بقلم: المحامي محمد الصبيحي
بعد أن عذبت الناس أشهرا وبعد دراسة ولجان أطلقت الحكومة فقاعة صابون وقانون وهمي يسمى زورا قانون العفو العام .
تلك هي الحقيقة التي يعرفها جيدا رجال القانون الذين قرأوا النصوص جيدا ويعرفون نتائجها العملية على تسعة عشر ألف مواطن ومواطنة مكدسون في السجون .
في التحقيق الصحفي الذي نشرته ( الرأي ) أمس الثلاثاء عن السجون التي نسميها زورا مراكز اصلاح وتأهيل تبين أن السواد الأعظم من السجناء محكومون بقضايا مالية ٬ يعني باللغة البسيطة ديون منفذة أمام دائرة التنفيذ التي كان اسمها دائرة الإجراء ٬ وهي كمبيالات بنوك وتجار وصناديق تمويل وأحكام مالية ناتجة عن قضايا حقوقية ليس لها علاقة بالعفو العام وأخرى قضايا مالية شيكات ايضا لم تسدد ولا تسقط الا بالتسديد وما بقي قد لا يتجاوز ربع العدد قضايا جنائية ايضا غير مشمولة بالعفو .
وللعلم فإن إحصائية عن دائرة تنفيذ واحدة في محكمة من محاكم عمان تبين منها أن ٦٠٠ سجين يشمل العفو العام قضاياهم ولكنهم لن يخرجوا من السجن لوجود احكام حبس في قضايا أخرى من قاضي التنفيذ تنتظر التنفيذ على أقساط مالية غير مسددة، يعني فرحة ما تمت . هذا في محكمة واحدة فقط .
مشروع قانون العفو العام قانون احتسب ماليا على أساس الربح والخسارة فاستثني كل ما يعفي المواطن من الدفع ما عدا بعض مخالفات السير البسيطة والنادرة اما مخالفات قانون العمل وقانون الإقامة فاستثنيت من العفو وكأن العامل الأجنبي هو من سيدفع الغرامات وليس الاردني الذي عجز عن استصدار تصريح العمل أو اضطر للمخالفة .
الهدف هنا مالي واجتماعي فالحكومة تقرر حجز العمالة الوافدة في البلد وعدم إتاحة الفرصة لتصويب الاوضاع أو المغادرة رغم أننا نشكو من مشاركة الوافدين لنا في كل ما يطاله الدعم وفي الموارد المائية والصحية والبيئية .
وحين يصرح وزير العدل أن العفو العام يشمل خمسة آلاف جريمة فهو صادق ولكنها كلها تقريبا أشبه بنكتة فمثلا العفو يشمل جريمة اقتناء كلب دون ترخيص وجريمة تحميل دابة ( حمار ) اكثر من طاقته وجريمة الاستحمام على مرأى من المارة وجريمة إهمال تنظيف المواقد والافران .
ويشمل جريمة قتل قطة أو دجاجة أو ضربهما ،ويشمل مئات المخالفات النادرة في عشرات القوانين الأخرى غير قانون العقوبات .
العبرة يا معالي الوزير ليست في عدد الجرائم المشمولة بالعفو العام وانما بعدد من سيخرجون من السجون ويعودون لعائلاتهم وأعمالهم ، والعبرة بالنتائج الاجتماعية للعفو فالمستهدف هو الإنسان وليس الخزينة .
وحين وجه جلالة الملك الحكومة إلى إعداد قانون العفو العام شدد - حرفيا - ( على ضرورة أن يسهم قانون العفو العام في التخفيف من الأعباء التي ثقل كاهل المواطنين ويساعد في التخفيف من وطأة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يمرون بها )..
الحكومة فعلت العكس تماما ولم تجرؤ على مس مصالح البنوك ومؤسسات التمويل وصناديق اغراق المرأة بأن يشمل العفو العام الحبس التنفيذي لمدة عام اخيرا اقول أننا بالفعل نحتاج الى حكومة سياسيين ورجال دولة وليس حكومة حسبة وسوبر ماركت .