بقلم: د. وليد المعاني
أكتب اليوم في خضم الحراك الأكاديمي
والتربوي المتعلق بموضوع الثانوية العامة والجدل الذي نظهر فيه متفرقين كأننا لا
نعرف شيئا، وكأن هذا الوطن لم يعلم الناس كلهم القراءة والكتابة، فأخذ كل يفتي على
هواه ولأغراضه.
أثبتت التجارب والخبرات على مر العصور
أن أقصر الخطوط هو المستقيم منها، وأن أنجع الحلول هو أبسطها، وكم من مرة قال
الناس فيها: كيف لم نر هذا وهو أمام أعيننا؟.
أقول هذا كله كمدخل للخوض من جديد في
ماراثون الاقتراحات والاقتراحات المضادة، والدراسات، والدراسات البديلة،
والاستراتيجيات، والاستراتيجيات المكملة، وآراء الخبراء التربويين والخبراء
الاستراتيجيين، وآراء من هب ودب. ولأقول بأننا يجب وكما يقول الأردنيون عندما
يصيبهم الملل «دعونا نفض هالطابق».
فما هو الخطأ في، وماذا سيضيرنا لو
طلعت علينا شمس الغد، وكانت الثانوية العامة بمسار واحد؟ الجواب لا شيء.
وماذا سيضيرنا لو أن مواد الثانوية
العامة تم توحيدها لجميع الطلبة: عشر مواد؟ الجواب لا شيء.
وماذا لو قسمنا هذه المواد لمجموعتين؛
واحدة إجبارية تبحث في الهوية والوطن ومهارات الاتصال، والأخرى اختيارية يختار
منها الطالب ما يروقه وما يحبه وما يريد أن يختص فيه وما تطلبه الجامعة كشرط
للالتحاق بها؟ الجواب لا شيء.
لهذا كله، أقدم لكم مقترحا محددا قابلا
للتطبيق، يحتاج لجلسة واحدة من مجلس التربية لإقراره لأنني أعتقد أن لا خلاف عليه،
وهو حسب علمي مقبول من الطلبة وذويهم ومن المعلمين ومن التربويين.
الركيزة الأولى للمقترح:
تؤكد أن الثانوية العامة هي امتحان
لقياس تحصيل الطالب ويتم في نهاية المدة المقررة للدراسة ضمن التعليم العام، وعليه
ولقياس هذا التحصيل الطالب يمتحن في 10 مواد، ضمن مجموعتين:
الأولى: مجموعة المواد الأساسية وهي
أربع مواد إجبارية يدرسها جميع الطلبة دون استثناء وهي: اللغة العربية واللغة
الإنجليزية والتربية الدينية والتربية الوطنية.
الثانية: مجموعة المواد التخصصية، وهي
مجموعة اختيارية يختارها الطالب من ضمن عدد من المجموعات، وتحتوي كل مجموعة على ست
مواد لها ارتباط بحقل معرفي معين، وكمثال على الحقول يمكن أن يكون هناك حقل للمجال
الحيوي والطبي وما شابهه، وفيه ست مواد وحقل للمجال الإنساني والاجتماعي وما
شابهه، وفيه ست مواد وحقل للمجال الهندسي والحاسوبي وما شابهه، وفيه ست مواد
وغيرها.. ويحدد هذه الحقول لجنة مشتركة من مجلس التربية والتعليم ومجلس التعليم
العالي.
وعلى هذا الأساس لا يجوز الالتحاق
بتخصص معين في الجامعة من ضمن حقل معرفي معين إلا إن كانت مواده قد تمت دراستها في
المجموعة المعينة.
الركيزة الثانية للمقترح:
خلافا للمفهوم الدارج بأن الامتحان
يكون في مواد الصف الثاني عشر، فإن هذا المقترح يأخذ في الاعتبار الصف الحادي عشر
كذلك. وعليه تعتبر السنة الدراسية الأخيرة والسنة التي تسبقها، هي الفترة الزمنية
المحددة لدراسة المواد العشر وتقديم الامتحانات فيها (الصف 11 والصف 12).
ولتنفيذ المقترح وتحقيق المطلوب
تُقسَّم المواد العشر وتدرس ويتم الامتحان فيها مناصفة، خمس في كل سنة (فصلين)،
ولا يجوز أن تعبر مادة بين السنتين، فالمادة تبدأ وتنتهي في نفس العام الدراسي، هي
وامتحاناتها.
يعطى الطالب وثيقة منفصلة بكل مادة نجح
فيها، وعلامته التي حصل عليها، وقد تكون وثيقة إلكترونية محمية (يمكن للطالب أن
يستخدم هذه الوثائق للالتحاق بجامعات تعتمدها).
