حسن أبو هنية
إذا جاز وصف استراتبجية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في سوريا بالهشاشة فإنه يمكن وصف استراتيجية الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب بالكارثية حيث كان قد لخصها بتصعيد الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية ووقف الدعم عن الجماعات التي تقاتل نظام بشار الأسد وزيادة التعاون مع روسيا.
ملامح الاستراتيجية الكارثية لترامب جاءت عقب تصريحات لافتة أدلى بها في مقابلة أجرتها معه صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية حيث قال إنه يجدر على الولايات المتحدة قطع الدعم العسكري عن المعارضة السورية المسلحة واعتبر ترامب أن الفصائل التي تقاتل بشار الأسد «مجهولة» بالنسبة له وفيما هي تعمل على قتال النظام بدعم من الولايات المتحدة «ستصبح واشنطن في مواجهة مباشرة مع روسيا التي لن تتخلى عن الأسد» وأضاف ترامب أن الولايات المتحدة تقاتل النظام السوري بينما روسيا تقاتل «داعش»، في الوقت الذي «يجب أن تكون الأولوية لقتال التنظيم الإرهابي» و»اليوم إيران صارت نافذة بسببنا».
إن جوهر استراتيجية ترامب الخاصة بتدمير «داعش» والجماعات الموصوفة بالإرهابية أمثال «جبهة فتح الشام» وحلفائهما تعني ببساطة القضاء على المعارضة المعتدلة لنظام الأسد وزيادة نفوذ الجماعات الأشد تطرفا وتدفع إلى توسيع نطاق التطرف وزيادة التنسيق بين الجماعات المعتدلة ودفعها إلى تبني خيارات أكثر راديكالية وهو أمر بدا واضحا من خلال تشكيل «هيئة تحرير الشام» فنظام الأسد سعى منذ البداية إلى تدمير الجماعات المعتدلة لإظهار نفسه محاربا للإرهاب كما أن روسيا لم تنشغل منذ تدخلها سوى بالقضاء على مجموعات المعارضة المعتدلة التي وضعتها على قدم المساواة في خانة الحركات الإرهابية.
لم تعد تصريجات ترامب السابقة مجرد انطباعات عابرة فقد بدأت تأخذ بعدا عمليا فقد أفادت مؤخرا مصادر في المعارضة السورية المسلحة بتجميد مساعدات عسكرية كانت تنسقها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لمقاتلي المعارضة في شمال غرب سوريا وذلك بعد تعرضهم لهجوم كبير من جهاديين في الشهر الماضي، وبحسب وكالة رويتر تلقى المعارضون الذين يتلقون الدعم من غرفة العمليات المعروفة بموم ضربة شديدة في ديسمبر الماضي عندما أطاحت بهم القوات الحكومية بدعم حاسم من القوات الجوية الروسية وفصائل مسلحة مدعومة من إيران من شرق حلب الذي كان يعتبر معقلا للجيش السوري الحر، وقال مسؤول في فصيل بالجيش السوري الحر تلقى مساعدات من غرفة العمليات إنه لم تأت مساعدات هذا الشهر وإنه «لا توجد بوادر» وقال آخر إن اجتماعا دوريا لغرفة العمليات ألغي هذا الشهر.
يبدو أن استراتيجية ترامب في سورية تنسجم مع رؤيته الكارثية المتعلقة بتعريف «التطرف الإسلامي» حيث تنمحي المسافات بين التطرف والاعتدال في حالة الإسلام حيث تعمل استراتيجيته على تقويض كافة الجهود التي بذلتها إدارة أوباما في نسج علاقات مع المعارضة المعتدلة وحسب تشارلز لستر وعلى خلاف زعم ترامب تعرف واشنطن حق المعرفة من هم «أولئك» الذين تدعمهم في سورية، فوكالة الاستخبارات المركزية أرست شبكة علاقات معقدة مع عشرات مقاتلي «الجيش السوري الحر» منذ نهاية 2012، واليوم، تدعم من طريق برنامج اسمه «تيمبر سيكامور» 80 مجموعة سورية بالتنسيق مع حلفاء دوليين وإقليميين، وأرست الولايات المتحدة آلية ضبط الدعم الدولي للمعارضة السورية وقيدت خطر وصول أسلحة المعارضة ومقاتليها إلى داعش.
لقد بات واضحا أن استراتيجية أوباما المتعلقة بالحرب على الإرهاب عموما وفي سوريا خصوصا تقتصر على معالجة الأعراض ولا تلتفت إلى الأسباب العميقة للتطرف والإرهاب وهي تتمثل بإجماع الخبراء في الدكتاتورية وغياب العدالة والفساد ويبدو أن الديكتاتوريات سعيدة بهذه المقاربة والأسد هو الأكثر سعادة الذي لا يفتأ ولا يمل من تكرار مقولة أنه يحارب الإرهاب في كافة المناسبات والمؤتمرات.
استثمرت المجموعات المتحدرة من تنظيم «القاعدة» وقف دعم الفصائل المعتدلة واستراتيجية ترامب الكارثية فـجبهة فتح الشام ــ جبهة النصرة سابقاً عملت على توسيع نفوذها وهاجمت مع حلفائها فصائل الجيش الحر في الجبهة الشمالية وفي الجبهة الجنوبية وأعلنت عن ضم فصائل جهادية بارزة في الشمال السوري من خلال عملية اندماج كبرى أسفرت عن تشكيل جديد أطلق عليه اسم «هيئة تحرير الشام»، يقودها الأمير السابق لحركة «أحرار الشام الإسلامية» هاشم الشيخ، الملقّب بأبي جابر الشيخ، بمباركة دعاة وشيوخ في مقدمتهم القاضي العام في «جيش الفتح» السعودي عبدالله المحيسني وتضم «هيئة تحرير الشام» كلا من «جبهة فتح الشام»، و»حركة نورالدين زنكي»، و»لواء الحق»، و»جبهة أنصار الدين»، و»جيش السنة».
خلاصة القول أن استراتيجية ترامب في سوريا قد تتمكن على المدى القصير من إضعاف تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات القريبة من القاعدة كهيئة تحرير الشام إلا أنها سوف تفضي على المدى المتوسط والبعيد إلى تقويض المعارضة المعتدلة وتعمل على ردكلة جيل جديد ولا يمكن أن تقود إلى حل سياسي يعالج الأسباب العميقة للتطرف فاستراتيجية ترامب كارثية ولا تعالج سوى الأعراض.
عن الرأي