كامل النصيرات
الهشّ و النشّ ..ليست المشاوي مجرد فكرة فقط ..ليست أن تحضر اللحمة و الفحم و المنقل ..وليست عائلةً أو أصحاباً ينتظرون نزول الجولة الأولى و سؤال الشاوي : بالله كيف ؟ جد كيف ..؟..!!
الفكرة عندي تتفرّع لأفكار ..فيها من الحرمان و الأسى ما فيها ..فيها من القهر ما يكفي لتنشيط غضبك وزرع ذاكرتك بالمرارة ..! لذا ..وللآن ومنذ ميلادي وأنا صامد على ألاّ أقوم بالشواء لأهشّ و أنشّ في أيّ مكان ..لأن رائحة الشواء رائحة ماكرة و لئيمة تخدع كلّ الأنوف حتى البعيدة، و تتسلل إليها غير عابئة بما تفعله بالمحرومين الذين يتلوّون على لحم بطونهم ولا يجدون الطعام المستقر..!
ذات يوم ؛ كنتُ في عمارة في عمّان لي فيها مكتب للخدمات التجارية ..و كان حال شغلي واقفاً تماماً ..تمرّ عليّ أيام و ليال لا أملك ثمن أجرة الطريق ..و كان في العمارة محلّ للخضرة و الفواكه على الشارع الرئيسي ..وكنت حينما أمر من جانبه ..أنظر و أتحسّر كأيّ بني آدم يشتهي و يتمنّى ..فقررتُ أن أعطي للمحل ظهري كلّما مررت حتى أستطيع قادراً على شراء حبّة تفاحة أو قرنين موز ..و نجحتُ في تخفيف (تخفيف فقط) الألم الداخلي عن نفسي الأمارة بالفواكه..!
أولادي (اللي مش مدركين حجم المشكلة) منذ مدّة صدّعوني بأنهم يريدون أن (يهشوا و ينشوا) وأنا أرفض وبشكل قاطع ..أجلب لهم المشاوي جاهزة ؛ يلهطونها ببراعة فائقة وبعد أن يأتوا على أوّلها و آخرها يقولون لي بوقاحة : بدنا إحنا اللي نشوي ..مشاوي جاهزة ما بتمشّي معنا ..!
والله إني لقادر عليها ..ولكن ما سيكون موقفي أمام من تذهب رائحة هشّنا ونشّنا إلى أنفه ..؟ ماذا أفعل لو أن فقيرا يومها نام مقهوراً وهو يحلم بالهش و النش بسببي ..كما كان يحدث معي ..؟ لن اسامح نفسي أبداً ..! ما حد يحكيلي خذهم واطلع رحلة وهشّ ونشّ براحتك ..أولاً لا اعرف كيف أهشّ وأنش..وثانياً أعطوني مكاناً لا يراك فيه أحد وأضمن فيه ألا تستعمل الرائحة لؤمها بالتسلل لأنف صاحبه معدته خاوية ويعيش الحرمان بتفاصيل لا حدّ لها ..!!
أيّها الهاشّون و النّاشّون : رفقاً بأنوف من يحلمون برغيف مهزوم ..!
عن الدستور