ويعطى الطالب بعد انتهائه من أداء
الامتحانات في المواد العشر كلها، شهادة رسمية تسمى شهادة الدراسة الثانوية العامة
الأردنية، رصدت فيها المواد التي درسها، والحدود الدنيا والعليا للنجاح فيها،
والعلامات التي حصل عليها، ويحسب له معدل من مائة يكتب رقما وكتابة، ويوقع الشهادة
من ينص عليهم القانون، (تستخدم هذه الشهادة في الدول والجامعات التي تشترط وجود
وثيقة مجمعة للالتحاق بالجامعة).
تبدل المناهج والمقررات الدراسية بما
يتفق مع المواد المحددة في حقول المعرفة، وأهداف التعليم الحديث، وتستخدم التقنيات
وأساليب التدريس الحديثة ما أمكن، وتختصر المناهج ويزال الحشو واللغو الموجود
فيها، وقد يقتضي الأمر العودة رجوعا في المناهج (ابتداء من الصف الأول وتبنى
المعرفة عليه في كل سنة لاحقة حتى الصف الثاني عشر) بحيث تخدم مناهج الصفوف
الأساسية المناهج الجديدة. ولتنفيذ هذا الأمر، يختار من المعلمين أكثرهم كفاءة
للتدريس في الصفين 11 و12.
ولوضع شهادة الدراسة الثانوية في وضعها
الحقيقي (هي امتحان قبول جامعي وليست وثيقة لأي هدف آخر)، تصدر المدرسة التي تخرج
منها الطالب شهادة تسمى شهادة إكمال الدراسة الثانوية (تصدقها أوتوماتيكيا وزارة
التربية والتعليم)، وهي شهادة لا علامات فيها، ولا نجاح أو رسوب. أي أنها شهادة
تقول إن هذا الطالب قد أنهى مرحلة الدراسة الثانوية. وهي الشهادة التي يتم على
أساسها تشغيل أو تعيين من نريد منهم أن يكونوا مؤهلين لهذا الحد من الدراسة. لأنه
على هذا المستوى من التأهيل لا يوجد ضرورة لبيان النجاح أو الرسوب، إذ إن الهدف هو
التأكد من معرفة القراءة والكتابة وما شابه ذلك. فما الفرق بين من رسب بــ59 % ومن
نجح بــ60 % للوظيفة المعنية. ويتحتم على ديوان الخدمة المدنية أخد ذلك بعين
الاعتبار.
يمكن الإضافة لهذا المقترح المتكامل،
إضافة أكثر جرأة وطموحا، وهي كالتالي:
أولا: تستخدم السنوات (11 و12) لتنفيذ
البرنامج أعلاه، وتسمى (الصف التحضيري الجامعي) لغايات الدراسة الجامعية.
ثانيا: تعتبر المواد التي تدرس في أي
من الصفين (11 و12) مواد من نوع مواد (101) الجامعية وتعادل بها، ويعفى الطالب
الجامعي منها، ولا تعاد دراستها بعد الالتحاق بالجامعة، وتعتبر مواد جامعية من ضمن
الخطة الدراسية، ولكن لا تحسب علاماتها ضمن المعدل الجامعي.
ثالثا: ينتج عن تطبيق المقترح الإضافي
أن يلتحق بالجامعة طلبة أكثر جدية. وسيتم توفير كلفة دراسة السنة الجامعية الأولى
على الطلبة وذويهم، فهؤلاء سيدرسونها داخل مدارسهم. وسيقل عدد طلبة الجامعات
الرسمية بمقدار الربع وذلك لعدم وجود طلبة سنة أولى فيها، وبالتالي سيقل الازدحام
في الجامعات وستلتقط الجامعات أنفاسها، فبنيتها التحتية قد تصبح كافية، وستزداد
نسبة أعضاء هيئة التدريس للطلبة بما يمكن الجامعات من تحقيق شروط الاعتماد الذي
كان من المفروض تنفيذها العام 2012.
الأمر يحتاج لشجاعة وحسم، فمن غير
المبرر لبلد كبلدنا وبعد كل هذه الأجيال المتعلمة التي خرجت منه والتي بنت الدول
وقدمت للحضارة الشيء الكثير، أن نخوض في جدل عقيم، نخوض فيه صباح مساء، كأن لا شيء
يقلقنا إلا هذا الأمر.
ملاحظة: كتبت هذا المقترح العام 2009،
وعدلته العام 2018 وأنشره اليوم بصورته النهائية.
* وزير التربية والتعليم، وزير التعليم
العالي والبحث العلمي الأسبق