الحديث عن الحريات يقودنا لطرق متعددة،
قليل منّا يتفق مع الآخر بها، ففي الحديث عنها تختلف الآراء ووجهات النظر، وأنا
هنا أتحدث عن حرية الرأي والتعبير، وفي الإختلاف بهذا الجانب اتفاق على الصواب
وليس عيبا في أي طرح خاص بالحريات وممارستها، ذلك أن الاختلاف ظاهرة صحيّة ينتج
عنها أفكار وآراء تثري من مشهدها وتجعله أكثر تنوّعا.
ولكن في سياق الحديث عن موضوع الحريات،
على الجميع ادراك أن خيطا رفيعا بين الحرية المسؤولة والحرية المطلقة التي تغفل أي
خصوصية للأشخاص وحياتهم، أو أي أسس اجتماعية أو اقتصادية أو حتى سياسية في بعض
الأحيان، نحن عندها لا نتحدث عن الحرية الصحيّة التي باتت اليوم حاجة وليست ترفا،
ذلك أن غياب المسؤولية فيما يكتب أي شخص يرغب بالكتابة حتى ولو كان في وسائل
العالم الافتراضي، يفرّغ الحرية من جوهرها الايجابي ويجعلها سلاحا في وجه العادات
والتقاليد وربما ضد المصالح الوطنية، وضد سلامة المجتمع وامنه، عندها لا تصبح
الحرية حقا.
وفي ظل الحديث اليوم عن ثورة اصلاحية
بيضاء، حتما تعدّ الحريات إحدى روافعه الأساسية، وكما أسلفت بين الحرية المطقلة
والمسوؤلة خيط خفيف، على الجميع التنبّه له، فمارسة الحريات دون مراعاة خصوصية الآخرين،
ومصالحنا الوطنية عندها تفقد معناها ، ففي انفصالها عن القيم والعدالة وخصوصية
الآخر، لا تعود عندها حرية، انما ديكتاتورية التعبير .
الحريات قيمة تقود المجتمعات نحو
الكثير من الايجابية والاصلاح، والتنمية، إذا ما مورست بشكل صحيح، وفي وضع الضوابط
ليس انتقاصا من هذه الحريات أو اقصاءها عن مبدأ أنها حق من حقوق المواطنين كافة،
ذلك أن لكل مسارات حياتنا ضوابط فلماذا نستثني الحريات من ذلك؟، بل على العكس قد
تكون الحريات وضبط ايقاعها تجعل منها قيمة حقيقية لصالح الوطن والمواطن، ويدفع
باتجاه مزيد من الحريات وتمنحها قوّة حقيقية للسير بالاتجاه الصحيح، وليس العكس
وفق ما يفسره البعض بأنها شكل من أشكال تاخير خطى الحريات أو عرقلتها أو تقيّدها.
العشوائية تقود دوما للخطأ، وترك مركب
الحرية يسير دون تحديد وجهة بوصلته بشكل سليم يبتعد عن اغتيال الشخصيات، أو اختراع
أحداث الغرض منها الإساءة لشخص أو قطاع وربما للوطن في بعض الأحيان، أو توجيه
اتهامات دون أدلة، أو غيرها من الممارسات السلبية التي يزخرفها أصحابها بصفة
الحرية حق، تفقد الحرية من جوهرها، كونها حقا وكذلك موقفا مسؤولا وفكرا ناضجا
وممارسة ايجابية، وللأسف ما يحدث من البعض باسم الحرية لا علاقة له بهذا الواقع
وتجعلنا نعيش وهم الحريات وليس حقيقتها .
علينا جميعا الإيمان المطلق بأن
المسؤولية لا تخدش سقف الحريات، إنما تنظمها وتجعلها حقا مصانا لا يمكن لأحد
التدخل في بيتها الداخلي ما دامت تسير وفق ضوابط فكرية وعقلانية، وحتما تدفع باتجاه
انضاجها ويضعها في مكانها اللائق، ويبرئها من تهمة المساس بالغير، وتشويه حياة
الآخر، ذلك أن الحرية أن تمارس الحق لا أن تحبس ذاتك وأفكارك في ضيق الخطأ
والسلبيات لذاتك أولا وللآخر ثانيا وثالثا وعاشرا .