الحقيقة الدولية – عمان
تباينت آراء خبراء في المناخ حول مدى دقة توقعات وكالات أرصاد جوية أوروبية من "قساوة" الشتاء المقبل وحدّة تأثيرها على منطقة شرق المتوسط.
وبحسب تقارير تلك المراكز، فإن القارة الأوروبية تمر منذ خمسة أعوام بشتاء بارد ستبلغ ذروته خلال الشتاء المقبل، متوقعة أن يكون باردا جدا نتيجة انخفاض النشاط الشمسي وسلبية تذبذب شمال المحيط الأطلسي، ما سينعكس على دخول مبكر لفصل الشتاء، بالإضافة لمؤشرات بعواصف ثلجية في منطقة شمال السعودية وبلاد الشام.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه مختصون بمجال الأرصاد والتنبؤات الجوية، أن تأثير المنخفضات الجوية، التي توقعتها مراكز أرصاد أوروبية متخصصة، سيكون إيجابيا على منطقة المتوسط من حيث عدد المنخفضات المتوقع مرورها، وشدة الهطول المطري، وتساقط الثلوج وغيرها، أكد آخرون أن تأثير التغير المناخي على المنطقة "عكس" حالة الجو في طبقات الجو العليا ما بين الحرارة في أوروبا ومنطقة المتوسط.
وقال المدير العام السابق لدائرة الأرصاد الجوية والخبير المناخي عبد الحليم أبو هزيم وفق "الغد" إنه في ظل التوقعات التي أعلنت عنها وكالات الأرصاد الأوروبية، فإن المنخفضات الجوية على منطقة أوروبا ستؤثر بشكل حتمي على منطقة شرق المتوسط بشكلها الإيجابي.
وأضاف أن التأثر بالبرودة الشديدة في المنطقة الأوروبية سينعكس على منطقة شرق المتوسط إيجابا من حيث عدد المنخفضات، وشدة الهطول المطري، وتساقط الثلوج، وتواصل الفيضانات، وانعكاسه ايجابا على مخزون المياه.
واعتبر ابو هزيم أن وكالات الأرصاد الأوروبية لا تصدر بيانات حول توقعات تتعلق بمؤشرات الأحوال الجوية، "إلا بناء على خرائط موثوقة، سيما وأنها لا تعرض مصداقيتها للانتقاد".
وخالف أستاذ المناخ في الجامعة الأردنية نعمان شحادة رأي ابو هزيم بخصوص طبيعة "الأساس" الذي استندت إليه توقعات المراكز الأوروبية، في وقت يعد فيه مجال الخطأ كبيرا كلما امتدت فترة التنبؤ المناخي، وذلك على الصعيد العلمي.
وقال "رغم القدرات العلمية والتكنولوجية الكبيرة لدى تلك المراكز، إلا أن التغير المناخي أثر كثيرا على طبيعة المناخ وغيّر من السيناريوهات الجوية المتوقعة، معتبرا أن "من الصعب جدا التنبؤ بدقة تأثيراته".
وبين شحادة أن التغير المناخي انعكس على منطقة شرق المتوسط بشكل ارتفاع على درجات الحرارة وليس انخفاضها، حيث كانت طبيعة هذا الانعكاس عكسية، موضحا أن حالة الجو في المنطقة خلال الشتاء الماضي سجلت حالة بعكس ما شهدته القارة الأوروبية تماما بسبب "تعاكس" حالة الجو في طبقات الجو العليا.
وبينما امتدت فترة التنبؤات الجوية الأوروبية لتشمل الموسم الشتوي بأكمله، أعلن مركز "طقس العرب" الإقليمي، عن تنبؤات بمنخفض جوي تشريني مبكر، بناء على ما وصفه بالـ "الإشارات الإيجابية التي تتوالى من الخرائط الجوية طويلة المدى والمُستلمة لدى كادر التنبؤات الجوية في المركز".
وقال المركز "إن هذه الخرائط "تصب في مصلحة جنوب شرق القارة الأوروبية وتركيا ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بما فيها المملكة".
