبة، أضعف أجهزة المناعة
لديهم، ما جعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والفيروسات.
يشار إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي
تشن حربا مكتملة الأركان ضد قطاع غزة طالت كل مناحي الحياة من غذاء وماء وكساء،
وأجبرت المواطنين عنوة على النزوح من منازلهم ودمرتها، حيث بات أغلبيتهم يعيشون في
خيام لا تقيهم برد الشتاء ولا حر الصيف وتضاعف من معاناتهم.
الحقيقة الدولية - وفا