القسم : بوابة الحقيقة
الاتفاق السعودي الإيراني وغزوة أخرى ناجحة للصين
نشر بتاريخ : 3/14/2023 7:11:45 PM
د. منذر الحوارات

لا يعود الخلاف السعودي الإيراني للعام 2016 عندما أغلقت السعودية سفارتها وقطعت العلاقات الدبلوماسية بسبب الهجوم الذي تعرضت له في طهران، بل جذور العداوة أبعد من ذلك بكثير، فبداية المواجهة كانت مع وصول الخميني الى السلطة، حينما أعلن ان الثورة لن تقتصر على إيران بل تتجاوزها إلى دول المنطقة لإسقاط الطغاة وإقامة نظام الولي الفقيه، واعتباراً من هنا احتدم الصراع بين معسكرين، فكانت حرب الخليج الأولى بداية إرهاصاتها وتوالت بعدها المواجهة بالوكالة بين الدولتين، تراوحت حدتها بين صعود وهبوط وكان حادث الهجوم على السفارة واحد من تجلياتها وليس أصل الخلاف.

 

اتخذت إيران من الربيع العربي حصان طروادة كي تتدخل في العديد من الدول العربية بواسطة مليشياتها المدربة والمؤدلجة جيداً بفكرة الولي الفقيه، أدركت السعودية أن إيران بدأت تتقدم بشكل سريع في أماكن كان للمملكة فيها مكانة مميزة، فهي تسيدت كلا من اليمن والعراق وسورية ولبنان وأصبحت هي الآمر الناهي في هذه الدول، وهذا شكل تراجعاً ليس لدور السعودية فقط بل لدور الولايات المتحدة والتي ركزت جُل جهودها على البرنامج النووي الإيراني إكراماً لرغبة إسرائيل، وبتنا لا نسمع خلال المرحلة الماضية سوى فيض لا ينتهي من الخطوط الحمراء والتهديدات، طبعاً وصلت الأمور الى ذروتها حينما أعلنت الوكالة الدولية عن وصول إيران الى مستوى تخصيب يقترب من 90 % وهو المستوى الذي سيمكن إيران من امتلاك قنبلة نووية خلال 12 يوما وهذا الحدّ لا يمكن التواطؤ معه والسكوت عليه لا إسرائيلياً ولا أميركياً وذلك اعطى الانطباع باحتمال توجيه ضربة عسكرية لتلك المنشآت بواسطة إسرائيل.

 

لكن كيف يمكن ربط ذلك بالاتفاق السعودي الإيراني؟ على ما يبدو أن كل طرف يريد تحييد الآخر عن ساحة الصراع، فإيران ترغب في أن تبعد دول الخليج وفي مقدمتها السعودية عن الاشتراك في هذه الضربة وهذا لن يتم إلا بالتقارب معها، وربما ينطبق الأمر على السعودية وهي التي تعلم أن إيران لن ترد بنفسها على إسرائيل بل ستستخدم أدواتها في المنطقة لتقوم بذلك، لأنها لو فعلت ذلك بنفسها ستغضب الولايات المتحدة وبالتالي ستدخلها مرغمة في الصراع وإيران أذكى من أن تفعل هذا، وبالتالي سيكون ردها الموجع في منطقة الخليج العربي وربما تطال بعض الأهداف الأميركية بدون إراقة الدماء، لذلك اعتمدت الإستراتيجية السعودية على نزع الفتيل الذي سيشعل صاعق الحرب مع إيران فكان هذا أحد الأسباب الرئيسية للتقارب عدا عن رغبة السعودية في التخلص من التلويح الأميركي للسعودية بالخطر الايراني يضاف اليه رغبتها بتوجيه لطمة للولايات المتحدة بسبب موقفها المتعجرف مع السعودية بالذات موقف الحزب الديمقراطي.

 

طبعاً أدركت الصين على ما يبدو معادلة كل من الطرفين وهي التي اعتمدت دوماً فكرة التأني الإستراتيجي في الاستحواذ على المناطق المختلفة، ففي البدء كان الاقتصاد والتنمية فقط وهي نجحت في هذا الجانب، والآن تغزو المنطقة سياسياً، ولا أشك للحظة أنها ستكون حاضرة عسكرياً خلال السنوات القادمة، فهي تخطو بتأن شديد وإن كانت قد سارعت الخطى خلال الفترة الأخيرة مستغلة انشغال أميركا بالحرب الأوكرانية والصراع مع روسيا وتركيزها على أمن المحيطين، لكنها عاجلاً أم آجلاً ستضطر للمواجهة مع الولايات المتحدة لأن جُل وارداتها من الطاقة من منطقة الخليج بطرفيه إيران والسعودية، وهي هنا وكأنها تعيد بناء مبدأ نيكسون المعتمد على نظام الدعامتين السعودية وإيران لحفظ الاستقرار في المنطقة، طبعاً أميركا المنزعجة من التحرك الصيني لن تقف متفرجة أمام هذا التغلغل الصيني.

 

لا شك أن إعادة العلاقات أمر مهم يأمل الجميع أن ينعكس على كل الملفات في المنطقة ابتداء من اليمن مروراً بالعراق وسورية ولبنان، لكن طبيعة الصراع بين البلدين أعمق بكثير من أن تُحل بسهولة، فإيران ما تزال تستبيح الدول المذكورة وتفرض أجندتها عليها، وهي ما تزال تمتلك برنامجا صاروخيا فتاكا وطائرات مسيرة شديدة الخطورة، وفي أثناء الاتفاق تشتري أسلحة متطورة من روسيا، والسعودية تدرك ذلك جيداً ويبدو أنها تريد أن تعبر المرحلة كما تريد ذلك إيران، بالتالي فإن اتفاق إعادة العلاقات لا يعدو عن كونه تهدئة مؤقتة أكثر من كونها بداية لاتفاق شامل يطال جميع الملفات، ومع ذلك ترتفع الأكف في المنطقة أملاً في أن يكون بداية لاتفاق شامل بالذات أن التواصل المباشر قد عاد مما يسمح بنقاش جميع الملفات بشكل مباشر.

 

أما بالنسبة للصين، فبدون شك أن خطواتها المتأنية والناعمة والتي تعتمد على الاقتصاد ونشر السلام بمفاهيم صينية باتت توجع قلب الولايات المتحدة وتؤرق مضاجعها، وعلى ما يبدو أن كل طرف استخدم الاتفاق لغاياته الخاصة، فالصين تدشن مرحلة جديدة في علاقاتها الشرق أوسطية، والسعودية تبعث برسالة للولايات المتحدة بعد أن قلبت الطاولة رأساً على عقب بأن القطار على وشك أن يفوتها إن هي لم تعدل سياستها تجاه المملكة، وإيران تريد أن تؤكد للغرب بأنها قادرة على إقامة تحالفات راسخة تمكنها من العبور فوق كل التهديدات، إذاً هو لقاء الأذكياء الثلاثة والغاية الولايات المتحدة فهل يحقق كل طرف ما يريد؟ وهل تستوعب اميركا الدرس؟ الإجابة مرهونة بالمستقبل.

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023