بقلم: د. ناصر الصوير
مما لا شك فيه أن إصرار حركة حماس على إقامة مهرجانها السنوي في ذكرى انطلاقتها ومن قبلها إصرار حركة فتح على إقامة مهرجان في ذكرى استشهاد الرئيس ياسر عرفات على الرغم من جميع الظروف الصعبة والمعقدة التي تمر بها القضية الفلسطينية ويعيشها الشعب الفلسطيني يؤكد مما لا يدع مجالاً للشك أن هناك أهداف ملحة للحركتين تدفعهما دفعاً لتجاوز كل المحاذير الموجودة وتجعلانهما تصران على تنظيم إقامة هذه المهرجانات في هذا الوقت بالذات.
السؤال الذي يطرح نفسه بشدة ما هي الدوافع الخفية التي تدفع بحركتي حماس وفتح إلى الإصرار على تنظيم هذه المهرجانات في هذا الوقت بالذات؟ دون أدنى شك هناك أسباب عديدة تدفع بالحركتين لتنظيم هذه المهرجانات يقف في مقدمتها أن كلا الحركتين تريد أن تثبت أن لديها من الشعبية والحضور الجماهيري الطاغي ما يؤهلها لتصدر المشهد السياسي الفلسطيني برمته، وأن لها الحق في الادعاء بأنها صاحبة الشعبية الأكبر بين سائر الحركات والأحزاب والفصائل الفلسطينية، وأنها تستحق أن تقود الشعب الفلسطيني نظراً لما تتمتع به من شعبية وتأييد جماهيري واسع بين صفوف أبناء الشعب الفلسطيني .
بالنسبة لحركة حماس فقد أصرت على تنظيم مهرجان انطلاقتها الثلاثين رغم ما يمر به قطاع غزة من ظروف أمنية وسياسية واقتصادية صعبة للغاية وحصار مطبق ومصالحة تراوح مكانها وبطالة مستشرية ومشاكل لا حصر لها في شتى المجالات، فذالك يعود إلى أن الحركة تريد ان ترد رداً عملياً على المشككين بشعبيتها والقائلين أن شعبية الحركة تراجعت لأدنى مستوياتها بعد عشر سنوات من حكمها المطلق للقطاع في أعقاب الانقسام والصراع العسكري الدامي مع حركة فتح والذي أفضى إلى تسلمها سلطة إدارة قطاع غزة بالقوة. كما أن حركة حماس تريد أن تقول لخصومها أنها حاضرة حضور الشمس في شهور الصيف وأن لديها ذخراً عسكرياً استراتيجياً هو كتائب الشهيد عز الدين القسام جناحها العسكري الذي يعتبر الدرع الواقي والحصن الحصين للحركة في مواجهة كل المخاطر والتحديات على كل الصعد وفي جميع الاتجاهات؛ كما أن حركة حماس تريد أن ترد على أولئك الذين اعتبروا الحضور الطاغي واللافت للجماهير في مهرجان الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات دليلاً على تفوق شعبية حركة فتح في القطاع على شعبيتها فأرادت أن تثبت العكس أو على الأقل أنها لا زالت في عنفوانها ولم تتأثر شعبيتها بكل الظروف المعقدة التي تعصف بالقطاع، وأن شعبيتها لا زالت في أبهى صورها. كما أن حماس أرادت من خلال تنظيم المهرجان الأخير للحركة توصيل رسالة واضحة إلى الحلفاء والأعداء على حد سواء خصوصاً إسرائيل مفادها أن حركة حماس لا زالت تملك من القوة والشعبية ما يؤهلها للصمود لسنوات طويلة قادمة وأن المراهنة على انهيار الحركة ضرب من ضروب الجنون السياسي.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة: هل تعتبر المهرجانات الحزبية دليلاً على شعبية الحزب أو الحركة؟! الجواب هنا لا في الغالب، لأن نسبة كبيرة من المشاركين في جميع المهرجانات التي تنظمها جميع التنظيمات هم نفس الأشخاص أي أن حضورهم غير مرتبط بالانتماء السياسي، وبمعنى أوضح يؤكد الكثير من المحللين السياسيين المستلقين أن أكثر من نصف المشاركين في جميع المهرجانات يشاركون بدافع الفضول والترويح عن النفس خصوصاً في ظل الحصار الذي ترزح غزة تحت وطأته منذ أكثر من 11 سنة متواصلة، كما يذهب الكثير من المحللين إلى اعتبار الأرقام التي يسوقها المنظمون لعدد المشاركين في المهرجانات أرقاماً فلكية مبالغ فيها جداً لا تمت للواقع بصلة، خصوصاً عندما يتم الحديث عن أعداد مليونية مع أن الواقع والمغطيات الصحيحة تشير لأقل بكثير من الأعداد التي يشير إليها المنظمون.
أما السؤال المهم الذي يتردد دوماً في الشارع الفلسطيني خصوصاً بين الأوساط الشعبية: هل هناك حاجة ملحة لتنظيم هذه المهرجانات خصوصاً في ظل الظروف الحالية المعروفة للجميع بقسوتها وشدتها وصعوبتها وتعقيداتها؟! أقول وبصراحة شديدة هناك رفض شعبي بل واستياء لقيام الأحزاب والفصائل الفلسطينية بتنظيم هذه المهرجانات ويعتبرها الرأي العام الفلسطيني باباً من أبواب الترف السياسي اللا مطلوب، وهناك إجماع شبه كامل على ضرورة توقف تنظيم مثل هذه المهرجانات، وذلك من منطلق أن كل حزب يعرف حجم شعبيته تمام المعرفة، كما أن الشارع يعرف أيضاً حجم هذه الشعبية، والأمر لا يستحق التضحية بكل هذا الجهد والمال من أجل قياس أو إثبات شعبية أي حزب من الأحزاب، وليس أدل على هذا الرفض الحملة التي انطلقت عبر شبكات التواصل الاجتماعي تحت شعار( لا للمهرجانات الحزبية – فقراء غزة أولى).