وبين أن الإشارة المتعلقة بتمركز قوي لمنخفض جوي في شرق المحيط الأطلسي ما تزال موجودة وبقوة، الأمر الذي يدفع بتيارات هوائية حارة نسبيا في طبقات الجو كافة من المملكة المغربية إلى جنوب وغرب القارة الأوروبية عبر شبه الجزيرة الآيبيرية (إسبانيا والبرتغال) ما يساهم في تشكل مرتفع جوي قوي في طبقات الجو كافة، والذي سيدفع بكتلة هوائية باردة جديدة من مناطق شمال القارة الأوروبية باتجاه شرقها ولاحقا إلى جنوب شرقها وتحديدا فوق منطقة البلقان.
وفي حال استمرار تلك المؤشرات الجوية وما يرافقها من أوضاع جوية مناسبة في جنوب ووسط القارة الأوروبية، أي تمركز مساعد لمرتفع جوي في طبقات الجو كافة، فإن ذلك يدفع بالكتلة الباردة المذكورة بالاندفاع نحو الجزر اليونانية وجنوب غرب تركيا، بحسب "طقس العرب".
ويرافق ذلك تكون مبكر لمنخفض جوي من الطراز "التشريني" الرفيع والذي يمتاز بدرجات حرارة عظمى دون 20 مئوية نهارا وقد تلامس 10 درجات في أحياء العاصمة المرتفعة، وفق المركز.
وفي الوقت نفسه، فإن الاحتمالات بهذا الشأن ما تزال دون المتوسطة، نظرا لبعد الفترة الزمنية، وكثرة المتغيرات في الأنظمة الجوية والتي تؤثر في هذه الحالة، خاصة أننا لا نزال في فترة بداية فصل التغيرات الجوية وهو "الخريف"، فضلا عن أن التوقعات بعيدة المدى في مثل هذا الوقت لا تتسم بالدقة الشديدة.
وبخصوص التوقعات الأوروبية الموسمية للشتاء المقبل، اشار المركز إلى أن تلك التوقعات لم تكن رسمية في كل من روسيا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا، وإنما صدرت عن اجتهادات شخصية وفردية من علماء يعملون في تلك الدول.
وأوضح المركز أن هؤلاء العلماء استندوا لبعض الأدلة أو الحقائق العلمية وليس جميعها، والتي تبنى من خلالها عادة النشرة الموسمية للشتاء المقبل، لافتا إلى أن عوامل مناخية وجيوفيزيائية (وهي جزء من عشرات العوامل) ما تزال تتحكم في الغلاف الجوي وطبقة الستراتوسفير في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وتسري فيها الأنظمة الجوية، وتقلبات الطقس اليومية، ولم تأخذ صورتها النهائية بعد وستحمل الكثير من التغيرات خلال الشهرين المقبلين.
وبرغم ذلك، لم ينكر المتنبئون الجويون في مركز طقس العرب، احتمالية أن يكون الشتاء الحالي ماطرا مع تساقط للثلوج ولكن ليس بشكل تاريخي أو شديد، استنادا الى توقعات علمية، تتطلب تجمع كافة العوامل التي تفرز نشرة جوية موسمية ذات مصداقية جيدة نوعا ما، وهذا لا يكتمل في هذا الوقت من العام وإنما مع نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل".
وأكد المركز تأثر منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بما فيها المملكة، بشكل مباشر بالأحوال والأنظمة الجوية السائدة بالقارة الأوروبية، فيما اعتبر أن التنبؤ بالشتاء المقبل منذ الآن، وبقدر عال من المصداقية هو "ضرب من المُستحيل".
وأرجع أسباب ذلك إلى أن العوامل المناخية والجيوفيزيائية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، ما تزال في طور التبلور والتطور، معتبرا أن التوقعات الجوية للشتاء المقبل ذات مصداقية ضعيفة بالنسبة لأوروبا خاصة في مثل هذا الوقت المبكر، فكيف الحال بالأردن، والتي تعتبر القارة الأوروبية ومنطقة البحر الأبيض المتوسط مصدرها الرئيسي من الفعاليات الجوية والكتل الهوائية المختلفة الماطر منها على الأقل.
واعتبر مركز طقس العرب أن اعتدال درجات حرارة خلال الصيف "مؤشر جيد على قوة الشتاء المقبل"، ما يدفع نحو التفاؤل بذلك، سيما وأن الصيف كان أكثر اعتدالا من المعتاد ولم يحمل أي موجة حارة طويلة الأمد بشكل لم يتكرر منذ صيف 2006.