الحقيقة الدولية- المحرر السياسي

تعكس تحركات جيش الاحتلال الإسرائيلي الخطيرة داخل الأراضي السورية مؤخراً، التي أحرز خلالها تقدماً لافتاً خلال اليومين الماضيين باتجاه العاصمة دمشق، حتى باتت قواته على مسافة لا تتجاوز 11 كيلومتراً فقط من قلب العاصمة، تحولاً نوعياً دراماتيكياً في قواعد الاشتباك، حيث يتزامن هذا التقدم مع التوترات التي لم تهدأ بعد في محافظة السويداء، و"رسائل" الغارات الجوية "الإسرائيلية" التي طالت مواقع حساسة في قلب دمشق، في مؤشر واضح على دخول الصراع مرحلة جديدة بالغة الخطورة.

قوات الاحتلال تقدمت واقتحمت بلدة قطنا، الواقعة على تخوم دمشق، بعدما عبرت عدداً من القرى الدرزية مثل عيسم، بقعسم، قلعة جندل، وبيت جن، وصولاً إلى بلدة حضر، ونفّذت أعمال جرف تهدف فيما يبدو إلى إنشاء نقاط تمركز دائمة، في خطوة تمهد لتثبيت وجود طويل الأمد قرب العاصمة السورية!

وتشكل هذه التحركات تطوراً خطيراً للغاية، يُنذر بأن دمشق قد تكون فعلياً قد دخلت في نطاق الاستهداف الناري المباشر من قبل الاحتلال، سيما وأن تعزيزات إسرائيلية ضخمة قد رصدت في الجنوب السوري، حيث ارتفع عدد جنود الاحتلال المنتشرين في مناطق الجولان، جبل الشيخ، والقنيطرة إلى نحو 45 ألف جندي من تشكيلات عسكرية متنوعة، وفق ما أكدته صور أقمار صناعية وتقارير استخباراتية.

وتتعزز التكهنات بشأن نوايا الاحتلال بعد اقدامه في سابقة خطيرة هي الأولى منذ حرب تشرين عام 1973على نشر بطاريات مدفعية من طراز "هاوتزر" داخل الأراضي السورية، ما يثير تساؤلات ملحّة حول طبيعة المرحلة المقبلة، وإلى أي مدى يعتزم الكيان المضي في مشروعه لتوسيع "المنطقة العازلة" التي بدأ في رسم ملامحها نهاية العام الماضي، أو حتى الاقدام على ما هو أبعد من ذلك، سيما وأن الغارات الجوية التي استهدفت مواقع سيادية في دمشق، من بينها مقر رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع، تؤكد أن الاحتلال يتعامل مع دمشق كهدف مباشر قابل للاقتحام الناري وربما البري لاحقاً!.

الاقتراب الإسرائيلي حتى مسافة 11 كم من دمشق، ونشر "الهاوتزر"، وتحرك الوحدات الخاصة داخل الأراضي السورية، ورفع اعداد قوات الاحتلال لأرقام ضخمة.. كلها، مؤشرات بالغة الخطورة لا ينبغي على القيادة السورية أو حلفائها التغاضي عنها، فالوضع الميداني يوحي بتحول استراتيجي من "تثبيت وجود عسكري دائم في الجنوب السوري تحت ذريعة حماية الأمن القومي الإسرائيلي"، إلى فرض وقائع جديدة على الأرض بقوة السلاح.

الوضع الأمني الهش في الجنوب السوري، وتراجع سيطرة الدولة المركزية، إضافة إلى أحداث السويداء، كلها، عوامل يُنظر إليها "إسرائيلياً" كـ "فرصة سانحة"  لكيان لا يجد من يردعه للتوغل وتوسيع النفوذ، وهو الذي يمارس أعتى حرب ابادة سجلت في تاريخ البشرية على أهالي قطاع غزة دون رقيب أو حسيب.

كذلك، لا يمكن إغفال البُعد الداخلي في الكيان المحتل، حيث تسعى حكومة نتنياهو – الأكثر تطرفاً في تاريخ الاحتلال – إلى تصعيد خارجي يعزز شعبيتها داخلياً، ويضمن بقاء نتنياهو في الحكم لأطول فترة ممكنة، على حساب الدم العربي الذي يبدو أن أهله ما عاد يعنيهم دمهم، وتركوا الكيان المجرم يسرح ويمرح كيفما شاء، واكتفوا باحصاء اعداد الشهداء، ومشاهدة مسلسل الابادة!