القسم : عربي - نافذة شاملة
نبض تيليجرام فيس بوك
نشر بتاريخ : 30/06/2020 توقيت عمان - القدس 12:23:46 AM
طفلة يمنيّة نازحة تروي قصتها داخل المخيّم… هل يسمعها العالم الأصم؟
طفلة يمنيّة نازحة تروي قصتها داخل المخيّم… هل يسمعها العالم الأصم؟
هناك أماكن مظلمة جداً وتشتد ظلمتها كلما ازداد ظلم البشر. أماكن ينسى الناس فيها. لا يذكرهم أحد.
أتساءل وبمرارة شديدة: من منا فكر ولو للحظة عابرة كيف ينام أطفال المخيمات، أطفال اليمن، وهو يستلقي فوق سريره الناعم المريح؟
من منا خطر له وهو يشرب كوب مائه أن يتساءل كيف يروي الأطفال ظمأهم في الأمكنة المنسية من عالمنا الجاحد؟
من منا حاول ولو لمرة واحدة أن يتخيل حياة الآخرين القاسية، فيما هو ينعم بحياة طبيعية ويشتكي لأتفه الأسباب؟
هنا تحضرني تلك الأبيات الدرويشيّة النابضة أبداً:
وأنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّر بغيرك
لا تَنْسَ قوتَ الحمام
وأنتَ تعودُ إلى البيت، بيتكَ، فكِّر بغيركَ
لا تنس شعب الخيامْ
وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّر بغيركَ
ثمّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام
هناك في رقعة منسية، حيث تتكاثر الأحلام، وتعتمد السعادة على أبسط الأمور، تعيش الطفلة اليمنية منى زايد.
طفلة اشتهرت بعد أن انتشر لها فيديو بثته قنوات عديدة وتناقله مؤخراً رواد مواقع التواصل الاجتماعي وهي تعرفنا على حياتها.
حياة لا نعرفها نحن المنشغلون بذواتنا عن أوجاع الآخرين.
إنها نازحة صغيرة من الوازحية، في مدينة تعز، تعيش مع عائلتها في مخيم الشعب في عدن.
أخذتنا في رحلة لتعرفنا على بيتها:
بدأت بالحطب، الذي تحضره مع أهل المخيم من مكان بعيد. يحملونه فوق أكتافهم ليحرقوا به خيباتهم المتكاثرة وقسوة الأيام.
وقفت تلك الصغيرة قليلاً، وهي تنظر بفرح إلى مكان بائس وتقول بفخر:
«هنا تخبز أمي»!
وكأنها أرادت أن تقول: هنا تعجن أمي بملح يديها أرغفة تشبع بها صغارها. قد تكون أرغفة قليلة ناشفة لا شيء فيها، ولكنها تتكاثر بفعل المحبة.
ربما ترسم تلك السيدة على الأرض ليلاً شرح لحم ودجاح وبعض الفواكه الطازجة. وفي الصباح حين يتسلل ضوء الشمس تستيقظ تلك الأشياء المرسومة من نومها وتخرج من الورق لتكرج نحو الأطفال.
قد نعجز أن نحصي في بلادنا عدد المرات، التي تواطأ فيها الفقر مع الخيال ليشبع الجائعين.
ثم أشارت منى إلى أختها وبنات خالها وهن يلعبن بالمكعبات. يجلسن كلهن على الأرض في مكان كئيب ولكنهن أضأنه وزينّه بضحكاتهن البريئة.
ألم يقل المارد الأناني، أحد أبطال مجموعة قصصيّة بعنوان «الأمير الصغير» لأوسكار وايلد:
«إن عندي من عديد الزهر كل ما جمل وحسن،
ولكن الأطفال أزهار تفوق كل زهر وسامة وقامة وحسناً…».
اصطحبتنا الصغيرة إلى غرفة نوم العائلة. لتعرفنا على شقيقها سلطان والمكان الصغير، الذي ينامون كلهم فيه.
أسرة من حديد ثبتت أقدامها بالحجارة. كان الطفل سلطان ينام كالملاك الصغير. طفل يحمل اسماً لا يشبه حياته. ربما سمته أمه ذلك الاسم رغبة منها بالتحايل على القدر، وخداعه!
ولكن أقدار الفقراء في هذا الكوكب متشابهة وتختزل كلها بكلمة واحدة: الوجع.
غرفة واحدة تنام فيها كل العائلة. ربما ينامون فقط ليحلموا. فلا قدرة لديهم على تحقيق متطلباتهم اليومية البسيطة سوى عبر الأحلام.
هناك في الجهة المقابلة كانت تكنس أخت منى الأرض. بدت المكنسة أكبر منها حجماً، ولكنها كانت تحكم السيطرة عليها بيديها الصغيرتين، غير آبهة بالكاميرا المتنقلة. تنظف الأرض بجهد كي يتسع المكان.
بعدها انتقلت بنا منى إلى المطبخ لتعرفنا على أمها.
كانت تجلس على الأرض وأمامها وعاء كبير تطهو فيه بعض ما توفر لديها.
أخبرتنا الصغيرة أن والدتها تطلب منها يومياً أن تذهب لتحضر الماء للطبخ من الخزان الرئيسي. قالت إنها تحمل إناء أصفر، وقد ازداد اصفراره من شدة الخيبة، وتمشي مسافة طويلة مع صديقتها الصغيرة رهف كي تملأه بالماء.
كانت تذهب مع رهف إلى المدرسة، ولكنها مقفلة الآن بسبب فيروس الكورونا. جاء الفيروس اللعين ليقفل مزيداً من الأبواب في وجوه النازحين. وكأنهم لم يكتفوا بما أغلقته الحروب.
توقفت منى فجأة عن المشي. ثم شاهدناها وهي تطلب من صديقتها أن تنتظرها لتدخل وتغسل وجهها في واحد من الحمامات المشتركة المخصصة للمخيم.


قالت إن سكان المخيم يحاولون الحفاظ على النظافة كي لا يصابوا بالفيروسات.
تعود منى بسرعة لتساعد أمها في تحضير الطعام. فتنظف الخضراوات بالماء اعتقاداً منها أن الماء بمفرده يطهر المأكولات، وقد يقيهم من الإصابة بفيروس كورونا. تغسل يديها بالماء جيداً أيضاً للحماية من المرض.
ولكن أين الصابون؟
تقول حتى لو لم يكن هناك صابون سأغسل يدي بالماء كي لا أصاب بالمرض.
طفلة تحاول أن تحارب المرض بالقليل المتوفر لديها. لا يهم من يكسب المعركة، ولكن يكفيها شرف المحاولة. هي لن تستسلم أبداً.
تنهي الصغيرة جولتها قائلة:
«أنا فرحانة هنا بين عائلتي وأصدقائي»
طوبى لهؤلاء الصغار، الذين يعانون يومياً ويصبرون بابتساماتهم النّيرة الطاهرة على الظروف الصعبة التي لا تليق بالطفولة.
طوبى لهم لأنهم يفرحون بمن حولهم ويزهدون بحاجاتهم اليومية.
إنها المحبة. رفعتهم إلى أعلى مراتب الفرح. هللويا هللويا.


الحقيقة الدولية – وكالات 

Tuesday, June 30, 2020 - 12:23:46 AM
المزيد من اخبار القسم الاخباري

آخر الاضافات


أخبار منوعة
حوادث



>
جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023