بقلم:
د.فتحي الخوالدة
في سنيها الغضَّة وعلى أطراف
البدايات تهادت الجمعية الأردنية للعلوم التربوية
بقياداتها وكوادرها ، أو قل برجال ،كريمة أنسابهم، شم الأنوف من الطراز
الأول بغية صناعة مشهد تربوي ما لبث مليا حتى استبانت معالمه ، واستوت على الشاطئ سفينته
.
وبفكرة تحمل سمو الهدف، و جمالية الحضور،
واختصار المسافة ،وتوفير الزمن استطاعت أن تتجاوز التقليد، وتتخطى العقبات لتدخل
عالم التميز والإنجاز بخطوات ثابتة، ومهنية تتجاوز الروتين القاتل الذي يجده من
يطمح للراحة والاستجمام، فالجمعية فكرة بل رؤيا ثم مسار بدأت تنضج حين
اختار روادها الاسم فكانت كما أردوا ،إذ تأسرك وأنت تقرأ أبجدياتهم المتلهفة
جودة السبك ، وعمق الفكرة، وبعد النظرة المستقبلية، فتقع عينك على جهود تبني
عالما من التكامل التعلیمي والقیمي برسالة ھادفة قوامها الأردن وأجياله،
واستثمار العقل البشري بوصفه طاقة خلّاقة تبني الجيل، وترسّخ لثقافة البناء
الحقيقي في الفرد والمؤسسة والدولة من خلال تطوير منظومة التعليم بكل
تفصيلاتها .
ولا شك في أنني في هذه العجالة قد لا أفي
الجمعية حقها في سرد المنجزات، فهي أكبر من أن تضمها عبارات مقالة مقتضبة لكني أعي
أن المنجز يتحدث عن نفسه، وأن الفكرة العابرة للتقليد، وتكرار الذات ، تؤتي أكلها
في أرض الوطن بمدى إيمان أصحابها بسمو الرسالة وجلالة التبعة حتى تهتز وتُنبت من
كل زوج بهيج .
فمن فكرة تطوير منظومة
التعليم" وتكوين حاضنة تعنى بالتربويين ومنظومة التعليم كان الهاجس
يتمحور حول قيادة حراك واع على مستوى التعليم المدرسي والتعليم العالي؛ لإعادة
الألق للتعليم ومنظومته، إذ لا تطور لمجتمع لا يُلقي بالا لمنظومة التعليم وبرامجه
كما يقول مؤسس الجمعية معالي الدكتور راتب السعود" .لذا كانت الندوات
والمؤتمرات من قبل مؤسسات الجمعية للنهوض بهذا الجانب، واستضافةِ الخبراء
والمختصين ، والتأسيس لثقافة التجديد والتطوير في مؤسساتنا التربوية، وصناعة الوعي
الثقافي المفضي إلى تعديل البرامج التعليمية وتقويمها ، وصياغة منظومتها الجديدة
وفق متطلبات العصر ومعالمه الحضارية.
ولم يألُ رواد الجمعية جهدا في وضع
أنفسهم على منصة مؤسسات التعليم العالمي من خلال المشاركة في المؤتمرات الخارجية ،
ودراسة التجارب الدولية ، ووضع مقاربة هادفة لتذليل الصعاب، والاقتراب من المنظومة
المتطورة للتعليم في الدول المتقدمة مع الأخذ بعين الاعتبار جهود الدولة الأردنية
بقيادة جلالة الملك عبد الله بن الحسين حفظه الله ورسالة الهاشميين منذ فجر
التاريخ في تطوير منظومة التعليم وتعميقها، ووضع الأردن في مصافي الدولة الرائدة
في مجال التعليم بجهود المخلصين والأوفياء من أبناء هذا الوطن المعطاء.
ويُعدّ التطوّر اللافت في هذه المسيرة
المباركة إقرار مجلس التعليم العالي"من حيث المبدأ الموافقة على المعايير
المقترحة لتجويد مخرجات كليات التربية في الجامعات الأردنية، وتحديد نتاجات التعلم
المطلوبة ضمن البرامج ذات العلاقة بتأهيل المعلمين، وإعداد خريجين مؤهلين من كليات
التربية قادرين على النهوض بمستوى العملية التعليمية التعلمية خاصة في المدارس ذات
الظروف الخاصة والأقل حظاً، والتي نسّبت بها الجمعية الأردنية للعلوم التربوية على
أن يتم إرسال المقترحات إلى اللجنة المشكلة برئاسة الأستاذ الدكتور رئيس هيئة اعتماد
مؤسسات التعليم العالي لتضمين ما ورد فيها في توصيات اللجنة التي شُكلت لتقييم
برامج الكليات التربوية في الجامعات الأردنية.
في هذا الصدد يمكن أن يُشْكر معالي وزير
التعليم العالي الدكتور عادل الطويسي الذي أعطى القوس باريها، وإذا ما كتب الله
للخطة أن تمضي في مسارها يكون قد قدّم خدمة جليلة لوطنه ستبقى في سفر إنجازاته
التي يشار لها في البنان ، وستذكرها الأجيال عزةً وافتخاراً.
وإذا كنتَ في ريب مما بين العلم والأخلاق
من تعالق جميل فإن لك في مسار رئيس هذه الجمعية ورائدها معالي الدكتور راتب
السعود دليلا على مصداق قول الأقدمين _ إن المعرفة الحق هي في
تمام كمال العلم وكمال العمل إذ تأسرك تلك الابتسامة الأخاذة التي
تصطحب محياه الجميل، فتستبين لك بعدها على عجل أنك أمام طود شامخ، وقامة تربوية
تعي ما تصنع وسط هدير الحياة وضجيجها ، فلا يخطئ الرجل مجراه في صياغة منظومة
متميزة من العمل المشترك ، والحراك الفاعل ، والقيادة المنظمة ، فكان كما أراد
رجلا بحجم وطن طهرا وعفافا وعلما ومعرفة وبناء وإنجازا، وما هذه الإنجازات
إلا قطرة في بحر إسهاماته التي تبقى شامة في وجه الوطن، ونبراسا في سماء العلم
والمعرفة، وفخرا في قصيدة الوطن.
وتبقى هذه المؤسسة بروادها دليلا على أن
في الوطن صوتا جميلا ، وفعلا خلّاقا ، ومخلصين يبنون للمجد صرحا ، ويجعلون
سنيّه وأيامه رشيقات القوام ،بهيات الطّلة ، يختزِلْنَ الزمن تطورا وعطاء،
وإنجازا لا یعرف التردد والانحسار.